سورة القلم - تفسير السعدي | |
| | |
" ن والقلم وما يسطرون " | |
(ن) سبق الكلام على الحروف المقطعة في أول سورة البقرة. | |
| أقسم الله بالقلم الذي يكتب به الملائكة والناس, وبما يكتبون من الخير والنفع | |
| والعلم | |
" ما أنت بنعمة ربك بمجنون " | |
ما أنت- يا محمد- بسبب نعمة الله عليك | |
| بالنبوة والرسالة بضعيف العقل, ولا سفيه الرأى, | |
" وإن لك لأجرا غير ممنون " | |
وإن لك على ما تلقاه من شدائد على تبليغ | |
| الرسالة لثوابا عظيما غير منقوص ولا مقطوع, | |
" وإنك لعلى خلق عظيم " | |
وإنك- يا محمد- لعلى خلق عظيم, وهو ما اشتمل عليه القرآن من مكارم | |
| الأخلاق. | |
| فقد كان امتثال القرآن سجية له يأتمر بأمره, وينتهي عما ينهى عنه-. | |
" فستبصر ويبصرون " | |
فعن قريب سترى يا محمد , | |
" بأييكم المفتون " | |
ويرى الكافرون في أيكم الفتنة والجنون؟ | |
" إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين " | |
إن ربك- سبحانه- هو أعلم بالشقي المنحرف عن | |
| دين الله وطريق الهدى, وهو أعلم بالتقي المهتدي إلى دين الحق. | |
" فلا تطع المكذبين " | |
فاثبت على ما أنت عليه- يا محمد- من مخالفة المكذبين ولا تطعهم. | |
" ودوا لو تدهن فيدهنون " | |
تمنوا وأحبوا لو تلاينهم, وتصانعهم بعض الشيء, فيلينون لك. | |
" ولا تطع كل حلاف مهين " | |
ولا تطع -يا محمد- كل كثير الحلف كذاب حقير, | |
" هماز مشاء بنميم " | |
مغتاب للناس , نقال للحديث على وجه الإفساد بينهم, | |
" مناع للخير معتد أثيم " | |
بخيل بالمال ضنين به عن الحق, شديد المنع | |
| للخير, متجاوز حده في العدوان على الناس وتناول المحرمات , كثير الآثام, شديد في | |
| كفره, | |
" عتل بعد ذلك زنيم " | |
فاحش لئيم, منسوب لغير أبيه, | |
" أن كان ذا مال وبنين " | |
من أجل أنه كان صاحب مال وبنين. | |
" إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين " | |
إذا قرأ عليه أحد آيات القرآن كذب بها , وقال: هذا أباطيل الأولين | |
| وخرافاتهم وفي هذه الآيات تحذير المسلم من موافقة من اتصف بهذه الصفات الذميمة. | |
" سنسمه على الخرطوم " | |
سنجعل على أنفه علامة لازمة لا تفارقه; ليكون مفتضحا بها أمام الناس. | |
" إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين | |
| " | |
إنا اختبرنا أهل " مكة " بالجوع | |
| والقحط , كما اختبرنا أصحاب الحديقة حين حلفوا فيما بينهم, ليقطعن ثمار حديقتهم | |
| مبكرين في الصباح, فلا يطعم منها غيرهم, | |
" ولا يستثنون " | |
ولم يقولوا: إن شاء الله. | |
" فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون " | |
فأنزل الله عليها نارا أحرقتها ليلا, وهم نائمون, | |
" فأصبحت كالصريم " | |
فأصبحت محترقة سوداء كالليل المظلم. | |
" فتنادوا مصبحين " | |
فنادى بعضهم بعضا وقت الصباح: | |
" أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين " | |
أن اذهبوا مبكرين إلى زرعكم , إن كنتم مصرين على قطع الثمار. | |
" فانطلقوا وهم يتخافتون " | |
فاندفعوا مسرعين , وهم يتسارون بالحديث فيما بينهم: | |
" أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين " | |
بأن لا تمكنوا اليوم أحدا من المساكين من دخول حديقتكم. | |
" وغدوا على حرد قادرين " | |
وصاروا في أول النهار إلى حديقتهم على قصدهم السيء في منع المساكين من | |
| ثمار الحديقة, وهم في غاية القدرة على تنفيذه في زعمهم. | |
" فلما رأوها قالوا إنا لضالون " | |
فلما رأوا حديقتهم محترقة أنكروها, وقالوا: لقد أخطأنا الطريق إليها, | |
" بل نحن محرومون " | |
فلما عرفها أنها هي جنتهم , قالوا: بل نحن محرومون خيرها; بسبب عزمنا | |
| على البخل ومنع المساكين | |
" قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون " | |
قال أعدلهم: ألم أقل لكم هلا تستثنون وتقولون: إن شاء الله؟ | |
" قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين " | |
قالوا بعد أن عادوا إلى رشدهم: تنزه الله | |
| ربنا عن الظلم فيما أصابنا, بل نحن كنا الظالمين لأنفسنا بترك الاستثناء وقصدنا | |
| السيئ. | |
" فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون " | |
فأقبل بعضهم على بعض, يلوم كل منهم الآخر على تركهم الاستثناء وعلى | |
| قصدهم السيئ, | |
" قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين " | |
قالوا: يا ويلنا إنا كنا متجاوزين الحد في منعنا الفقراء ومخالفة أمر | |
| الله , | |
" عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون " | |
عسى ربنا أن يعطينا أفضل من حديقتنا; بسبب | |
| توبتنا واعترافنا بخطيئتنا إنا إلى ربنا وحده راغبون, راجون العفو, طالبون الخير. | |
" كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون " | |
مثل ذلك العقاب الذي عاقبنا به أهل الحديقة يكون عقابنا في الدنيا لكل | |
| من خالف أمر الله, وبخل بما أتاه الله من النعم, ولعذاب الآخرة أعظم وأشد من عذاب | |
| الدنيا, لو كانوا يعلمون لانزجروا عن كل سبب يوجب العقاب. | |
" إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم " | |
إن الذين اتقوا عقاب الله بفعل ما أمرهم به وترك ما نهاهم عنه, لهم عند | |
| ربهم في الآخرة جنات فيها النعيم المقيم | |
" أفنجعل المسلمين كالمجرمين " | |
أفنجعل الخاضعين لله بالطاعة كالكافرين؟ | |
" ما لكم كيف تحكمون " | |
ما لكم كيف حكمتم هذا الحكم الجائر , | |
| فساويتم بينهم في الثواب؟ | |
" أم لكم كتاب فيه تدرسون " | |
أم لكم كتاب منزل من السماء تجدون فيه المطيع كالعاصي, فأنتم تدرسون | |
| فيه ما تقولون؟ | |
" إن لكم فيه لما تخيرون " | |
إن لكم في هذا الكتاب إذا ما تشتهون, ليس لكم ذلك. | |
" أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة إن لكم لما تحكمون | |
| " | |
أم لكم عهود ومواثيق علينا في أنه سيحصل لكم ما تريدون وتشتهون؟ | |
" سلهم أيهم بذلك زعيم " | |
سل المشركين- يا محمد-: أيهم بذلك الحكم كفيل وضامن بأن يكون له ذلك؟ | |
" أم لهم شركاء فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين " | |
أم لهم آلهة تكفل لهم ما يقولون , وتعينهم على إدراك ما طلبوا , | |
| فليأتوا بها إن كانوا صادقين في دعواهم؟ | |
" يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون " | |
يوم القيامة يشتد الأمر ويصعب هوله, ويأتي الله تعالى لفصل القضاء بين | |
| الخلائق , فيكشف عن ساقه الكريمة التي لا يشبهها شيء, قال صلى الله عليه وسلم: | |
| " يكشف ربنا عن ساقه, فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة, ويبقى من كان يسجد في الدنيا. | |
| رياء وسمعة, فيذهب ليسجد, فيعود ظهره طبقا واحدا " رواه البخاري ومسلم. | |
" خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم | |
| سالمون " | |
منكسرة أبصارهم لا يرفعونها , تغشاهم ذلة شديدة من عذاب الله, وقد | |
| كانوا في الدنيا يدعون إلى الصلاة لله وعبادته, وهم أصحاء قادرون عليه فلا يسجدون; | |
| تعظما واستكبارا. | |
" فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون " | |
فذرني- يا محمد- ومن يكذب بهذا القرآن, فإن علي جزاءهم والانتقام منهم, | |
| سنمدهم بالأموال والأولاد والنعم. | |
| استدراجا لهم من حيث لا يشعرون أنه سبب لإهلاكهم, | |
" وأملي لهم إن كيدي متين " | |
وأمهلهم وأطيل أعمارهم; ليزدادوا إثما إن كيدي بأهل الكفر قوي شديد | |
" أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون " | |
أم نسأل- يا محمد- هؤلاء المشركين أجرا | |
| دنيويا على تبليغ الرسالة فهم من غرامة ذلك مكلفون حملا ثقيلا؟ | |
" أم عندهم الغيب فهم يكتبون " | |
بل أعندهم علم الغيب, فهم يكتبون عنه ما يحكمون به لأنفسهم من أنهم | |
| أفضل منزلة عند الله من أهل الإيمان به؟ | |
" فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم " | |
فاصبر- يا محمد- لما حكم به ربك وقضاه, ومن ذلك إمهالم وتأخير نصرتك | |
| عليهم, ولا تكن كصاحب الحوت, وهو يونس عليه السلام- في العجلة والغضب , حين نادى | |
| ربه, وهو مملوء غما طالبا تعجيل العذاب لهم, | |
" لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم " | |
لولا أن تداركه نعمة من ربه بتوفيقه للتوبة وقبولها لطرح من بطن الحوت | |
| بالأرض الفضاء المهلكة, وهو آت بما يلام عليه, | |
" فاجتباه ربه فجعله من الصالحين " | |
فاصطفاه ربه لرسالته, فجعله من الصالحين الذين صلحت نياتهم وأعمالهم | |
| وأقوالهم. | |
" وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر | |
| ويقولون إنه لمجنون " | |
وإن يكاد الكفار- يا محمد- ليسقطونك عن | |
| مكانك بنظرهم إليك عدواة وبغضا حين سمعوا القرآن, ويقولون: إنك لمجنون. | |
" وما هو إلا ذكر للعالمين " | |
وما القرآن إلا موعظة وتذكير للعالمين من الإنس والجن. | |
| |
أكثر المصاحف تفاعلاً