<div class="wrapper" style="padding:10px;"> | |
<h1 class="title">سورة الحشر - تفسير السعدي</h1> | |
| |
<div class=Section1 dir=RTL> | |
<p><h1>" سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم | |
" </h1></p> | |
<p>مجد الله تعالى, | |
ونزهه عن كل ما لا يليق به كل ما في السموات والأرض, وهو العزيز الذي لا يغالب, | |
الحكيم في قدره وتدبيره وصنعه وتشريعه, يضع الأمور في مواضعها. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر | |
ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم | |
يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا | |
أولي الأبصار " </h1> | |
<p>هو- سبحانه- الذي أخرج الذين جحدوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم, من | |
أهل الكتاب, وهم يهود بني النضير, من مساكنهم التي جاوروا بها المسلمين حول " المدينة " , وذلك أول إخراج لهم من " | |
جزيرة العرب " إلى الشام, ما ظننتم- أيها المسلمون - أن يخرجوا من | |
ديارهم بهذا الذل والهوان; لشدة بأسهم وقوة منعتهم, وظن اليهود أن حصونهم تدفع | |
عنهم بأس الله ولا يقدر عليها أحد, فأتاهم الله من حيث لم يخطر لهم ببال, وألقى في | |
قلوبهم الخوف والفزع الشديد, يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين, فاتعظوا يا | |
أصحاب البصائر السليمة والعقول الراجحة بما جرى لهم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ولهم في | |
الآخرة عذاب النار " </h1> | |
<p>ولولا أن كتب الله عليهم الخروج من ديارهم | |
وقضاه, لعذبهم في الدنيا بالقتل والسبي, ولهم في الآخرة عذاب النار. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاق الله فإن الله شديد | |
العقاب " </h1> | |
<p>ذلك- الذي أصاب اليهود في الدنيا وما ينتظرهم في الآخرة- لأنهم خالفوا | |
أمر الله وأمر رسوله أشد المخالفة, وحاربوهما وسعوا في معصيتهما, ومن يخالف الله | |
ورسوله فإن الله شديد العقاب له. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله | |
وليخزي الفاسقين " </h1> | |
<p>ما قطعتم أيها المؤمنون من نخلة أو تركتموها قائمة على ساقها, من غير | |
أن تتعرضوا لها, فبإذن الله وأمره وليذل بذلك الخارجين عن طاعته المخالفين أمره | |
ونهيه, حيث سلطكم على قطع نخيلهم وتحريقها. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب | |
ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير " </h1> | |
<p>وما أفاءه الله على رسوله من أموال يهود بني | |
النضير, فلم تركبوا لتحصيله خيلا ولا إبلا, ولكن الله يسلط رسله على من يشاء من | |
أعدائه, فيستسلمون لهم بلا قتال, والفيء ما أخذ من أموال الكفار بحق من غير قتال | |
والله على كل شيء قدير لا يعجزه شيء- </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى | |
واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم | |
الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب " </h1> | |
<p>ما أفاءه الله على رسوله من أموال مشركي أهل القرى من غير ركوب خيل ولا | |
إبل فالله ورسوله, يصرف في مصالح المسلمين العامة, ولذي قرابة رسول الله صلى الله | |
عليه وسلم, واليتامى, وهم الأطفال الفقراء الذين مات آباؤهم, والمساكين, وهم أهل | |
الحاجة والفقر, وابن السبيل, وهو الغريب المسافر الذي نفدت نفقته وانقطع عنه ماله. | |
<br> | |
وذلك حتى لا يكون المال ملكا متداولا بين الأغنياء وحدهم, ويحرم منه الفقراء | |
والمساكين. <br> | |
وما أعطاكم الرسول من مال, أو شرعه لكم من شرع, فخذوه, وما نهاكم عن أخذه, أو فعله | |
فانتهوا عنه, واتقوا الله بامتثال أوامره وترك نواهيه. <br> | |
إن الله شديد العقاب لمن عصاه وخالف أمره ونهيه. <br> | |
والآية أصل في وجوب العمل بالسنة: قولا أو فعلا أو تقريرا. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا | |
من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون " </h1> | |
<p>وكذلك يعطى من المال الذي أفاءه الله على رسوله الفقراء المهاجرون, | |
الذين اضطرهم كفار " مكة " إلى الخروج من ديارهم | |
وأموالهم يطلبون من الله أن يتفضل عليهم بالرزق في الدنيا والرضوان في الآخرة, | |
وينصرون دين الله ورسوله بالجهاد في سبيل الله, أولئك هم الصادقون الذين صدقوا | |
قولهم بفعلهم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا | |
يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح | |
نفسه فأولئك هم المفلحون " </h1> | |
<p>والذين استوطنوا " | |
المدينة " , وآمنوا من قبل هجرة المهاجرين -وهم الأنصار- يحبون | |
المهاجرين, ويواسونهم بأموالهم, ولا يجدون في أنفسهم حسدا لهم مما أعطوا من مال | |
الفيء وغيره, ويقدمون المهاجرين وذوي الحاجة على أنفسهم, ولو كان بهم حاجة وفقر, | |
ومن سلم من البخل ومنع الفضل من المال فأولئك هم الفائزون الذين فازوا بمطلوبهم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين | |
سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم " </h1> | |
<p>والذين جاؤوا من المؤمنين من بعد الأنصار والمهاجرين الأولين يقولون: | |
ربنا اغفر لنا ذنوبنا, واغفر لإخواننا في الدين الذين سبقونا بالإيمان, ولا تجعل | |
في قلوبنا حسدا وحقدا لأحد من أهل الإيمان, ربنا إنك رؤرف بعبادك, رحيم بهم. <br> | |
وفي الآية دلالة على أنه ينبغي للمسلم أن يذكر سلفه بخير, ويدعو لهم, وأن يحب | |
صحابة رسول الله, صلى الله عليه وسلم, ويذكرهم بخير, ويترضى عنهم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل | |
الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم والله | |
يشهد إنهم لكاذبون " </h1> | |
<p>ألم ننظر إلى المنافقين, يقولون لإخوانهم في الكفر من يهود بني النضير: | |
لئن أخرجكم محمد ومن معه من منازلكم لنخرجن معكم, ولا نطيع فيكم أحدا أبدا سألنا | |
خذلانكم أو ترك الخروج معكم, ولئن قاتلوكم لنعاوننكم عليهم؟ والله يشهد إن | |
المنافقين لكاذبون فيما وعدوا به يهود بني النضير. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم | |
ليولن الأدبار ثم لا ينصرون " </h1> | |
<p>لئن أخرج اليهود من " المدينة " لا | |
يخرج المنافقون معهم, ولئن قاتلوا لا يقاتلون معهم كما وعدوا, ولئن قاتلوا معهم | |
ليولون الأدبار فرارا منهزمين, ثم لا ينصرهم الله, بل يخذلهم, ويذلهم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون | |
" </h1> | |
<p>لخوف المنافقين وخشيتهم إياكم- أيها المؤمنون أعظم وأشد في صدورهم من | |
خوفهم وخشيتهم من الله. <br> | |
وذلك بسبب أنهم قوم لا يفقهون عظمة الله والإيمان به, ولا يرهبون عقابه. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم | |
بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون " </h1> | |
<p>لا يواجهكم اليهود بقتال مجتمعين إلا في قرى محصنة بالأسوار والخنادق, | |
أو من خلف الحيطان, عداوتهم فيما بينهم شديدة, تظن أنهم مجتمعون على كلمة واحدة, | |
ولكن قلوبهم متفرقة. <br> | |
وذلك بسبب أنهم فوم لا يعقلون أمر الله ولا يتدبرون آياته. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم | |
" </h1> | |
<p>مثل هؤلاء اليهود فيما حل بهم من عقوبة الله | |
كمثل كفار قريش يوم " بدر " , ويهود بني فينقاع, | |
حيث ذاقوا سوء عاقبة كفرهم وعداوتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنيا, | |
ولهم في الآخرة عذاب أليم موجع. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك | |
إني أخاف الله رب العالمين " </h1> | |
<p>ومثل هؤلاء المنافقين في إغراء اليهود على القتال ووعدهم بالنصر على | |
رسول الله صلى الله عليه وسلم, كمثل الشيطان حين زين للإنسان الكفر ودعاه إليه, | |
فلما كفر قال: إني بريء منك, إني أخاف الله رب الخلق أجمعين. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين | |
" </h1> | |
<p>فكان عاقبة أمر الشيطان والإنسان الذي أطاعه | |
فكفر, أنهما في النار, ماكثين فيها أبدا, وذلك جزاء المعتدين المجتمعين حدود الله. | |
</p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا | |
الله إن الله خبير بما تعملون " </h1> | |
<p>يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله وعملوا بهديه, خافوا الله, واحذروا | |
عقابه بفعل ما أمركم به يترك ما نهاكم عنه, ولتتدبر كل نفس ما قدمت من الأعمال | |
ليوم القيامه, وخافوا الله في كل ما تأتون وما تذرون, إن الله سبحانه خبير بما | |
تعملون, لا يخفى عليه شيء من أعمالكم, وهو مجازيكم عليها. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون | |
" </h1> | |
<p>ولا تكونوا- أيها المؤمنون- كالذين تركوا أداء حق الله الذي أوجبه | |
عليهم, فأنساهم بسبب ذلك حظوظ أنفسهم من الخيرات التي تنجيهم من عذاب يوم القيامة, | |
أولئك هم الموصوفون بالفسق, الخارجون عن طاعة الله طاعة ورسوله. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون | |
" </h1> | |
<p>لا يستوي أصحاب النار المعذبون, وأصحاب | |
الجنة المنعمون, أصحاب الجنة هم الظافرون بكل مطلوب, الناجون من كل مكروه. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله | |
وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون " </h1> | |
<p>لو أنزلنا هذا القرآن على جبل من الجبال, | |
ففهم ما فيه من وعد ووعيد, لأبصرته على قوته وشدة صلابته وضخامته؟ خاضعا متشققا من | |
خشية الله تعالى. <br> | |
وتلك الأمثال نضربها, ونوضحها للناس , لعلهم يتفكرون في قدرة الله وعظمته. <br> | |
وفي الآية حث على تدبر القرآن, وتفهم معانيه, والعمل به </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن | |
الرحيم " </h1> | |
<p>هو الله سبحانه وتعالى المعبود بحق الذي لا إله سواه, عالم السر | |
والعلن, يعلم ما غاب وما حضر, هو الرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء, الرحيم بأهل | |
الإيمان به. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن | |
العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون " </h1> | |
<p>هو الله المعبود بحق, الذي لا إله إلا هو, الملك لجميع الأشياء, | |
المتصرف فيها بلا ممانعه ولا مدافعة, المنزه عن كل نقص, الذي سلم من كل عيب, | |
المصدق رسله وأنبياءه بما ترسلهم به من الآيات البينات, الرقيب على كل خلقه فى | |
أعمالهم, العزيز الذي لا يغالب, الجبار الذي قهر جميع العباد, وأذعن له سائر | |
الخلق, المتكبر الذي له الكبرياء والعظمة. <br> | |
تنزه الله تعالى عن كل ما يشركونه به في عبادته. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في | |
السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم " </h1> | |
<p>هو الله سبحانه وتعالى الخالق البارئ للخلق | |
على مقتضى حكمته, المصور خلقه كيف يشاء, له سبحانه الأسماء الحسنى والصفات العلى, | |
يسبح له جميع ما في السموات والأرض, وهو العزيز شديد الانتقام من أعدائه, الحكيم | |
في تدبيره أمور خلقه. </p> | |
<p> </p> | |
</div> |