سورة ق - تفسير السعدي | |
| | |
" ق والقرآن المجيد " | |
" ق " سبق الكلام على الحروف المقطعة في أولى سورة | |
| البقرة. | |
| أقسم الله تعالى بالقرآن الكريم ذي المجد والشرف. | |
" بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب " | |
بل عجب المكذبون للرسول صلى الله عليه وسلم أن جاءهم منذر منهم ينذرهم | |
| عقاب الله, فقال الكافرون بالله ورسوله: هذا شيء مستغرب يتعجب منه. | |
" أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد " | |
أإذا متنا وصرنا ترابا, كيف يمكن الرجوع بعد ذلك إلى ما كنا عليه؟ ذلك | |
| رجع بعيد الوقوع | |
" قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ " | |
قد علمنا ما تنقص الأرض وتُفني من أجسامهم, | |
| وعندنا كتاب محفوظ من التغيير والتبديل, بكل ما يجري عليهم في حياتهم وبعد مماتهم. | |
" بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج " | |
بل كذّب هؤلاء المشركون بالقرآن حين جاءهم, | |
| فهم في أمر مضطرب مختلط, لا يثبتون على شيء, ولا يستقر لهم قرار. | |
" أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من | |
| فروج " | |
أغَفَلوا حين كفروا بالبعث, فلم ينظروا إلى السماء فوقهم, كيف بنيناها | |
| مستوية الأرجاء, ثابتة البناء, وزيناها بالنجوم, وما لها من شقوق وفتوق, فهي سليمة | |
| من التفاوت والعيوب؟ | |
" والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج | |
| " | |
والأرض وسَّعْناها وفرشناها, وجعلنا فيها جبالا ثوابت; لئلا تميل | |
| بأهلها, وأنبتنا فيها من كل نوع حسن المنظر نافع, يسر ويبهج الناظر إليه. | |
" تبصرة وذكرى لكل عبد منيب " | |
خلق الله السموات والأرض وما فيهما من الآيات العظيمة عبرة يُتبصر بها | |
| من عمى الجهل, وذكرى لكل عبد خاضع خائف وجل, رجاع إلى الله عز وجل. | |
" ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد " | |
ونزلنا من السماء مطرا كثير المنافع, | |
| فأنبتنا به بساتين كثيرة الأشجار, وحب الزرع المحصود. | |
" والنخل باسقات لها طلع نضيد " | |
وأنبتنا النخل طوالا, لها طلع متراكب بعضه فوق بعض. | |
" رزقا للعباد وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج " | |
أنبتنا ذلك رزقا للعباد يقتاتون به حسب حاجاتهم, وأحيينا بهذا الماء | |
| الذي أنزلناه من السماء بلدة قد أجدبت وقحطت, فلا زرع فيها ولا نبات, كما أحيينا | |
| بذلك الماء الأرض الميتة نخرجكم يوم القيامة أحياء بعد الموت. | |
" كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود " | |
كذبت قبل هؤلاء المشركين من قريش قوم نوح وأصحاب البئر وثمود, | |
" وعاد وفرعون وإخوان لوط " | |
وعاد وفرعون وقوم لوط, | |
" وأصحاب الأيكة وقوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيد " | |
وأصحاب الأيكة قوم شعيب, وقوم تبع الحميري, كل هؤلاء الأقوام كذبوا | |
| رسلهم, فحق عليهم الوعيد الذي توعدهم الله به على كفرهم. | |
" أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد " | |
أفعجزنا عن ابتداع الخلق الأول الذي خلقناه | |
| ولم يكن شيئا, فنعجز عن إعادتهم خلقا جديدا بعد فنائهم؟ لا يعجزنا ذلك, بل نحن | |
| عليه قادرون, ولكنهم في حيرة وشك من أمر البعث والنشور. | |
" ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من | |
| حبل الوريد " | |
ولقد خلقنا الإنسان, ونعلم ما تحدث به نفسه, | |
| ونحن أقرب إليه من حبل الوريد (وهو عرق في العنق متصل بالقلب). | |
" إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد " | |
حين يكتب الملكان المترصدان عن يمينه وعن شماله أعماله. | |
| فالذي عن اليمين يكتب الحسنات, والذي عن الشمال يكتب السيئات. | |
" ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد " | |
ما يلفظ من قول فيتكلم به إلا لديه مَلَك يرقب قوله, ويكتبه, وهو مَلَك | |
| حاضر مُعَدّ لذلك. | |
" وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد " | |
وجاءت شدة الموت وغمرته بالحق الذي لا مرد | |
| له ولا مناص, ذلك ما كنت منه - أيها الإنسان - تهرب وتروغ. | |
" ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد " | |
ونُفخ في (القرن) نفخة البعث الثانية, ذلك | |
| النفخ في يوم وقوع الوعيد الذي توعد الله به الكفار. | |
" وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد " | |
وجاءت كل نفس معها مَلَكان, أحدهما يسوقها | |
| إلى المحشر, والآخر يشهد عليها بما عملت في الدنيا من خير وشر. | |
" لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد | |
| " | |
لقد كنت في غفلة من هذا الذي عاينت اليوم أيها الإنسان, فكشفنا عنك | |
| غطاءك الذي غطى قلبك, فزالت الغفلة عنك, فبصرك اليوم فيما تشهد قوي شديد. | |
" وقال قرينه هذا ما لدي عتيد " | |
وقال المَلَك للكاتب الشهيد عليه: هذا ما | |
| عندي من ديوان عمله, وهو لدي معد محفوظ حاضر. | |
" ألقيا في جهنم كل كفار عنيد " | |
يقول الله للمَلَكين السائق والشهيد بعد أن يفصل بين الخلائق: ألقيا في | |
| جهنم كل جاحد لوحدانية الله كثير الكفر والتكذيب معاند للحق, | |
" مناع للخير معتد مريب " | |
مناع لأداء ما عليه من الحقوق في ماله, معتد | |
| على عباد الله وعلى حدوده, شاك في وعده ووعيده, | |
" الذي جعل مع الله إلها آخر فألقياه في العذاب الشديد " | |
الذي أشرك بالله, فعبد معه معبودا آخر من | |
| خلقه, فألقياه في عذاب جهنم الشديد. | |
" قال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد " | |
قال شيطانه الذي كان معه في الدنيا: ربنا ما | |
| أضللته, ولكن كان في طريق بعيد عن سبيل الهدى. | |
" قال لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد " | |
قال الله تعالى: لا تختصموا لدي اليوم في موقف الجزاء والحساب; إذ لا | |
| فائدة من ذلك, وقد قدمت إليكم في الدنيا بالوعيد لمن كفر بي وعصاني. | |
" ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد " | |
ما يُغيَّر القول لدي, ولست أعذب أحدا بذنب | |
| أحد, فلا أعذب أحدا إلا بذنبه بعد قيام الحجة عليه. | |
" يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد " | |
اذكر - يا محمد - لقومك يوم نقول لجهنم يوم القيامة: هل امتلأت؟ وتقول | |
| جهنم: هل من زيادة من الجن والإنس؟ فيضع الرب - جل جلاله - قدمه فيها, فينزوي | |
| بعضها على بعض, وتقول: قط, فط. | |
" وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد " | |
وقُرِّبت الجنة للمتقين مكانا غير بعيد | |
| منهم, فهم يشاهدونها زيادة في المسرة لهم. | |
" هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ " | |
يقال لهم: هذا الذي كنتم توعدون به - أيها | |
| المتقون - لكل تائب من ذنوبه, حافظ لكل ما قربه إلى ربه, من الفرائض والطاعات, | |
" من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب " | |
من خاف الله في الدنيا ولقيه يوم القيامة بقلب تائب من ذنوبه. | |
" ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود " | |
ويقال لهؤلاء المؤمنين: ادخلوا الجنة دخولا | |
| مقرونا بالسلامة من الآفات والشرور, مأمونا فيه جميع المكاره, ذلك هو يوم الخلود | |
| بلا انقطاع. | |
" لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد " | |
لهؤلاء المؤمنين في الجنة ما يريدون, ولدينا | |
| على ما أعطيناهم زيادة نعيم, أعظمه النظر إلى وجه الله الكريم. | |
" وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل | |
| من محيص " | |
وأهلكنا قبل هؤلاء المشركين من قريش أمما | |
| كثيرة, كانوا أشد منهم قوة وسطوة, فطوَّفوا في البلاد وعمَّروا ودمَّروا فيها, هل | |
| من مهرب من عذاب الله حين جاءهم؟ | |
" إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد " | |
إن في إهلاك القرون الماضية لعبرة لمن كان | |
| له قلب يعقل به, أو أصغى السمع, وهو حاضر بقلبه, غير غافل ولا ساه. | |
" ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من | |
| لغوب " | |
ولقد خلقنا السموات السبع والأرض وما بينهما | |
| من أصناف المخلوقات في ستة أيام, وما أصابنا من ذلك الخلق تعب ولا نَصَب. | |
| وفي هذه القدرة العظيمة دليل على قدرته سبحانه - على إحياء الموتى من باب أولى. | |
" فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب | |
| " | |
فاصبر - يا محمد - على ما يقوله المكذبون, فإن الله لهم بالمرصاد, وصل | |
| لربك حامدا له صلاة الصبح قبل طلوع الشمس وصلاة العصر قبل الغروب, | |
" ومن الليل فسبحه وأدبار السجود " | |
وصل من الليل, وسبح بحمد ربك عقب الصلوات. | |
" واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب " | |
واستمع - يا محمد - يوم ينادي المَلَك بنفخه | |
| في (القرن) من مكان قريب, | |
" يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج " | |
يوم يسمعون صيحة البعث بالحق الذي لا شك فيه | |
| ولا امتراء, ذلك يوم خروج أهل القبور من قبورهم. | |
" إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير " | |
إنا نحن نحيي الخلق ونميتهم في الدنيا, وإلينا مصيرهم جميعا يوم | |
| القيامة للحساب والجزاء, | |
" يوم تشقق الأرض عنهم سراعا ذلك حشر علينا يسير " | |
يوم تتصدع الأرض عن الموتى المقبورين بها, | |
| فيخرجون مسرعين إلى الداعي, ذلك الجمع في موقف الحساب علينا سهل يسير. | |
" نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف | |
| وعيد " | |
نحن أعلم بما يقول هؤلاء المشركون من افتراء على الله وتكذيب بآياته, | |
| وما أنت - يا محمد - عليهم بمسلَّط; لتجبرهم على الإسلام, وإنما بُعِثْتُ مبلِّغا, | |
| فذكِّر بالقرآن من يخشى وعيدي; لأن من لا يخاف الوعيد لا يذَّكر. | |
| |
أكثر المصاحف تفاعلاً