سليمان بن عبدالله المشعلي

المملكة العربية السعودية

الجد الشيخ سليمان بن عبدالله بن محمد المشعلي

نشأته ودراسته:
  هو الشيخ سليمـان بن عبد اللـه بن محمـد المشـعلي ذو الفـكر الصـحيح والنظـر القـويم والفـهم والإدراك وكمال التصـور والعقـل الـرزين كما قـال بعـض طـــــــلابه المترجمين لـه، كان رحمـه اللـه منـذ طفولته ذكيًا ذا همة عــالية ونشـاط ومثــــابرة في طلب العلم، ولد - رحمه الله - عام 1301هـ، وتوفي والـده وهو في الثامـنة من عمــره ؛ فكفـلـته أمه، وفي العـاشـرة من عمره أصيب بمرض الجـدري فـفـقـد بصره، وبعد أن شفاه الله اهتم بالدراسة وانصرف إليها انصرافًا كليًا، فحفظ القرآن وكان متوقد الذكاء واعي القلب، ولما حـفـظ القرآن سافر إلى (المذنب) أحد مدن القصيم للدراسة على العالم الكبير الشيخ عبد الله بن محمد الدخيل، وحفظ المتون، وكان محل الإعجاب لدى شيخه وزملائه. 
 ومن زملائه في هذه الفترة الشيخ العلامة محمد بن عبد العزيز بن مانع المدير العام للمعارف سابقًا، قال لي الشيخ ابن مانع: "لاأنسى سنوات قضيتها أنا ووالدك في طلب العلم عند الشيخ عبدالله بن دخيل في المذنب.
  ثم سافر رحمه الله إلى الرياض لمواصلة الدراسة على العلماء المشهورين، وأشهر مشائخه في الرياض الشيخ عبدالله بن عبداللطيف، والشيخ إبراهيم بن عبداللطيف، والشيخ فهد بن عتيق، والشيخ أحمد بن فارس، ومن أخص زملائه الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية، والشيخ عبدالله بن حسن رئيس القضاء بمكة وكان من أبرز الزملاء رحمهم الله جميعًا. قال والدي: " كان شيخنا في دروس النحو
يكرر هذاالبيت على الشيخ محمد بن إبراهيم:
     بعلمٍ وحلمٍ ساد في قومه الفتى    وكـونك إياه علـيك يـسـير 
وقال شيخنا: سيكون لمحمد بن إبراهيم شأنٌ لامتيازه على زملائه
  وكان الشيخ محمد بن إبراهيم يقدِّر والدي، وحينما أزور فضيلة الشيخ إبراهيم بن محمد وزير العدل سابقًا نتذاكر مابين والدي ووالده من الأخوة والمحبة. 
  وكان بين والدي رحمه الله وبين علامة القصيم الفقيه المحدث المفسر العالم الكبير الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي مودة ومحبة في الله. وكان كلاهما يفتي بجواز التشريك في سبع البدنة في الأضحية. ولما توفي الشيخ عبدالرحمن السعدي تكدر والدي وقال: نجم أفل، رحمك الله يا أبا عبدالله !
  و بعد أن أتم والدي الدراسة في الرياض عاد إلى القصيم، وجلس في بريدة للتدريس، وكان واسع الاطلاع وكثيرًا ما يستشهد بما يحفظه. 

أعماله:
  أما الأعمال التي قام بها فقدعُيِّن من قبل مشائخه قاضيًا للبادية في الرياض، فطلب إعفـاءه من القضاء بين مشائخه، فصدر أمرالملك عبدالعزيز بتعيينه قاضيًا في بلدة (نِفِيّ)، ثم تنقل للقضــاء في عـدد من بلـدان القصيم حيث عيّن قـاضيًا في (دخنة) ثم (الفوَّارة) ثم (الشبيكية) ثم (المذنب) ثم (البكيرية)، وقدلازمته أقرأ عليه خلال أعماله في (الشبيكية) و (المذنب)، وكان رحمه الله خلال أعماله يقوم بالقضاء خلفًا للشيخ عمر بن سليم، والشـيخ عـبدالله بن حميـد في غيابهما، ثم أحيل للتقاعد، واستقر في بريدة حتى توفي رحمه الله يوم الاثنين الموافق للثاني عشر من شهر رجب عام 1376 هـ. 

 

أخلاقه:
  كان رحمه الله لايحب الشهرة ولا المدح كما هو معروف عنه، وكنت ألقي قصائد في الحفلات والمناسبات حينما كنت بوزارة المعارف فقال والدي لي: لاتقل فيَّ مرثية إن متُّ قبلك ؛ لأن المراثي مهما كان مدح وإطراء، وكان رحمه الله 
يختم أحكامه بقوله: حكمت حكمًا شرعيًا بكذا، ويحصي أحكامه فيقول: الأحكام التي صدرت مني عددها كذا، والله المعين الموفق.
   وكان رحمه الله ذا شخصية قوية في إصدار الأحكام الشرعية ؛ ولذايختاره الملك عبدالعزيز - رحمه الله - بتوصية من مشائخه في الرياض لحل النزاعات والمشاكل القبلية بين القبائل من البادية، فقد عينه الملك عبدالعزيزقاضيًا في بلدة  (نفي) - كــما سبق - لوجــود خلافات ونزاعــات بين البـوادي،فقام رحمه 
الله بالنصح والإرشاد والتوجيه، وكانت خطبه مؤثرة، وأصدر الأحكام الشرعية التي أزالت الخلافــات والمشـاكل. 
  وخـلال قيـامه بالقضـاء في تلك البلـدة حقـد عليه أربعـة من الأشـرار الجفـــاة فهاجموه في منزله هو وبعض تلاميذه، فأرسل خطابًا إلى أمير منطقة القصيم آنذاك عبدالعزيزبن مساعد بن جلوي يخبره بما حصل، فبعث الأمير ابن مساعد فرقة من الجـنـود برئاسـة مـطـلق الزامـل لإحـضـارهم إلى (بريـدة)، ثم أجــري عـليهم مـا يستحقونه. 
  ولما حصل نزاع بين أميرين من القبائل بمنطقة القصيم، وكان أمير(بريدة) عبدالله بن فيصل آل فرحان، صدرأمر الملك عبدالعزيزبأن يقوم الوالد رحمه الله بالنظر في قضيتهم لما عرف عنه من القدرة على إقناع الخصوم وحل المشاكل، فقام بما أسند إليه، وكنت كاتبه ومُلازِمه في هذه القضية، وانتهت القضية بقناعة الخصوم والرضى بالحكم. 
  وكان رحمه الله قوي الإيمـان متوكـلًا على الله صابرًا محتسبًا، من ذلك أنه اُحتُضِرَله ابن مريض في وقت وجبة الغداء، فقال وجهوه إلى القبلة ولقنوه الشهادة، وأُحضِر الغداء فأكل رحمه الله بنفس هادئة مطمئنة كـأن ولـده لا يقاسي سكــرات الموت. 
حادثة:
  في عهد توليه القضاء خلفا للشيخ عبدالله بن حميد حصل عليه اعتداء سري من بعض الخصمـاء المحـكوم علـيهم، ولم أعـلم بهـذا الاعتـداء إلا بعد وفـاة والـدي بثلاثين سنة، زارني أحد المواطنين ودعا لوالدي وقال: "أخبرك بسر لم يطلع عليه أحد إلا أنا ووالدي فقط. ثم قال: كان الشيخ سليمان رحمه الله خلفـا للشيخ عبدالله بن حميد في غيابه، فحقــد أحـد الخصمـاء المحـكوم عليـه على والدك وأراد قتله إذا خرج من المسجد، ودخل في شارع ضيق يؤدي إلى بيته، وهـذا الرجـل بيننا وبينه معرفة. قلت له: قف، احذر تخبرني باسم هذا الرجل ؛ لأن المدعي ذهب وسيتخاصم 
مع المدعى عليه أمام الله، ثم قلت له أكمل القصة. قال: يقول المعتدي:لما رفعت يـدي لأضربه ضـربة قاضـية شُــلّت يـدي، ثم اسـتخـرت ودعـوت اللـه أن يشـفـيني وتعـالجت، ولمـا شفـاني اللـه عـدت مرة ثانية وقلت: إن المرة الأولى صدفة، فلما رفعت يدي للمرة الثانية شلّت ولم تعد، ثم قال لنا: ماذاأفعل لعل الله يغفرلي؟، ولا أحب أن يطّلع أحد على ما حصل لي بسبب الاعتداء على هذا الشيخ. قلنا له: استغفر وتب إلى الله وأكثر من الدعاء للشيخ والله يشفيك.

النبذة بقلم عبدالله بن سليمان المشعلي