إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا


  بسم الله الرحمن الرحيم

\"يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم إن الله كان بما تعملون خبيرا\" (النساء: 94).

 

القراءات:

قرأ حمزة والكسائي وخلف العاشر ((فتثبتوا)) وقرأ الباقون ((فتبينوا)) والتثبت أفسح للمأمور من التبينº لأن كل من أراد أن يتثبت قدر على ذلك، وليس كل من أراد أن يتبين قدر على ذلكº لأنه قد يتبين ولا يتم له ما أراد..

 

قرأ نافع وابن عامر وحمزة وأبو جعفر وخلف العاشر ((السلام)) بفتح اللام من غير ألف بعدها على معنى الاستسلام والانقياد، ومنه قوله - تعالى -: ((وألقوا إلى الله يومئذ السلم)) فالمعنى: إذا خرجتم للجهاد فتبينوا ولا تقولوا لمن استسلم وانقاد إليكم لست مؤمناً فتقتلوه، بل يجب عليكم أن تتبينوا حقيقة أمره، وقرأ الباقون ((السلام)) بفتح اللام وألف بعدها، على معنى التحية، فتحية الإسلام هي: السلام عليكم، فالمعنى: لا تقولوا لمن حياكم تحية الإسلام: لست مؤمناً فتقتلوهº لتأخذوا سلبه.

 

قرأ أبو جعفر ((لست مؤمَنا)) على أنها اسم مفعول، أي لن نؤمنك على نفسك، وقرأ الباقون بكسر الميم الثانيةº على أنها اسم فاعل، والتقدير: إنما قلت (السلام عليكم) متعوذاً وليس عن إيمان صحيح[1]

 

سبب النزول:

روى البخاري عن ابن عباس قال: كان رجل في غنيمته فلحقه المسلمون، فقال: السلام عليكم، فقتلوه وأخذوا غنيمته فأنزل الله في ذلك ((ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً)) قال ابن عباس: عرض الدنيا تلك الغنيمة.

 

روى الإمام أحمد عن ابن عباس قال: مرَّ رجل من بني سليم بنفر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يرعى غنماً له فسلم عليهم فقالوا: لا يسلم علينا إلا ليتعوذ منا فعمدوا إليه فقتلوه وأتوا بغنمه النبي - صلى الله عليه وسلم - فنزلت هذه الآية ((يا أيها الذين آمنوا)) إلى آخرها.

 

وروى ابن جرير عن ابن عمر قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محلم بن جثامة مبعثاً فلقيهم عامر بن الأضبط فحياهم بتحية الإسلام وكانت بينهم إحنة في الجاهلية فرماه محلم بسهم فقتله فجاء الخبر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتكلم فيه الأقرع وعيينة، فقال الأقرع: يا رسول الله سر اليوم وغر غداً، فقال عيينة: لا والله حتى تذوق نساؤه من الثكل ما ذاق نسائي، فجاء محلم في بردين فجلس بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليستغفر له، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا غفر الله لك، فقام وهو يتلقى دموعه ببرديه، فما مضت له سابعة حتى مات، ودفنوه فلفظته الأرض فجاءوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكروا له ذلك، فقال: إن الأرض تقبل من هو شر من صاحبكم ولكن الله أراد أن يعظكم ثم طرحوه بين صدفي جبل وألقوا عليه الحجارة فنزلت ((يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا)) الآية.

 

فتبينوا: اطلبوا بيان الأمر وثباته ولا تتهوكوا فيه من غير روية.

 

السلام: الاستسلام، وقيل: الإسلام، وقيل: التسليم الذي هو تحية أهل الإسلام[2]

 

تبتغون عرض الحياة الدنيا: تطلبون الغنيمة التي هي حطام سريع النفاد.

 

فعند الله مغانم كثيرة: أي خير مما رغبتم فيه من عرض الحياة الدنيا الذي حملكم على قتل مثل هذا الذي ألقى إليكم السلام، وأظهر لكم الإيمان فتغافلتم عنه واتهمتموه بالمصانعة والتقية لتبتغوا عرض الحياة الدنيا، فما عند الله من الرزق الحلال خير لكم من مال هذا.

 

كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم: أي قد كنتم من قبل هذه الحال كهذا الذي يسر إيمانه ويخفيه من قومهº كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - للمقداد {يا مقداد أقتلت رجلاً يقول لا إله إلا الله؟ فكيف لك بلا إله إلا الله غداً؟ كان رجل يخفي إيمانه مع قوم كفار فأظهر إيمانه فقتلته وكذلك كنت تخفي إيمانك بمكة قبل. } أو أن المعنى: أول ما دخلتم الإسلام سمعت من أفواهكم كلمة الشهادة فحصنت دماءكم وأموالكم من غير انتظار الاطلاع على مواطأة قلوبكم لألسنتكم. [3]

 

فمن الله عليكم: بالعزة والنصر حتى أظهرتم إيمانكم[4]، وقيل: بالاستقامة والاشتهار بالدين، [5] وقيل: أي تاب عليكم، فحلف أسامة لا يقاتل رجلاً يقول: لا إله إلا الله بعد ذلك الرجل وما لقي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم – فيه.

 

فتبينوا: تكرير الأمر بالتبين ليؤكد عليهم.

 

إن الله كان بما تعملون خبيرا: قال سعيد بن جبير: هذا تهديد ووعيد. فلا تتهافتوا بالقتل واحتاطوا فيه.

 

من فوائد الآية:

1. مشروعية الضرب في الأرض للتجارة أو الجهاد في سبيل الله - عز وجل -.

2. وجوب التبين والتثبت قبل الإقدام على سفك الدم.

3. وجوب أخذ الناس بظواهرهم ونكل إلى الله سرائرهم.

4. من أظهر الإسلام أجريت عليه أحكام المسلمين فعصم دمه وماله.

5. تحريم التشكيك في النوايا والتفتيش عما في الصدور.

6. من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.

7. وجوب تأمين المسلم على دمه وماله بمجرد النطق بالشهادة.

8. الاعتبار بالحال السابقة وبذل الأعذار للناس.

9. عظيم منة الله على المؤمنين بإعزاز الدين وإظهار أهله.

10. إثبات الاسم الكريم الحسن لله - عز وجل - ((الخبير)) أي ذو العلم التام والضبط الكامل للأمور كلها.

 

-----

1- المغني في القراءات العشر 1/416.

2- الكشاف 1/291.

3- مدارك التنزيل وحقائق التأويل 1/245.

4- التسهيل لعلوم التنزيل 1/206 .

5- تفسير البيضاوي 1/231.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply