صفات المنافقين


 

بسم الله الرحمن الرحيم





الحمد لله، له العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي المؤمنين الصادقين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:

لقد قطع خوف النفاق قلوب السابقين الأولين لعلمهم بِدِقِّهِ وجِلِّهِ وتفاصيله وجمله، ساءت ظنونهم بأنفسهم حتى خشوا أن يكونوا من جمله المنافقين، قال عمر بن الخطاب لحذيفة رضي الله عنهما: \"يا حذيفة، نشدتك بالله، هل سماني لك رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم؟ قال: لا، ولا أزكي بعدك أحدًا\". وذكر عن الحسن البصري: \"ما أمِنَهُ إلا منافق وما خافه إلا مؤمن\" لقد ملئت قلوب القوم إيمانًا ويقينًا وخافوا النفاق خوفًا شديدًا واهتموا لذلك همًا ثقيلاً فخلف من بعدهم خلفًا لا يجاوز الإيمان حناجرهم وهم يدَّعون أن إيمانهم كإيمان جبريل وميكائيل.

والنفاق نوعان:

أكبر وأصغرº الأكبر يوجب الخلود في النار، في دركها الأسفل، وهو: أن يظهر المنافق للمسلمين إيمانه بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وهو في الباطن منسلخ من ذلك كله مكذب به، ولهؤلاء المنافقين علامات يعرفون بها مبيّنة في الكتاب والسنة، بادية لمن تدبرها من أهل البصائر، وهذه العلامات إما لسانِيّة، أو قلبية، أو جسمية.



أولاً: العلامات اللسانِيَّة

1- ينطق لسانهم بتزيين كل فساد بأنه الإصلاح فيفسدون في الأرض بالمعاصي والكفر وسفك الدماء وهتك الأعراض وإذلال العباد وسلب الأموال وإذا نهاهم المؤمنون عن ذلك بقولهم: ( لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ) \"البقرة: 11\"، ( ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ) \"البقرة: 12\".

2 - يلمزون أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم بأنهم سفهاء وليسوا حكماء وأنهم هم أرشد من المؤمنين وأعقل وإذا طُلب منهم الإيمان بالله والملائكة والكتب والرسل والبعث بعد الموت والجنة والنار وغير ذلك، كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون \"البقرة: 13\"، قال ابن كثير: يعنون لعنهم الله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قاله أبو العالية والسدي في تفسيره بسنده عن ابن عباس وابن مسعود وغير واحد من الصحابة. \"ابن كثير 191\"

3 - يظهرون بألسنتهم الموالاة والإيمان للمؤمنين ويؤكدون بألسنتهم ما انطوت عليه قلوبهم من ولاء ومحبة لليهود والكافرين: ( وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون ) \"البقرة: 14\".

4 - تسبق يمين أحدهم كلامه من غير أن يعترض عليه لعلمه أن قلوب أهل الإيمان لا تطمئن إليه فيتبرأ بيمينه من سوء الظن به: ( لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون ) \"التوبة: 42\".

5- حديثهم بالنميمة والبغضاء والفتنة بين المؤمنين هو سبب هزيمة المؤمنين وخذلانهم لقوله تعالى: ( لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين ) \"التوبة: 47\".

يقول ابن كثير: وفيكم سماعون لهم، أي مطيعون لهم ومستحسنون لحديثهم وكلامهم يستنصحونهم وإن كانوا لا يعلمون حالهم فيؤدي إلى وقوع الشر بين المؤمنين. \"ابن كثير 2491\"

6 - يظهرون بكلامهم أنهم أهل تقوى ويقودهم هذا إلى الهاوية وإمامُهم في ذلك صاحب هذه الآية: ( ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ) \"التوبة: 49\". يقول ابن كثير: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو في جهازه لقتال الروم للجَدِّ بن قيس: \"هل لك يا جَدٌّ العام في جلاد بني الأصفر\". فقال: يا رسول الله، أوَ تأذن لي ولا تفتني؟ فوالله لقد عرف قومي ما رجل أشد عجبًا بالنساء مني وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن لا أصبر عنهن! فأعرض عنه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقال: \"قد أذنت لك\". ففي الجد نزلت الآية (ابن كثير 2492). فعند الجهاد والأمور العظام يكون عذرهم كلامًا خوفًا من الفتنة.

7 - يلمزون ويعيبون على كل أحد من أهل الإيمان ولو كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: ( ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون ) \"التوبة: 58\"، وذكر ابن كثير في تفسيرها أن ذا الخويصرة لما اعترض على النبي صلى الله عليه وسلم حين قسم غنائم حنين فقال له اعدل فإنك لم تعدل، فقال: \"خبت وخسرت إن لم أكن أعدل\". ثم قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقد رآه مقفيًا: \"إنه يخرج من ضئضيء هذا قوم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرَّمِيَّة، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإنهم شر قتلى تحت أديم السماء\". \"ابن كثير 2495\"

فهذا لمزهم وعيبهم يتناول أي أحد ولو كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وتدبر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: \"يخرج\" وهو يفيد استمرار وجودهم ومن لمزهم وعيبهم على الرسول والمؤمنين اتهامهم بأنهم ينخدعون بأي كلام وينطلي عليهم كل قول، سواء كان صدقًا أم كذبًا قال تعالى فى وصفهم: ( ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم) \"التوبة: 61\"، ومن لمزهم وعيبهم على الذين يريدون بنفقتهم وجه ربهم الأعلى قولهم: الذى فضحهم الله به في قوله تعالى: ( الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم ) \"التوبة: 79\".

8 - كثيروا الحلف ليخرجوا بالأيمان الكاذبة من كل تهمة وكبيرة تمس المؤمنين وإن كانت كلمة الكفر لقوله تعالى:( يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين ) \"التوبة: 62\"، وقوله: (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون ) (65) ( لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين ) \"التوبة: 65، 66\"، ومقولة من نزلت فيهم الآيات من منافقي الزمن الأول أخف بكثير من مقولات منافقي اليوم لا كثرهم الله حيث أورد ابن كثير في تفسيره عن عبد الله بن عمر : قال رجل في غزوة تبوك في مجلس: ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونًا ولا أكذب ألسنًا ولا أجبن عند اللقاء، فقال رجل في المسجد: كذبت ولكنك منافق، لأخبرن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ونزل القرآن، فقال عبد الله بن عمر: أنا رأيته متعلقًا بحقب ناقة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تنكُبُه الحجارة وهو يقول: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونلعب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون ) \"ابن كثير: 2499\".

ومنافقوا اليوم يصدر منهم أشدُ من هذاº كقول أحدهم: قتلُ القاتل وقطع يد السارق ورجم الزاني وحشية، نقاب المرأة وخمارها ردة ورجعيةُ، قوامةُ الرجل وتعديله لعوج المرأة ذلُ وعبوديةُ، وكل هذا أشد مما قاله المنافق في الصدر الأول قراؤنا أرغب بطونًا وأكذب ألسنة، وقد أمر الله المؤمنين ألا يقعدوا مع أمثال هؤلاء المستهزئين بالله ورسوله وآياته بقوله تعالى: ( وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم ) \"النساء: 14\".

9 - يأمرون بالمنكر بعد أن يفعلوه وينهون عن المعروف بعد أن يتركوه فهم جنس يشبه بعضه بعضًا، قال تعالى فيهم: المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون \"التوبة: 67\"، ويعجب السامع قولُ أحدهم إذا زين المنكر ودعا إليه: ( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام ) {البقرة: 204}، وأوامرهم التي يأمرون بها أتباعهم متضمنة لفساد البلاد والعباد كالأمر بالربا وما فيه من إعلان الحرب من الله تعالى على المرابين، والأمر بالسفور والتبرج وما فيه من شيوع الفاحشة ووأد العفة واختلاط الأنساب، وأحدهم تلقاه بين جماعة أهل الإيمان في الصلاة والذكر والزهد والاجتهاد: ( وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد ) \"البقرة: 205\".

10 - يقبضون أيديهم عن الإنفاق في سبيل الله ويأمرون بذلك كما في قوله تعالى: ( هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السموات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون ) \"المنافقون: 7\"، فيحرضون على التضييق ماديًا على المؤمنين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply