سورة الحديد - تفسير السعدي | |
| | |
" سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم " | |
مجد الله ونزهه | |
| عن السوء ما في السموات والأرض من جميع مخلوفاته, وهو العزيز على خلقه, الحكيم في | |
| تدبير أمهورهم. | |
" له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير " | |
له ملك السموات والأرض وما فيهما, فهو | |
| المالك المتصرف في خلقه, يحيي ويميت, وهو على كل شيء قدير, لا يتعذر عليه شيء | |
| أراده, فما ضاع كان, وما لم يشأ لم يكن. | |
" هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم " | |
هو الأول الذي ليس قبله شيء, والآخر الذي ليس بعده شيء, والظاهر الذي | |
| ليس فوقه شيء, والباطن الذي ليس لونه شيء, ولا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في | |
| السماء, وهو بكل شيء عليم | |
" هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش | |
| يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم | |
| أين ما كنتم والله بما تعملون بصير " | |
هو الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في | |
| ستة أيام, ثم استوى على عرشه فوق جميع خلقه استواء يليق بجلاله, يعلم ما يدخل في | |
| الأرض من حب ومطر وغير ذلك, وما يخرج منها من نبات وزرع وثمر, وما ينزل من السماء | |
| من مطر وغيره, وما يعرج فيها من الملائكة والأعمال, وهو سبحانه معكم بعلمه أينما | |
| كنتم, والله بصير بأعمالكم التي تعملونها, وسيجازيكم عليها. | |
" له ملك السماوات والأرض وإلى الله ترجع الأمور " | |
له ملك السموات والأرض, وإلى الله مصير أمير | |
| الخلائق في الآخرة, وسيجازيهم على أعمالهم. | |
" يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات | |
| الصدور " | |
يدخل ما نقص من ساعات الليل في النهار فيزيد النهار, ويدخل ما نقص من | |
| ساعات النهار في الليل فيزيد الليل, وهو سبحانه عليم بما في صدور خلقه. | |
" آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين | |
| آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير " | |
آمنوا بالله ورسوله محمد صلى الله عليه | |
| وسلم, وأنفقوا مما رزقكم الله من المال واستخلفكم فيه, فالذين إمنوا منكم أيها | |
| الناس, وأنفقوا من مالهم, لهم ثواب عظيم. | |
" وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ | |
| ميثاقكم إن كنتم مؤمنين " | |
وأي عذر لكم في أن لا تصدقوا بوحدانية الله وتعملوا بشرعه, والرسول | |
| يدعوكم إلى ذلك, وقد أخذ الله ميثاقكم على ذلك, إن كنتم مؤمنين بالله خالقكم؟ | |
" هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور | |
| وإن الله بكم لرءوف رحيم " | |
هو الذي ينزل على عبده محمد صلى الله عليه وسلم آيات مفصلات واضحات من | |
| القرآن, ليخرجكم بذلك من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان, إن الله بكم في إخراجكم من | |
| الظلمات إلى النور لرؤوف رحيم. | |
" وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والأرض لا | |
| يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد | |
| وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير " | |
وأي شيء يمنعكم من الإنفاق في سبيل الله؟ | |
| ولله ميراث السموات والأرض يرث كل ما فيهما, ولا يبقى أحد مالكا لشيء فيهما. | |
| لا يستوي في الأجر والمثوبة منكم من أنفق من قبل فتح " مكة | |
| " وقاتل الكفار, أولئك أعظم درجة عند الله من الذين أنفقوا في سبيل | |
| الله من بعد الفتح وقاتلوا الكفار, وكلا من الفريقين وعد الله الجنة, والله | |
| بأعمالكم خبير لا يخفى عليه شيء منها, وسيجازيكم عليها. | |
" من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم " | |
من ذا الذي ينفق في سبيل الله محتسبا من | |
| قلبه بلا من ولا أذى, فيضاعف له ربه الأجر والثواب, وله جزاء كريم, وهو الجنة؟. | |
" يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم | |
| بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم " | |
يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم على | |
| الصراط بين أيديهم وعن أيمانهم, بقدر أعمالهم, ويقال لهم: بشراكم اليوم دخول جنات | |
