سورة الجاثية - تفسير السعدي | |
| | |
" حم " | |
(حم) سبق الكلام على الحروف المقطعة في أول سورة البقرة. | |
" تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم " | |
هذا القرآن منزل من الله العزيز في انتقامه | |
| من أعدائه, الحكيم في تدبير أمور خلقه. | |
" إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين " | |
إن في السموات السبع اللاتي منهن نزول | |
| الغيث, بالأرض التي منها خروج الخلق, لأدلة وحججا للمؤمنين بها. | |
" وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون " | |
وفي خلقكم أيها الناس- وخلق ما تفرق في | |
| الأرض من دابة تدب عليها, حجح وأدلة لقوم يوقنون بالله وشرعه. | |
" واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به | |
| الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون " | |
وفي اختلاف الليل والنار وتعاقبهما عليكم | |
| وما أنزل الله من السماء من مطر, فأحيا به الأرض بعد يبسها, فاهتزت بالنبات | |
| والزرع, وفي تصريف الرياح لكم من جميع الجهات وتصريفها لمنافعكم, أدله وحجج لقوم | |
| يعقلون عن الله حججه وأدلته. | |
" تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته | |
| يؤمنون " | |
هذه الآيات والحجج نتلوها عليك- يا محمد- | |
| بالحق, فبأي حديث بعد الله وآياته وأدلته على وحدانيته يؤمنون ويصدقون ويعملون؟ | |
" ويل لكل أفاك أثيم " | |
هلاك شديد ودمار لكل كذاب كثير الآثام. | |
" يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره | |
| بعذاب أليم " | |
يسمع آيات كتاب الله تقرأ عليه, ثم يتمادى | |
| في كفره متعاليا في نفسه عن الانقياد لله ورسوله, كأنه لم يسمع ما تلي عليه من آيات | |
| الله, فبشر- يا محمد- هذا الأفاك الأثيم بعذاب مؤلم مؤجع في نار جهنم يوم القيامة. | |
" وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين | |
| " | |
وإذا علم هذا الأفاك الأثيم من آياتا شيئا اتخذها هزوا وسخرية, أولئك | |
| لهم عذاب يهينهم, ويخزيهم يوم القيامة. | |
| جزاء استهزائهم بالقرآن. | |
" من ورائهم جهنم ولا يغني عنهم ما كسبوا شيئا ولا ما اتخذوا من | |
| دون الله أولياء ولهم عذاب عظيم " | |
من أمام هؤلاء المستهزئين بآيات الله جهنم, ولا يغني عنهم ما كسبوا | |
| شيئا من المال والولد, ولا آلهتهم التي عبدوها من دون الله, ولهم عذاب عظيم مؤلم. | |
" هذا هدى والذين كفروا بآيات ربهم لهم عذاب من رجز أليم " | |
هذا القرآن الذي أنزلناه عليك- يا محمد- هدى | |
| من الضلالة, ودليل على الحق, يهدي إلى طريق مستقيم من اتبعه وعمل به, والذين جحدوا | |
| بما في القرآن من الآيات الدالة على الحق ولم يصدقوا بها, لهم عذاب من أسوأ أنواع | |
| العذاب يوم القيامة, مؤلم موجع. | |
" الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من | |
| فضله ولعلكم تشكرون " | |
الله سبحانه وتعالى هو الذي سخر لكم البحر; | |
| لتجري السفن فيه بأمره, ولتبتغوا من فضله بأنواع التجارت والمكاسب, ولعلكم تشكرون | |
| ربكم على تسخيره ذلك لكم, فتعبدوه وحده, وتطيعوه فيما يأمركم به, وينهاكم عنه. | |
" وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك | |
| لآيات لقوم يتفكرون " | |
وسخر لكم كل ما في السموات من شمس وقمر | |
| ونجوم, وكل ما في الأرض من دابة وشجر وسفن وغير ذلك لمنافعكم, جميع هذه النعم منة | |
| من الله وحده أنعم بها عليكم, وفضل منه تفضل به, فإياه فاعبدوا, ولا تجعلوا له | |
| شريكا إن فيما سخره الله لكم لعلامات ودلالات على وحدانية الله لقوم يتفكرون في | |
| آيات الله وحججه وأدلته, فيعتبرون بها. | |
" قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزي قوما بما | |
| كانوا يكسبون " | |
قل- يا محمد- للذين صدقوا بالله واتبعوا رسله | |
| يعفوا, ويتجاوزوا عن الذين لا يرجون ثواب الله, ولا يخافون بأسه إذا هم نالوا | |
| الذين آمنوا بالأذى والمكروه; ليجزي الله هؤلاء المشركين بما كانوا يكسبون في | |
| الدنيا من الآثام وإيذاء المؤمنين. | |
" من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون " | |
من عمل من عباد الله بطاعته فلنفسه عمل, ومن أساء عمله في الدنيا | |
