السحر وأنواعه


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 





الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فإن السحر من الجرائم العظيمة، ومن أنواع الكفر، ومما يبتلى به الناس قديما وحديثا في الأمم الماضية، وفي الجاهلية، وفي هذه الأمة، وعلى حسب كثرة الجهل، وقلة العلم، وقلة الوازع الإيماني والسلطاني - يكثر أهل السحر والشعوذة، وينتشرون في البلاد للطمع في أموال الناس والتلبيس عليهم، ولأسباب أخرى، وعندما يظهر العلم ويكثر الإيمان، ويقوى السلطان الإسلامي يقل هؤلاء الخبثاء وينكمشون، وينتقلون من بلاد إلى بلاد لالتماس المحل الذي يروج فيه باطلهم، ويتمكنون فيه من الشعوذة والفساد.

وقد بين الكتاب والسنة أنواع السحر وحكمها.

فالسحر سمي سحرا. لأن أسبابه خفية، ولأن السحرة يتعاطون أشياء خفية يتمكنون بها من التخييل على الناس والتلبيس عليهم، والتزوير على عيونهم، إدخال الضرر عليهم، وسلب أموالهم إلى غير ذلك، بطرق خفية لا يفطن لها في الأغلب، ولهذا يسمى آخر الليل : سحرا. لأنه يكون في آخره عند غفلة الناس وقلة حركتهم، ويقال للرئة : سحر. لأنها في داخل الجسم وخفية.



ومعناه في الشرع : ما يتعاطاه السحرة من التخييل والتلبيس الذي يعتقده المشاهد حقيقة وهو ليس بحقيقة، كما قال الله - سبحانه - عن سحرة فرعون : \" قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلقِيَ وَإِمَّا أَن نَكُونَ أَوَّلَ مَن أَلقَى قَالَ بَل أَلقُوا فَإِذَا حِبَالُهُم وَعِصِيٌّهُم يُخَيَّلُ إِلَيهِ مِن سِحرِهِم أَنَّهَا تَسعَى فَأَوجَسَ فِي نَفسِهِ خِيفَةً مُوسَى قُلنَا لَا تَخَف إِنَّكَ أَنتَ الأَعلَى وَأَلقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلقَف مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيدُ سَاحِرٍ, وَلَا يُفلِحُ السَّاحِرُ حَيثُ أَتَى \"

وقد يكون السحر من أشياء يفعلها السحرة مع عقد ينفثون فيها، كما قال الله - سبحانه - : \" وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي العُقَدِ \" وقد يكون من أعمال أخرى يتوصلون إليها من طريق الشياطين فيعملون أعمالا قد تغير عقل الإنسان، وقد تسبب مرضا له، وقد تسبب تفريقا بينه وبين زوجته فتقبح عنده، ويقبح منظرها فيكرهها، وهكذا هي قد يعمل معها الساحر ما يبغض زوجها إليها، وينفرها من زوجها، وهو كفر صريح بنص القرآن.

حيث قال - عز وجل - : \" وَاتَّبَعُوا مَا تَتلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلكِ سُلَيمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحرَ \" فأخبر - سبحانه - عن كفرهم بتعليمهم الناس السحر، وقال بعدها : \" وَمَا أُنزِلَ عَلَى المَلَكَينِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِن أَحَدٍ, حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحنُ فِتنَةٌ فَلَا تَكفُر \" ثم قال - سبحانه - : \"فَيَتَعَلَّمُونَ مِنهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَينَ المَرءِ وَزَوجِهِ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِن أَحَدٍ, إِلَّا بِإِذنِ اللَّهِ \"



يعني : هذا السحر وما يقع منه من الشر كله بقدر سابق بمشيئة الله، فربنا - جل وعلا - لا يغلب، ولا يقع في ملكه ما لا يريد، بل لا يقع شيء في هذه الدنيا ولا في الآخرة إلا بقدر سابقº لحكمة بالغة شاءها - سبحانه وتعالى -، فقد يبتلى هؤلاء بالسحر، ويبتلى هؤلاء بالمرض، ويبتلى هؤلاء بالقتل...إلى غير ذلك، ولله الحكمة البالغة فيما يقضي ويقدر، وفيما يشرعه - سبحانه - لعباده، ولهذا قال - سبحانه - : \" وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِن أَحَدٍ, إِلَّا بِإِذنِ اللَّهِ \" يعني : بإذنه الكوني القدري لا بإذنه الشرعي، فالشرع يمنعهم من ذلك ويحرم عليهم ذلك، لكن بالإذن القدري الذي مضى به علم الله وقدره السابق أنه يقع من فلان السحر، ويقع من فلانة، ويقع على فلان، وعلى فلانة، كما مضى قدره : بأن فلانا يصاب بقتل، أو يصاب بمرض كذا، ويموت في بلد كذا، ويرزق كذا، ويغتني أو يفتقر، وكله بمشيئة الله وقدره - سبحانه وتعالى -، كما قال - جل وعلا - : \" إِنَّا كُلَّ شَيءٍ, خَلَقنَاهُ بِقَدَرٍ, \" وقال - سبحانه - : \" مَا أَصَابَ مِن مُصِيبَةٍ, فِي الأَرضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُم إِلَّا فِي كِتَابٍ, مِن قَبلِ أَن نَبرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ \" فهذه الشرور التي قد تقع من السحرة ومن غيرهم، لا تقع عن جهل من ربنا فهو العالم بكل شيء - سبحانه وتعالى -، لا يخفى عليه خافية - جل وعلا -، كما قال - سبحانه - : \" إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيءٍ, عَلِيمٌ \" وقال - سبحانه - : \" لِتَعلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ, قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَد أَحَاطَ بِكُلِّ شَيءٍ, عِلمًا \" فهو يعلم كل شيء، ولا يقع في ملكه ما لا يريد - سبحانه وتعالى -، ولكن له الحكمة البالغة، والغايات المحمودة

فيما يقضي ويقدر مما يقع فيه الناس من عز وذل، وإزالة ملك، وإقامة ملك، ومرض وصحة، وسحر وغيره.وسائر الأمور التي تقع في العباد كلها عن مشيئة، وعن قدر سابق. وهؤلاء السحرة قد يتعاطون أشياء تخييلية، كما تقدم في قوله - عز وجل - : \" قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلقِيَ وَإِمَّا أَن نَكُونَ أَوَّلَ مَن أَلقَى قَالَ بَل أَلقُوا فَإِذَا حِبَالُهُم وَعِصِيٌّهُم يُخَيَّلُ إِلَيهِ مِن سِحرِهِم أَنَّهَا تَسعَى \" يخيل إلى الناظر أن هذه العصي، وأن هذه الحبال حيات تسعى في الوادي، وهي حبال وعصي، لكن السحرة خيلوا للناس لما أظهروا أمام أعينهم من أشياء تعلموها تغير الحقائق على الناس بالنظر إلى أبصارهم.

قال - سبحانه - : \" يُخَيَّلُ إِلَيهِ مِن سِحرِهِم أَنَّهَا تَسعَى \" وقال - تعالى -في سورة الأعراف : \" قَالَ أَلقُوا فَلَمَّا أَلقَوا سَحَرُوا أَعيُنَ النَّاسِ وَاستَرهَبُوهُم وَجَاءُوا بِسِحرٍ, عَظِيمٍ, \" وهي في الحقيقة تخيرت، حبال وعصي، ولكن تغير نظرهم إليها بسبب السحر فاعتقدوها حيات بسبب التلبيس الذي حصل من السحرة، وتسميه بعض الناس : \" تقمير \" وهو : أن يعمل الساحر أشياء تجعل الإنسان لا يشعر بالحقيقة على ما هي عليه، فيكون بصره لا يدرك الحقيقة فقد يؤخذ من حانوته أو منزله ما فيه ولا يشعر بذلك، يعني : أنه لم يعرف الحقيقة، فقد يرى الحجر دجاجة، أو يرى الحجر بيضة، أو ما أشبه ذلك. لأن الواقع تغير في عينيه. بسبب عمل الساحر وتلبيسه، فسحرت عيناه

وجعل هناك من الأشياء التي يتعاطاها السحرة من المواد ما تجعل عينيه لا تريان الحقيقة على ما هي عليه، هذا من السحر الذي سماه الله : عظيما في قوله - جل وعلا - في سورة الأعراف : \" فَلَمَّا أَلقَوا سَحَرُوا أَعيُنَ النَّاسِ وَاستَرهَبُوهُم وَجَاءُوا بِسِحرٍ, عَظِيمٍ, \" .

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply