سورة المجادلة - تفسير السعدي | |
| | |
" قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله | |
| والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير " | |
فد سمع الله قول | |
| خولة بنت ثعلبة التي تراجعت في شأن زوجها أوس بن الصامت, وفيما صدر عنه في حقها من | |
| الظهار , وهو قوله لها: " أنت علي كظهر أمي " , أي: في حرمة النكاح , | |
| وهي تتضرع إلى الله تعالى; لتفريج كربتها , والله يسمع تخاطبهما ومراجعتكما. | |
| إن الله سميع لكل قول , بصير بكل شيء , لا تخفى عليه خافية. | |
" الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا | |
| اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفو غفور " | |
الذين يظاههون منكم من نسائهم , فيقول الرجل | |
| منهم لزوجته: " أنت علي كظهر أمي " , أي في حرمة | |
| النكاح- لسن في الحقيقة أمهاتهم, إنما هن زوجاتهم, ما أمهاتهم إلا اللائي يلدنهم. | |
| إن هؤلاء المظاهرين ليقولن قولا كاذبا فظيعا لا تعرف صحته. | |
| إن الله لعفو غفور عمن صدر منه بعض المخالفات , فتداركها بالتوبة النصوح. | |
" والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من | |
| قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير " | |
والذين يحرمون نساءهم على أنفسهم بالمظافرة منهن, ثم يرجعون عن قولهم | |
| ويعزمون على وطء نسائهم , فعلى الزوج المظاهر- والحالة هذه- كفارة التحريم , وهي | |
| عتق رقبة مؤمنة عبد أو أمة قبل أن يطأ زوجته التي ظاهر منها , ذلكم هو حكم الله | |
| فيمن ظاهر من زوجه توعظون به , أيها المؤمنون; لكي لا تقعوا في الظهار وقول الزور | |
| , وتكفروا إن وقعتم فيه , ولكي لا تعودوا إليه , والله لا يخفى عليه شيء من | |
| أعمالكم , وهو مجازيكم عليها. | |
" فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع | |
| فإطعام ستين مسكينا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم | |
| " | |
فمن لم يجد رقبة يعتقها , فالواجب عليه صيام | |
| شهرين متتاليين من قبل أن يطأ زوجه, فمن لم يستطع صيام الشهرين لعذر شرعي, فعليه | |
| أن يطعم ستين مسكينا ما يشبعهم , ذلك الذي بيناه لكم من أحكام الظهار; من أجل أن | |
| تصدقوا بالله وتتبعوا وسيله وتعملوا بما شرعه الله, وتتركوا ما كنتم عليه في | |
| جاهليتكم, وتلك الأحكام المذكورة هي أوامر الله وحدود فلا تتجاوزوها, وللجاحدين | |
| بها عذاب موجع. | |
" إن الذين يحادون الله ورسوله كبتوا كما كبت الذين من قبلهم وقد | |
| أنزلنا آيات بينات وللكافرين عذاب مهين " | |
إن الذين يشاقون الله ورسوله ويخالفون | |
| أمرهما خذلوا وأهينوا , كما خذل الذين من قبلهم من الأمم الذين حادوا الله ورسوله, | |
| وقد أنزلنا آيات واضحات الحجة تدل على أن شرع الله وحدوده حق , ولجاحدي تلك الآيات | |
| عذاب مذل في جهنم. | |
" يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه | |
| والله على كل شيء شهيد " | |
واذكر- يا محمد- القيمة, يوم يحيي الله الموتى جميعا, ويجمع الأولين | |
| والآخرين في صعيد واحد , فيخبرهم بما عملوا من خير وشر , أحصاه الله وكتبه في | |
| اللوح المحفوظ , وحفظه عليهم في صحائف أعمالهم , وهم قد نسوه والله على كل شيء | |
| شهيد , لا يخفى عليه شيء. | |
" ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من | |
| نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو | |
| معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم " | |
ألم تعلم أن الله تعالى يعلم كل شيء في السموات والأرض؟ ما يتناجى | |
| ثلاثة من خلقه بحديث سر إلا هو رابعهم بعلمه لإحاطته, ولا خمسة إلا هو سادسهم , | |
| ولا أقل من هذه الأعداد المذكورة ولا أكثر منها إلا هو معهم بعلمه في أي مكان | |
| كانوا, لا يخفى عليه شيء من أمرهم, ثم يخبرهم تعالى يوم القيامة بما عملوا من خير | |
| وشر ويجازيهم عليه. | |
| إن الله بكل شيء عليم. | |
" ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه | |
| ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله | |
| ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير | |
| " | |
ألم تر أيها الرسول- إلى اليهود الذين نهوا عن الحديث سرا بما يثير | |
| الشك في نفوس المؤمنين, ثم يرجعون إلى ما نهوا عنه , ويتحدثون سرا بما هو إثم | |
| وعدوان ومخالفة لأمر الرسول؟ وإذا جاءك - يا محمد- هؤلاء اليهود لأمر من الأمور | |
| حيوك بغير التحية التي جعلها الله لك تحية , فقالوا: (السام عليك) أي الموت لك , | |
| ويقولون فيما بينهم: هلا يعاقبنا الله بما نقول لمحمد إن كان رسولا حقا, كفتهم | |
| جهنم يدخلونها, ويقاسون حرها , فبئس المرجع هي. | |
" يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان | |
| ومعصية الرسول وتناجوا بالبر والتقوى واتقوا الله الذي إليه تحشرون " | |
يا أيها الذين آمنوا الله واتبعوا رسوله , | |
| إذا تحدثتم فيما بينكم سرا , فلا تتحدثوا بما فيه إثم من القول , أو بما هو عدوان | |
| على غيركم, أو مخالفة لأمر الرسول , وتحدثوا بما فيه خير وطاعة وإحسان , وخافوا | |
| الله بامتثالكم أوامره واجتنابكم نواهيه , فإليه وحده مرجعكم بجميع أعمالكم | |
| وأقولكم التي أحصاها عليكم, وسيجازيكم بها. | |
" إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا | |
| بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون " | |
إنما التحدث خفية بالإثم والعدوان من وسوسة للشيطان , فهو المزين لها, | |
| والعامل عليها; ليدخل الحزن على قلب المؤمنين , وليس ذلك بمؤذي المؤمنين شيئا إلا | |
| بمشيئة الله تعالى وإرادته. | |
| وعلى الله وحده فليعتمد المؤمنون به | |
" يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا | |
| يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا | |
| العلم درجات والله بما تعملون خبير " | |
يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله واهتدوا | |
| بهديه, إذا طلب منكم أن يوسع بعضكم لبعض المجالس فاسعوا يوسع الله عليكم في الدنيا | |
| والآخرة , وإذا طلب منكم- أيها المؤمنون أن تقوموا من مجالسكم لأمر من الأمور التي | |
| يكون فيها خير لكم فقوموا , يرفع الله مكانة المؤمنين المخلصين منكم , ويرفع مكانة | |
| أهل العلم درجات كثيرة في الثواب ومراتب الرضوان, والله تعالى خبير بأعمالكم لا | |
| يخفى عليه شيء منها, وهو مجازيكم عليها. | |
| وفي الآية تنويه بمكانه العلماء وفضلهم , يرفع درجاتهم. | |
" يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم | |
| صدقة ذلك خير لكم وأطهر فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم " | |
يا أيها الذين صدقوا الله واتبعوا رسوله , | |
| إذا أرتم أن تكلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم سرا بينكم وبينه , فقدموا قبل | |
| ذلك صدقة لأهل الحاجة, ذلك خير لكم لما فيه من الثواب, وأزكى لقلوبكم من المآثم , | |
| فإن لم تجدوا ما تتصدقون به فلا حرح عليكم فإن الله غفور لعباده المؤمنين, رحيم بهم. | |
" أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب | |
| الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما | |
| تعملون " | |
أخشيتم الفقر إذا قدصتم صدقة قبل مناجاتكم | |
| رسول الله؟ فإذا لم تفعلوا ما أمرتم به , وتاب الله عليكم, ورخص لكم في ألا تفعلوه | |
| , فاثبتوا وداوموا على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الله ورسوله في كل ما | |
| أمرتم به, والله سبحانه خبير بأعمالكم, ومجازيكم عليها. | |
" ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا | |
| منهم ويحلفون على الكذب وهم يعلمون " | |
كم تر إلى المنافقين الذين اتخذوا اليهود أصدقاء ووالوهم؟ والمنافقون | |
| في الحقيقة ليسوا من المسلمين ولا من اليهود , ويحلفون كذبا أنهم مسلمون , وأنك | |
| رسول الله, وهم يعلمون أنهم كاذبون فيما حلفوا عليه. | |
" أعد الله لهم عذابا شديدا إنهم ساء ما كانوا يعملون " | |
أعد الله لهؤلاء المنافقين عذابا بالغ الشدة والألم, إنهم ساء ما كانوا | |
| يعملون من النفاق والحلف على الكذب. | |
" اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله فلهم عذاب مهين " | |
اتخذ المنافقون أيمانهم الكاذبة وقاية لهم | |
| من القتل بسبب كفرهم, ولمنع المسلمين عن قتالهم وأخذ أموالهم, فبسبب ذلك صدوا | |
| أنفسهم وغيرهم عن سبيل لله وهو الإسلام , فلهم عذاب مذل في النار لاستكبارهم عن | |
| الإيمان بالله ورسوله وصدهم عن سبيله. | |
" لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا أولئك أصحاب | |
| النار هم فيها خالدون " | |
لن تدفع عن المنافقين أموالهم ولا أولادهم من عذاب الله شيئا , أولئك | |
| أهل النار الملازمون لها, لا يخرجون منها, ولا يموتون فيها. | |
| وهذا الجزاء يعم كل من صد عن دين الله بقوله أو فعله. | |
" يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم | |
| على شيء ألا إنهم هم الكاذبون " | |
يوم القيامة يبعث الله المنافقين جميعا من | |
| قبورهم أحياء, فيحلفون له أنهم كانوا مؤمنين , كما كانوا يحلفون لكم- أيها | |
| المؤمنون- في الدنيا, ويعتقدون أن ذلك ينفعهم عند الله كما كان ينفعهم في الدنيا | |
| عند المسلمين, ألا إنهم هم البلغون في الكذب حدا لهم يبلغه غيرهم , | |
" استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا | |
| إن حزب الشيطان هم الخاسرون " | |
غلب عليهم الشيطان , واستولى عليهم, حتى تركوا أوامر الله والعمل | |
| بطاعته, أولئك حزب الشيطان وأتباعه. | |
| ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون في الدنيا والآخرة. | |
" إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين " | |
إن الذين يخالفون أمر الله ورسوله أولئك من جملة الأذلاء المغلوبين | |
| المهانين في الدنيا والآخرة | |
" كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز " | |
كتب الله في اللوح المحفوظ وحكم بأن النصرة له ولكتابه ورسله وعباده | |
| المؤمنين. | |
| إن الله سبحانه قوي لا يعجزه شيء, عزيز على خلقه. | |
" لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله | |
| ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم | |
| الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله | |
| عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون " | |
لا تجد- يا محمد- قوما يصدقون بالله واليوم الآخر , ويعملون بما شرع | |
| الله لهم, يحبون ويوالون من عادى الله ورسوله وخالف أمرهما, ولو كانوا آباءهم أو | |
| أبناءهم أو إخوانهم أو أقرباءهم , أولئك الموالون في الله والمعاندون فيه كتب في | |
| قلوبهم الإيمان, وقواهم بنصر منه وتأييد على عدوهم في الدنيا , ويدخلهم في الآخرة | |
| جنات تجري من تحت أشجارها الأنهار, ماكثين فيها زمانا ممتدا لا ينقطع , أحل الله | |
| عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم, ورضوا عن ربهم بما أعطاهم من الكرامات يرفع الدرجات, | |
| أولئك حزب الله وأولياؤه, وأولئك هم الفائزون بسعادة الدنيا والآخرة | |
| |
أكثر المصاحف تفاعلاً