| بمعصية الله فعلى نفسه جنى, ثم إنكم - أيها الناس - إلى ربكم تصيرون بعد موتكم, | |
| فيجازي المحسن بحسانه, والمسيء بإساءته. | |
" ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من | |
| الطيبات وفضلناهم على العالمين " | |
ولقد آتينا بني إسرائيل التوراة والإنجيل والحكم بما فيهما, يجعلنا | |
| أكثر الأنبياء من ذرية إبراهيم عليه السلام فيهم, ورزقناهم من الطيبات من الأقوات | |
| والثمار والأطعمة, وفضلناهم على عالمي زمانهم. | |
" وآتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم | |
| بغيا بينهم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون " | |
وآتينا بني إسرائيل شرائع واضحات في الحلال | |
| والحرام, ودلالات تبين الحق من الباطل, فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم, | |
| وقامت الحجة عليهم, وإنما حملهم على ذلك بغي بعضهم على بعض, طلبا للرفعة والرئاسة, | |
| إن ربك- يا محمد- يحكم بين المختلفين من بني إسرائيل يوم القيامة فيما كانوا فيه | |
| يختلفون في الدنيا وفي هذا تحذير لهذه الأمة أن تسلك مسلكهم. | |
" ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا | |
| يعلمون " | |
ثم جعلناك- يا محمد- على منهاج واضح من أمر | |
| الدين, فاتبع الشريعة التي جعلناك عليها, ولا تتبع أهواء الجاهلين بشرع الله الذين | |
| لا يعلمون الحق. | |
| وفي الآية دلالة عظيمة على كمال هذا الدين وشرفه, ووجوب الانقياد لحكمه, وعدم | |
| الميل إلى أهواء الكفرة والملحدين. | |
" إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض | |
| والله ولي المتقين " | |
إن هؤلاء المشركين بربهم الذين يدعونك إلى اتباع أهوائهم لن يغنوا عنك- | |
| يا محمد- من عقاب الله شيئا إن اتبعت أهوائهم, إن الظالمين المتجاوزين حدود الله | |
| من المنافقين واليهود وغيرهم بعضهم أنصار بعض على المؤمنين بالله وأهل طاعته, | |
| والله ناصر المتقين ربهم بأداء فرائضه واجتنب نواهيه. | |
" هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون " | |
هذا القرآن الذي أنزلناه إليك يا محمد بصائر يبصر به الناس الحق من | |
| الباطل, ويعرفون به سبيل الرشاد, وهدى ورحمة لقوم يؤمنون بحقيقة صحته, وأنه تنزيل | |
| من الله العزيز الحكيم. | |
" أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا | |
| الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون " | |
بل أظن الذين اكتسبوا السيئات, وكذبوا رسل الله, | |
| وخالفوا أمر ربهم, وعبدوا غيره, أن نجعلهم كالذين أمنوا بالله, وصدقوا رسله وعملوا | |
| الصالحات, وأخلصوا له العبادة دون سواه, ونساويهم بهم في الدنيا والآخرة ساء حكمهم | |
| بالمساواة بين الفجار والأبرار في الآخرة. | |
" وخلق الله السماوات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا | |
| يظلمون " | |
وخلق الله السموات والأرض بالحق والعدل والحكمة; ولكي تجزى كل نفس في | |
| الآخرة بما كسبت من خير أو شر, وهم لا يظلمون جزاء أعمالهم. | |
" أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه | |
| وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون " | |
أفرأيت- يا محمد- من اتخذ هواه . | |
| إلها له, فلا يهوى شيئا إلا فعله, وأضله الله بعد بلوغ العلم إليه وقيام الحجة | |
| عليه, فلا يسمع مواعظ الله, ولا يعتبر بها, وطبع على قلبه, فلا يعقل به شيئا, وجعل | |
| على بصره غطاء, فلا يبصر به حجج الله؟ فمن يوفقه لإصابة الحق والرشد بعد إضلال | |
| الله إياه؟ لئلا تذكرون -أيها الناس- فتعلموا أن من فعل الله به ذلك فلن يهتدي | |
| أبدا, ولن يجد لنفسه وليا مرشدا؟ والآية أصل في التحذير من أن يكون الهوى هو | |
| الباعث للمؤمنين على أعمالهم | |
" وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا | |
| الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون " | |
وقال هؤلاء المشركون: ما الحياة إلا حياتنا الدنيا التي نحن فيها, لا | |
| حياة سواها; تكذيبا منهم بالبعث بعد الممات, وما يهلكنا إلا مر الليالي والأيام | |
| وطول العمر, إنكارا منهم أن يكون لهم رب يفنيهم ويهلكهم, وما لهؤلاء المشركين من | |
| علم بذلك, ما هم إلا يتكلمون بالظن والوهم والخيال. | |
" وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا | |
| بآبائنا إن كنتم صادقين " | |
إذا تتلى على هؤلاء المشركين المكذبين بالبحث آياتنا واضحات, لم يكن | |
| لهم حجة إلا فيهم الرسول محمد: أخي أنت والمؤمنون معك أباءنا الذين قد هلكوا, إن | |
| كنتم صادقين فيما تقولون. | |
" قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه | |
| ولكن أكثر الناس لا يعلمون " | |
فل- يا محمد- لهؤلاء المشركين المكذبين | |
| بالبعث: الله سبحانه, وتعالى يحييكم في الدنيا ما شاء لكم الحياة, ثم يميتكم فيها, | |
| ثم يجمعكم جميعا أحياء إلى يوم القيامة لا شك فيه, ولكن أكثر الناس لا يعلمون | |
| حقيقة أن الله محييهم بعد مماتهم. | |
" ولله ملك السماوات والأرض ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون | |
| " | |
ولله سبحانه سلطان السموات السبع والأرض خلقا وملكا وعبودية. | |
| ويوم تجيء الساعة التي يبعث فيها الموتى من قبورهم ويحاسبون, يخسر الكافرون بالله | |
| الجاحدين بما أنزله على رسوله من الآيات البينات والدلائل الواضحات. | |
" وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم | |
| تعملون " | |
وترى- يا محمد- يوم تقوم الساعة أهل كل ملة ودين جاثمين على ركبهم, كل | |
| أمة تدعى إلى كتاب أعمالها, ويقال لهم: اليوم تجزون ما كنتم تعملون من خير أو شر . | |
" هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون | |
| " | |
هذا كتابنا ينطق عليكم بجميع أعمالكم من غير | |
| زيادة ولا نقص, إنا كنا نأمر الحفظة أن تكتب أعمالكم عليكم. | |
" فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ذلك هو | |
| الفوز المبين " | |
فأما الذين آمنوا بالله ورسوله في الدنيا, وامتثلوا أوامره واجتنبوا | |
| نواهيه, فيدخلهم ربهم في جنته برحمته, ذلك الدخول هو الفوز البين الذي لا فوز بعده. | |
" وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم | |
| قوما مجرمين " | |
وأما الذين جحدوا توحيد الله وكذبوا رسله, | |
| فيقال لهم تقريعا وتوبيخا: أفلم تكن أياتي في الدنيا تتلى عليكم, فاستكبرتم عن | |
| استماعها والإيمان بها, وكنتم قوما مشركين تكسبون المعاصي ولا تؤمنون بثواب ولا | |
| عقاب؟ | |
" وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم ما ندري ما | |
| الساعة إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين " | |
وإذا قيل لكم: إن وعد الله ببعث الناس من قبورهم حق, والساعة لا شك | |
| فيها, قلتم: ما ندري ما الساعة؟ نتوقع وقوعها إلا توهما, وما نحن بمتحققين أن | |
| الساعة آتية. | |
" وبدا لهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون " | |
وظهر لهؤلاء الذين كانوا يكذبون بآيات الله ما عملوا في الدنيا من | |
| الأعمال القبيحة, ونزل بهم من عذاب الله جزاء ما كانوا به يستهزئون. | |
" وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا ومأواكم النار وما | |
| لكم من ناصرين " | |
وقيل لهؤلاء الكفرة: اليوم نترككم في عذاب جهنم, كما تركتم الإيمان | |
| بربكم والعمل للقاء يومكم هذا, ومسكنكم نار جهنم, وما لكم من ناصرين ينصرونكم من | |
| عذاب الله. | |
" ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزوا وغرتكم الحياة الدنيا فاليوم | |
| لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون " | |
هذا الذي حل بكم من عذاب الله ; بسبب أنكم اتخذتم آيات الله وحججه هزوا | |
| ولعبا, وخدعتكم زينة الحياة الدنيا, فاليوم لا تخرجون من النار, ولا هم يردون إلى | |
| الدنيا ليتوبوا ويعملوا صالحا. | |
" فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض رب العالمين " | |
فلله سبحانه وتعالى وحده الحمد على نعمه | |
| التي لا تحصى على خلقه, رب السموات والأرض وخالقهما ومدبرهما, رب الخلائق أجمعين. | |
" وله الكبرياء في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم " | |
وله وحده سبحانه العظمة والجلال والكبرياء والسلطان والقدرة والكمال في | |
| السموات والأرض, وهو العزيز الذي لا يغالب, الحكيم في أقواله وأفعاله وقدره وشرعه, | |
| تعالى وتقدس, لا إله إلا هو. | |
| |
أكثر المصاحف تفاعلاً