علي بن سليمان الرومي
الاسم والميلاد: علي بن سليمان الرومي
وُلد الشيخ قبل عام 1350 للهجرة في محافظة الزلفي، ونشأ في أحضان والده - رحمه الله- وقد قدر الله تعالى ان يصاب فضيلته بمرض الجدري وهو في الخامسة من عمره فكف بصره، وقد أبدله الله بنور البصيرة، وظهرت عليه آثار النجابة فاستغل ذلك والده بادخاله مدرسة تحفيظ القرآن الكريم وقد منَّ الله على فضيلته بأن حفظ القرآن ولم يتجاوز عمره الثانية عشرة على يد المطوع محمد العمر وعبدالمحسن البهلال.
حياته العلمية:
في الثانية عشرة من عمره بدأت مسيرته في طلب العلم وإسناد الركب عند العلماء في مدينة الرياض، لما وصل إلى الرياض التحق الشيخ في مدرسة الشيخ علي بن عبدالله آل شاكر ومحمد بن أحمد بن سنان، ودرس القرآن جيداً، ثم بعد ذلك التحق بطلب العلم عند المشايخ ومن هؤلاء العلماء الذين تتلمذ عليهم الشيخ رحمه الله:
1- شيخ الجميع الشيخ العلامة محمد بن ابراهيم آل الشيخ رحمه الله، فقرأ عليه في البداية الأصول الثلاثة، وشروط الصلاة، والقواعد الأربع والتوحيد وكشف الشبهات، وآداب المشي إلى الصلاة.. إلى غير ذلك وقرأ عليه الأجرومية في النحو، وقطر الندى والألفية.. إلى غير ذلك.
2- وقرأ على سماحة الشيخ عبداللطيف بن ابراهيم آل الشيخ في علم الفرائض، وحفظ عليه الرحبية، ثم مختصر المقنع، وقرأ عليه في العقائد كالواسطية والحموية.
3- وقرأ على الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله، في الفقه والعقائد والفرائض.
4- الشيخ عبدالله بن حميد رحمه الله.
5- والشيخ محمد أمين الشنقيطي، وقرأ عليه في التفسير واللغة.
6- والشيخ عبدالرحمن الأفريقي، وقرأ عليه في الحديث.
7- والشيخ عبدالرزاق العفيفي، وتتلمذ عليه في التفسير واللغة وأصول الفقه.
8- والشيخ حمد الجاسر، قرأ عليه في التاريخ والجغرافيا.
9- والشيخ محمد عبدالرحيم.
10- والشيخ حماد الأنصاري.
وفي عام 1371هـ فُتح المعهد العلمي - معهد الدعوة - فالتحق به ووُضع في الصف الثالث الثانوي، ثم تخرج منه والتحق بكلية الشريعة بنفس المعهد، وفي عام 1376هـ تخرج، ومما يدل على نبوغ الشيخ وعلو شأنه في العلم جُعل مدرساً في مادة الفرائض في كلية الشريعة وذلك قبل التحرج، وكان رحمه الله مبدعاً في هذا العلم، فعندما قرأت عليه متن الرحبية بهرني حسن أسلوبه في التعليم، وصفاء ذهنه في الحساب وحل المسائل بصورة تعلم ان الذي أمامك متمكن من هذا العلم غاية التمكن وراسخ فيه غاية الرسوخ، فإنه رحمه الله يقسم المسائل ويخرج أصولها وحقوق كل واحد من أصحابها كل ذلك بدون ان يكتب حبراً على ورق، وأنى له ذلك وهو قد فقد بصره لكنه لم يفقد بصيرته رحمه الله تعالى.
تلاميذه
تتلمذ على الشيخ عدد من طلاب العلم نفع الله بهم، فمن هؤلاء:
- فضيلة الشيخ عبدالمحسن بن عبدالله بن عبدالمحسن التركي.
- فضيلة الشيخ سعود الدريب وكيل وزارة العدل.
- فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن عثمان الأحمد عضو تمييز الغربية.
- فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن علي الرومي وهو قاض في المحكمة الكبرى.
- فضيلة الشيخ أحمد الحضيري وهو أحد القضاة المعروفين.
- فضيلة الشيخ سلطان بن فهد الطبيشي وهو يعد الآن رسالة الدكتوراه في جامعة الملك سعود.
- فضيلة الشيخ فهد الأحيدب وهو محاضر في كلية الشريعة.
- فضيلة الشيخ سامي بن محمد بن جاد الله وله عدة مؤلفات علمية.
- الاستاذ الفاضل عبدالعزيز بن علي الربع مدرس في وزارة المعارف.
- الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الدغيشم.
- فضيلة الشيخ عبدالعزيز العبيد حفظه الله تعالى.
- وكاتب هذه السطور -عفا الله عنه -.
مؤلفاته
لم يكن للشيخ رحمه الله اهتمام كبير في التأليف نظراً لكثرة أعماله وأشغاله ولا يوجد من تركته في الكتب إلا كتاب واحد في التاريخ.
الأعمال التي تقلدها:
تنقل الشيخ رحمه الله في عمره الحافل بالإنجازات في عدة مناصب، وكل هذه المناصب منصبة على التعليم والقضاء فمن تلك الأعمال التي تقلدها:
1- التدريس في كلية الشريعة وذلك في أثناء الدراسة وبعد التخرج منها.
2- عيِّن رئيسا لمحكمة المجمعة عام 1376هـ وبقي فيها إلى سنة 1392هـ، ودرس بالمعهد العلمي بالمجمعة عام 1377هـ الفرائض والعقيدة بجانب عمله في القضاء.
3- نُقل فضيلته إلى محكمة الدلم في الخرج رئيسا لمحاكمها، وقد عمل بها ما يقارب عام.
4- وبعدها نُقل إلى المحكمة الكبرى بالرياض.
5- استمر في المحكمة الكبرى في الرياض حتى تم تعيينه قاضياً في محكمة التمييز في حدود عام 1399هـ.
- تم تعيينه نائباً لرئيس هيئة التمييز، ورئيساً للدائرة الجزائية الأولى، ويقوم بعمل الرئيس في أثناء غيابه. وبقي فيها إلى عام 1420هـ حتى تقاعد بعد ان مدد له سنة كاملة ثم شهران، وقد تم له في سلك القضاء (44) عاماً تقريباً.
6- ومن الأعمال التي تقلدها توليه للإمامة فقد كان إماماً للمسجد الكبير في الدلم حينما كان قاضياً بها حيث كان فضيلته إماماً وخطيباً وفي الرياض إماماً بمسجد السدرة وكان رحمه الله حسن الصوت حتى ذكر معاصروه في شبابه أن مسجده يزدحم بالمصلين لحسن صوته وجماله، وقد سجل رحمه الله القرآن كاملاً بصوته.
صفاته الخلقية:
كان رحمه الله تعالى متوسط القامة، نحيل البدن، قمحي اللون، خفيف العارضين واسع الفم، جميل المحيا، جهوري الصوت، فقد بصره منذ الصغر بسبب الجدري، ولم يكن يغير بياض لحيته بشيء، بل كانت لحيته بيضاء.
صفاته الخلقية:
لقد كان رحمه الله على خلق عظيم، وتواضع جم.. فقد بلغ مناصب عالية ومع ذلك لم تؤثر على أخلاقه وتواضعه مع الناس، فإذا به يجالس الناس ويحرص على حل قضاياهم، ولم يكن يهتم بالمظاهر فأي مركبة أيّاً كان نوعها فإنه يركبها ولو كانت من الأنواع التي لاتليق كما يقال بمقام هؤلاء الفضلاء، لكنه أدرك ان هذه المظاهر لا قيمة لها ولا وزن لها عند الله تعالى فما ينفع الإنسان ان يتظاهر في أمر وهو بعيد عنه كل البعد، لقد كان رحمه الله يصلي معي عندما كنت إماماً لمسجده رحمه الله فيأتي إلى المسجد بهيئة متواضعة لايظهر عليها الكبر ولا التعالي، بل الذي يتبين للرائي منذ أول وهلة زهده في هذه الحياة، وعدم مبالاته بالمظاهر، فالعالم يأتي إليه الناس لا لشكله وهيئته وإنما لعلمه وفقهه، لقد كان رحمه الله محباً لسماع الأشرطة ويقضي وقتاً طويلاً في الاستماع إليها ومن ثم تسجيل الفوائد التي يقتنصها بمسجله الخاص فاجتمع له فوائد يحسن ان تخرج للناس لينتفعوا بها فاختيار العالم له وزنه وقيمته، وطالما نظرت إليه فإذا به لايفتر لسانه عن قراءة القرآن الكريم، فيقرأه كلما غدا أو راح، وقد لمست من خلال قراءتي عليه لزاد المستقنع في اختصار المقنع شدة حفظه لهذا الكتاب وإدراكه الواسع لمسائله فاستفدت منه في تصحيح الكتاب ضبطاً لمسائله، وتشكيلا لكلماته، ولما قرأت عليه الروض المربع رأيت من حسن تعليمه وبساطة طرحه ما حبب لي المواصلة، وسهل لي المعلومة، وكان من حرصه يسأل هل فهمت؟ ويحاول ان يضرب الأمثال لتقريب المسألة الفقهية حتى يتصورها الطالب، ويفهمها فهماً جيداً، وكان من تواضعه رحمه الله في قضية الترجيح يقال هذا اختيار شيخ الإسلام.. أو هذا اختيار العلامة ابن القيم أو اختيار الشيخ ابن باز ونحو ذلك من العبارات ونادراً ان يقول هذا قولي واختياري رحمه الله رحمة واسعة، وقد لمست منه رحمة الأبوة وتربية المربي الصادق، وتعليم العالم الناصح، فكثيراً ما يسأل عن حال الطالب ويتفقد أوضاعه وإذا تغيب سأل عنه واستفسر عن سر التعجب، وطالما كرر علينا نصائح مهمة وكنا نحفظ تلك النصائح من تكرارها لنا فمن ذلك أنه كان يوصينا بالكتابة ووضع دفتر خاص بالفوائد والحرص على تدوينها
وكان رحمه الله يؤكد لنا أن الحصول على الكتب العامة أو المدرسية لايغني عن حضور حلق الذكر ودروس المشايخ والمحاضرات والدروس في المساجد أو الجامعات أو المدارس.
وكان رحمه الله يوصينا بحفظ المتون وكانت له أساليب في التأكيد فمن تلك الأساليب أحياناً يسألنا عن بعض المسائل في الزاد ليست في مظانها فيسأل مثلا إذا أردت مسألة الاستمناء أين تجدها؟ وإذا أردت مسألة حكم حل السحر بالسحر؟ وهكذا يعدد لنا بعض هذه المسائل.. فيقول: الذي يحفظ المتن يعلم أين موطن هذه المسائل ويمكن ان يصل إليها بسهولة ويسر.
ولم يكن الشيخ منغلقاً على نفسه بل كان بابه وهاتفه مفتوحاً للناس، فالهاتف لايتوقف عن الرنين في طلب الفتوى وحل المسائل والمشاكل، وكثيراً ما كان يأتي إليه في منزله الأزواج مع زوجاتهم في خصام وجدال فيغلق عليهما الباب ولا يخرجان منه وإلا وقد عادت المياه إلى مجاريها، وعاد إليهما الوئام والانسجام.
وكان رحمه الله يهتم بأمور المجتمع، فكان يكتب ويناصح الولاة فيما يحتاجون إليه من نصح وتذكير، ويذكرهم بالله تعالى بعظيم المسؤولية الملقاة على عواتقهم.
وكان رحمه الله رجلاً معطاءً.. وأكاد أجزم أن أبناءه لايعلمون عن بعض نفقاته.. ولقد انهالت المكالمات على ذوي الشيخ من قبل الأرامل والمساكين وتسمع منهم بكاء حارا على فقدان هذا العالم الذي كان يسد جوعتهم، ويجلب الفرحة في قلوب أبنائهم.
آراؤه في القضاء
لقد تقدم بيان ان الشيخ رحمه الله قضى قرابة (44) سنة في القضاء، ولاشك أنه مر بتجربة حافلة بالخبرات يحسن ان ندون منها ما ينفع إخواننا القضاة في حياتهم العملية فمن تلك الآراء:
- معرفة القاضي للأمور الإدارية من الأمور المكملة لعمله والمعينة - بإذن الله- على سرعة إنجاز المعاملات، إضافة إلى أهميتها أحياناً لمعرفة الحكم إذا كانت القضية المعروضة ذات صلة بالأعمال الإدارية.
- من أهم الكتب الفقهية التي ينبغي للقاضي ان يرجح إليها: المغني والشرح الكبير والمبدع وكشاف القناع والروض المربع مع الحاشية وغير ذلك من كتب الفقه والأحاديث ومن أهمها نيل الأوطار وسبل السلام وغيرهما.
- على القاضي ان يوظف كل قدراته الذاتية وغير الذاتية لمعرفة حال المتهم حتى يقضي بما يناسب حاله، وإذا كان القاضي إياس استعمل المشط حين اختصم شخصان في قلنسوتين - غطاء الرأس- إحداهما خضراء والأخرى حمراء فمرر المشط على رأس أحدهما فخرجت أنسجة حمراء فحكم له بالقلنسوة الحمراء ومرره على رأس الآخر فخرجت أنسجة خضراء فحكم له بالقلنسوة الخضراء، فهو بهذا استعمل بذكائه ما توافر في عصره من آلات وأجهزة لمعرفة حال المتهمين، فإن على القاضي ألا يتردد في استعمال كل مايعينه على ذلك من البصمات وأجهزة التسجيل والتحاليل الطبية وهي وإن لم تكن للحسم في القضية تصلح للاستئناس بها.
- وقد ذكر الشيخ رحمه الله برنامجاً مقترحاً لعلاج مشكلة عدم التوفيق بين عمل القاضي اليومي الذي يثقله بالقضايا ولايتيح له الوقت الكافي للقراءة فاقترح البرنامج التالي:
أولاً: إنشاء مكتبة متكاملة في كل محكمة شرعية خاصة بالمحاكم الكبرى.
ثانياً: أن يقسم القضاة في كل محكمة خاصة في المحاكم الكبرى والمدن الرئيسة إلى خمس مجموعات، تفرغ كل مجموعة يوماً في الاسبوع، يكون دوامها ليس في مكاتبها وإنما في مكتبة المحكمة، حيث يقوم المشرفون على المكتبة بتهيئة الكتب المطلوبة، وإعداد الأبحاث الجديدة وتصوير المقالات المنشورة في المجلات العلمية والفقهية المتعلقة بالقضاء، وتوفير كل ما يحتاجه القاضي من مراجع أو مصادر أو معلومات وتعيين قارئ في المكتبة للمكفوفين من القضاة.
ثالثاً: أن يتم في وزارة العدل إنشاء إدارة متخصصة بمتابعة البحوث العلمية الفقهية في القضاء المنشورة في جميع المجالات واختيار ما يناسب منها وتصويره وإرساله إلى القضاة في جميع المحاكم صغيرها وكبيرها ويكون ذلك بصفة شهرية.
وحث القضاة على الكتابة في القضايا التي تعرض لهم وما توصلوا إليه من أحكام فيها ليكون مرجعاً للآخرين أو تصويباً له.
- في بعض الأحيان يكون الحكم بالقرينة أقوى من الحكم بالبينة كما في الخبر عن نبي الله سليمان عليه الصلاة والسلام ان امرأتين اختصمتا في طفل صغير كل واحدة منهما تدعي أنه ولدها وان الذي تلف هو ابن الثانية، أخيراً عرض عليهما نبي الله سليمان ان يقسمه بينهما نصفين فقالت الكبرى: رضيت بهذا الحكم، وقالت الصغرى: لا يا نبي الله هو ولدها فقضى به بمجرد القرينة مع وجود البينة التي هي الاعتراف، ومن الفوائد ان للقاضي ان يقول ما لا يريد فعله أنني سأفعل كذا وكذا.
- المسائل المهمة التي ينبغي ملاحظتها تفريق الشهود عند الحاجة، وقد مر علينا الكثير من ذلك، فنجد تفاوتاً بين الشهود مما يبطل الشهادة.
تاسعاً: وفاته والساعات الأخيرة من حياته:
لقد أصيب الشيخ رحمه الله بجلطة سببت له إرهاقاً عظيماً.. ثم تتابعت عليه حتى أصبح طريح الفراش في المستشفى ومن المواقف التي حصلت في تلك الفترة.. لما قدمت إليه ابنته، ونحسبها من الصالحات، قالت داعية ربها أسأل الله تعالى ان يشفيك.. فلم يحرك شفتيه.. فأعادت ذلك مراراً فلم يحرك شفتيه.. فلما قالت أسأل الله تعالى أن يحسن لك الخاتمة حرك شفتيه كأنه يقول آمين.. ولما قيل له إن رمضان قد دخل دمعت عيناه.. ولمَ لا تدمع عيناه.. وقد أعادت تلك الكلمات ذكرياته في الرمضانات الماضية التي كان يشهدها ويقضيها بالعبادة والاستغفار وقراءة القرآن فرحمك الله رحمة واسعة.. لقد كان رحمه الله يردد في آخر لحظاته الشهادة حتى فارق الحياة فنسأل الله تعالى ان يتغمد الفقيد بواسع رحمته وان يسكنه الفردوس الأعلى.
وفاته:
لقد توفي فضيلة الشيخ يوم الأربعاء الموافق للخامس عشر من شهر رمضان المبارك