| واسعة تجري من تحت أشجارها الأنهار, لا تخرجون منها أبدا, ذلك الجزاء هو الفوز العظيم | |
| لكم في الآخرة. | |
" يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من | |
| نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة | |
| وظاهره من قبله العذاب " | |
يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا, | |
| وهم على الصراط: انتظرونا نستضئ من نيوركم, فتقول لهم الملائكة: ارجوعا وراءكم | |
| فاطلبوا نورا (سخرية منهم), ففصل بينهم بسور له باب, باطنة مما يلي المؤمنين فيه | |
| الرحمة, وظاهره مما يلي المنافقين من جهته العذاب. | |
" ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم | |
| وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور " | |
مما يلي المنافقون المؤمنين قائلين: ألم نكن معكم في الدنيا, نؤدي | |
| شعائر الدين مثلكم؟ قال المؤمنون لهم: بلى قد كنتم معنا في الظاهر, ولكنكم أهلكتم | |
| أنفسكم بالنفاق والمعاصي, وتربصتم بالنبي الموت وبالمؤمنين الدوائر, وشككتم في | |
| البعث بعد الموت, وخدعتكم أمانيكم الباطلة, وبقيتم على ذلك حتى جاءكم الموت وخدعكم | |
| بالله الشيطان. | |
" فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي | |
| مولاكم وبئس المصير " | |
فاليوم لا تقبل من أحد منكم أيها المنافقون | |
| عوض. | |
| ليفتدي به من عذاب الله, ولا من الذين كفروا بالله ورسوله, مصيركم جميعا النار, هي | |
| أولى بكم من كل منزل, وبئس المصير هي. | |
" ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق | |
| ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم | |
| فاسقون " | |
ألم يحن الوقت للذين صدقوا الله ورسوله واتبعوا هديه, أن تلين قلوبهم | |
| عند ذكر الله وسماع القرآن, ولا يكونوا في قسوة القلوب كالذين أوتوا الكتاب من | |
| قبلهم- من اليهود والنصرى- الذين طال عليهم الزمان فبدلوا كلام الله, فقست قلوبهم, | |
| وكثير منهم خارجون عن طاعة الله؟ وفي الآية الحث على الرقة والخشوع لله سبحانه عند | |
| سماع ما أنزله من الكتب والحكمة, والحذر من التشبه باليهود والنصارى, في قسوة | |
| قلوبهم, وخروجهم عن طاعة الله. | |
" اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم | |
| تعقلون " | |
اعلموا أن الله سبحانه وتعالى يحيي الأرض | |
| بالمطر بعد موتها, فتخرج النبات, فكذلك الله قادر على إحياء الموتى يوم القيامة, | |
| وهو القادر على تليين القلوب بعد قسوتها. | |
| قد بينا لكم دلائل قدرتنا, لعلكم تعقلونها فتتعظوا. | |
" إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم ولهم أجر | |
| كريم " | |
إن المتصدتقين من أموالهم والمتصدقات, | |
| وأنفقوا في سبيل الله نفقات طيبة بها نفوسهم. | |
| ابتغاء وجه الله تعالى, يضاعف لهم ثواب ذلك, ولهم فوق ذلك ثواب جزيل, وهو الجنة. | |
" والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم | |
| لهم أجرهم ونورهم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم " | |
والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين | |
| أحد منهم, أولئك هم الصديقون, والشهداء عند ربهم لهم ثوابهم الجزيل عند الله, | |
| ونورهم العظيم يوم القيامة, والذين كفروا وكذبوا بآيتنا وحججنا أولئك أصحاب | |
| الجحيم, فلا أجر لهم, ولا نور. | |
" اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر | |
| في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون | |
| حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع | |
| الغرور " | |
اعلموا يا أيها الناس- أنما الحياة الدنيا لعب ولهو, تلعب بها الأبدان | |
| وتلهو بها القلوب, وزينة تتزينون بها, وتفاخر بينكم بمتاعها, وتكاثر بالعدد في | |
| الأموال والأولاد, مثلها كمثل مطر أعجب الزراع نباته, ثم يهيج هذا النبات فييبس, | |
| فتراه مصفرا بعد خضرته, ثم يكون فتاتا يابسا متهشما, وفي الآخرة عذاب شديد للكفار | |
| ومغفرة من الله ورضوان لأهل الإيمان. | |
| وما الحياة الدنيا لمن عمل لها ناسيا آخرته إلا متاع الغرور. | |
" سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت | |
| للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم " | |
سابقوا أيها الناس- في السعي إلى أسباب المغفرة من التوبة النصوح | |
| والابتعاد عن المعاصي. | |
| لتجزوا مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض, وهي معدة للذين وحدوا الله | |
| واتبعوا رسله, ذلك فضل الله الذي يؤتيه من يشاء من خلقه, فالجنة لا تنال إلا برحمة | |
| الله وفضله, والعمل الصالح. | |
| والله ذو الفضل العظيم على عباده المؤمنين. | |
" ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن | |
| نبرأها إن ذلك على الله يسير " | |
ما أصابكم- أيها الناس- من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم من الأمراض | |
| والجوع والأسقام إلا هو مكتوب في اللوح المحفوظ من قبل أن تخلق الأنفس إن ذلك على | |
| الله تعالى يسير. | |
" لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب | |
| كل مختال فخور " | |
لكي لا تحزنوا على ما فاتكم من الدنيا, ولا | |
| تفرحوا بما أتاكم فرح بطر وأشر. | |
| والله لا يحب كل متكبر بما أوتي من الدنيا فخور به على غيره. | |
" الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ومن يتول فإن الله هو الغني | |
| الحميد " | |
هؤلاء المتكبرون هم الذين يبخلون بمالهم, ولا ينفقونه في سبيل الله, | |
| ويأمرون الناس بالبخل بتحسينه لهم. | |
| ومن يتول عن طاعة الله لا يضر إلا نفسه, ولن يضر الله شيئا, فإن الله هو الغني عن | |
| خلقه, الحميد الذي له كل وصف حسن كامل, وفعل جميل يستحق أن يحمد عليه. | |
" لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم | |
| الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره | |
| ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز " | |
لقد أرسلنا رسلنا بالحجج الواضحات, وأنزلنا معهم الكتاب بالأحكام | |
| والشرائع, وأنزلنا الميزان! ليتعامل الناس بينهم بالعدل, وأنزلنا لهم الحديد, فيه | |
| قوة شديدة, ومنافع للناس متعددة, وليعلم الله من ينصر دينه ورسله بالغيب. | |
| إن الله قوي لا يقهر, عزيز لا يغالب. | |
" ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب | |
| فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون " | |
ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم إلى قومهما, | |
| وجعلنا في فردتهما النبغ والكتب المنزلة, فمن ذريتهما مهتد إلى الحق, وكثير منهم | |
| خارجون عن طاعة الله. | |
" ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه | |
| الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها | |
| عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم | |
| وكثير منهم فاسقون " | |
ثم أتبعنا على أثار نوح إبراهيم برسلنا | |
| الذين أرسلناهم بالبينات, وقفينا بعيسى بن مريم, وآتيناه الإنجيل, وجعلنا في قلوب | |
| الذين اتبعوه على دينه لينا وشفقة, فكانوا متوادين فيما بينهم, وابتدعوا رهبانية | |
| بالغلو في العبادة ما فرضناها عليهم, بل هم الذين التزموا بها من تلقاء أنفسهم, | |
| قصدهم بذلك رضا الله, فما قاموا بها حق القيام; إذ بدلوا وخلفوا دين الله, فأتينا | |
| الذين أمنوا منهم بالله ورسله أجرهم حسب أيمانهم, وكثير منهم خارجون عن طاعة الله | |
| مكذبون بنيه محمد صلى الله عليه وسلم, هذا جزاء الابتداع في الدين. | |
" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من | |
| رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم " | |
يا أيها الذين آمنوا, خافوا عقاب الله وآمنوا برسوله, يؤتكم ضعفين من | |
| رحمته, ويجعل لكم نورا تهتدون به, ويغفر لكم ذنوبكم, والله غفور لعباده, رحيم بهم. | |
" لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله وأن الفضل | |
| بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم " | |
أعطاكم الله تعالى ذلك كله, ليعلم أهل | |
| الكتاب الذين لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم, أنهم لا يقدرون على شيء من فضل | |
| الله يكسبونه لأنفسهم أو يمنحونه لغيرهم, وأن الفضل كله بيد الله وحده يؤتيه من | |
| يشاء من عباده, والله ذو الفضل العظيم على خلقه. | |
| |
أكثر المصاحف تفاعلاً