بسم الله الرحمن الرحيم
العبادات المالية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
من تمام الكلام على توحيد الإلهية الكلام عن العبادات المالية التي تعبدنا الله بها في أموالنا من الصدقات والذبائح والنذور ونحوها، وهذا النوع من العبادات قد دخله من ألوان الشرك وصوره ما يصعب حصره.
فإن كثيرًا من الناس يجهلون أن لله عليهم عبادة في أموالهم التي هي من رزقه وفضله، وقد لبس عليهم الشيطان في أمرها كما لبس عليهم في غيرها بل أشد، فألقى في روعهم أن هذه الأموال إنما سيقت إليهم ببركة الشيخ \"فلان\"، أو بسبب دعائه وشفاعته، وإنه هو القائم على حراستها وتنميتها فهي ستبقى ما بقي الشيخ راضيًا وهو لا يرضى طبعًا حتى يجعلوا له في هذه الأموال نصيبًا مفروضًا، فتراهم ليسوا على شيء أحرص منهم على سوق هذه الأموال من النذور الذبائح إلى أضرحة هؤلاء المشايخ، وعلى شهود المهرجانات الشركية التي تقام لهم.
وإذا سولت لأحدهم نفسه أن يأكل النذر الذي نذره لواحد من هذه الأضرحة فإنه يبقى طيلة عامه متوقعًا للمصائب تحيق به على يد الشيخ صاحب النذر لا سيما إذا كان الشيخ غضوبًا كما تزعمه العامة في (أبي العينين الدسوقي)، فإذا جرى على هذا الآكل للنذر شيء من قدر الله - عز وجل -، من فقد مال، أو ولد، أو نحو ذلك، أيقن أن الذي أصابه إنما هو بسبب غضب الشيخ عليه لعدم وفائه بالنذر، وهكذا يعيش هؤلاء التعساء من عباد القبور في هم ناصب وقلق واصب لأنهم لا يدرون مواقع الرضا والغضب من نفوس هؤلاء الموتى وأيهم أحق أن يرضوه، وصدق الله إذ يقول: (ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق).
ونرى بعد هذه المقدمة الطويلة أن نكشف للناس عن هذه التلبيسات التي يلبس بها عليهم شياطين الإنس والجن وأن نقول كلمة الحق في هذه المسائل إعذارًا إلى الله - عز وجل - ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة، ويكفينا في هذا المجال أن نثبت أن هذه الأمور من جملة العبادات التي يتقرب بها إلى الله - سبحانه -، فإنه إذا ثبت ذلك علم قطعًا أنه لا يجوز صرفها إلى غير الله كما هو الشرط في سائر العبادات، أما الصدقات فلا يشك مسلم في أنها من أعظم القربات إلى الله - عز وجل - وقد قرنها الله بالصلاة في كثير من آيات الكتاب الحكيم وجعلها من أعظم خصال الإيمان ووعد عليها بجزيل الثواب، بل وسماها قرضًا ووعد عليه أضعافًا كثيرة.
ويطول بنا القول لو تتبعنا ما ورد في شأن الصدقة من الآيات والأحاديث وهو أمر معلوم لكل من له إلمام بنصوص الوحيين، ولكن الذي يحتاج للتنبيه عليه هو ما يعرض للصدقة من أعمال تحبطها وتبطل ثوابها وذلك مثل الرياء، والمن بها على الآخذ، والاستطالة بها عليه، قال - تعالى -: (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين).
ومن ذلك أيضًا أن يتحرى بصدقته الفقراء المجاورين عند الأضرحة لما يلتمسه من بركة أصحابها، وأن يقيم لهم بها موالد أو يشتري لهم بها أستارًا أو بسطًا أو سرجًا أو نحو ذلك مما تزين به هذه الأضرحة ظنًا منه أن تلك قرب يتقرب بها إلى الله - عز وجل - فلا يزداد بها من الله إلا بعدًا.
وهذه حال كثير من الناس لا يتحرون بصدقاتهم إلا هذه المواضع مما يدل على أنهم لم يقصدوا بها وجه الله بل إنما قصدوا إلى إرضاء أصحاب هذه الأضرحة، بل قد يترك بعضهم الفقراء من ذوي قرابته أو أهل بلده ممن هم أحق بصدقته ويدفعها إلى من لا يستحقها من سدنة هذه الطواغيت والعاكفين عليها، وأما النذر فهو في الأصل غير مشروع بل قد ورد النهي عنه، قال - صلى الله عليه وسلم -: \"لا تنذروا فإن النذر لا يقدم شيئًا ولا يؤخره، وإنما يستخرج به من البخيل\". ولكنه إذا نذر لزمه الوفاء وصار النذر حينئذ قربة وعبادة لا تنبغي إلا لله، وعلى هذا يحمل قوله - تعالى - من سورة البقرة: (وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه)، وقوله من سورة الحج: (وليوفوا نذورهم)، وقوله من سورة الدهر في صفة الأبرار: (يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا).
وفي الحديث الصحيح: \"من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه\". وبهذا يتبين أن ما ينذره بعض الجهلة لأصحاب الأضرحة من نقود وشموع ونحوها هو نذر باطل وشرك صريح، وأنه لا يلزم أحدًا الوفاء بهذا النذر إذ لا وفاء لنذر في معصية الله - عز وجل -.
وقد روي أن رجلاً قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إني نذرت أن أنحر إبلاً بمكان كذا، فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن هذا المكان هل كان فيه صنم يُعبد؟ فقيل: لا. ثم سأل: هل كان يُقام فيه عيد من أعياد الجاهلية؟ فقيل: لا. فقال للرجل: \"أوف بنذرك، فإنه لا وفاء بنذر في معصية، ولا فيما لا يملك ابن آدم\".
ومن العجيب أنه قد صدرت في هذا الموضوع عدة فتاوى رسمية وأذيعت عنه أحاديث كثيرة كلها مجمعة على بطلان هذه النذور واعتبارها شركًا، ولكن الناس لا يزالون سادرين في غوايتهم ومصرين على ضلالتهم لا يقبلون فيها لومة لائم، وقديمًا قيل: \"حبك الشيء يعمي ويصم\". وأما الذبح أو النحر فلا يشك مسلم كذلك في أنه عبادة مأمور بها، قال - تعالى - في سورة الأنعام: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين (162) لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين)، والنسك هنا معناه الذبح، وقال في سورة الحج: (ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير).
وقد أمر الله من تمتع بالعمرة إلى الحج أن يذبح ما استيسر من الهدي، وأوجب على من ارتكب شيئًا من محظورات الإحرام فدية من صيام أو صدقة أو نسك، وقال - تعالى -: (إنا أعطيناك الكوثر (1) فصل لربك وانحر)، فجعل الأمر بالنحر قرين الأمر بالصلاة، وقد ورد أنه - صلى الله عليه وسلم - نحر في حجة الوداع مائة بدنة وأنه كان يضحي يوم عيد الأضحى بكبشين أملحين، ولم تزل الأضحية واجبة على كل قادر عليها من المسلمين، فدل ذلك كله على أن الذبح عبادة يتقرب بها إلى الله - عز وجل -، وفي الحديث: \"أفضل الحج الثج والعج\"، والمراد بالثج صب الدماء، وعلى هذا فمن ذبح ذبيحة وأهلَّ بها لغير الله، أو قصد التقرب بذبحها لغيره، أو أطعمها الناس على اسم غيره كهذه الذبائح التي تذبح في مولد البدوي وغيره، فقد أتى عملاً فظيعًا من أعمال الشرك وضاهأ أهل الجاهلية الأولى في ذبحهم لآلهتهم على النصب، وفي الحديث: \"لعن الله من ذبح لغير الله\".
نسأل الله أن يجنبنا مزالق الشرك كلها، ونستعيذ به أن نشرك به شيئًا ونحن نعلم، ونستغفره لما لا نعلم، وصلى الله على محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد