ثورة زيد بن زين العابدين ( الشيعة الزيدية )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 



الزمان/ الخميس 2 صفر ـ 122هـ



المكان/ الكوفة ـ العراق



الموضوع/ القضاء على ثورة زيد بن علي بن الحسين ومقتله.



الأحداث/ مقدمة:

من هم الشيعة الزيدية؟

الزيدية هم أقرب فرق الشيعة من أهل السنة والجماعة، حيث تتصف بالاعتدال والقصد والابتعاد عن التطرف والغلو، وترجع نسبة هذه الفرقة إلى زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، والذي صاغ نظرية شيعية متميزة في السياسة والحكم جاهد من أجلها وقتل في سبيلها، ولهذه الفرقة معتقدات خاصة تتميز عن باقي فرق الشيعية منها:



1ـ الإمامة ليست عندهم بالنص فهي ليست وراثية إنما بالبيعة.



2ـ يفضلون عليًا وأولاده عن باقي الصحابة، ولا يكفرون ولا يلعنون ولا يفسقون أحدًا من الصحابة، ويترحمون على أبي بكر وعمر.



3ـ لا يجوز عندهم أن يكون الإمام مستورًاº إذ لا بد من اختياره من قبل أهل الحل والعقد.



4ـ يجيزون إمامة المفضول مع وجود الأفضل، وأيضًا يجوزون تعدد الأئمة في أقطار مختلفة.



5ـ عقيدتهم بها كثير من الاعتزال والجبر والاختيار على طريقة الاعتزال مع تأويل الصفات.



6ـ يرفضون التصوف رفضًا قاطعًا ويخالفون الشيعة في زواج المتعة ويحرمونه.



7ـ يتفقون مع الشيعة في الأذان بـ\'حي على خير العمل\'، والتقية وزكاة الخمس وصلاة الجنازة واعتبار صلاة التراويح جماعة بدعة.



8ـ لا يوجد عندهم مهدي منتظر ولا يعصمون أئمتهم من الخطأ ويستنكرون نظرية البداء ويكفرون من يقول بها.



والجدير بالذكر أن الزيدية قامت لهم عدة دول قديمًا مثل دولة الحسن بن زيد سنة 250هـ في أرض الديلم وطبرستان ودولة الهادي إلى الحق سنة 245هـ باليمن وانتشر المذهب الزيدي في سواحل بحر قزوين وطبرستان والديلم والحجاز ومصر، والآن معظم سكان اليمن على المذهب الزيدي.





واشتهر منهم العديد من العلماء والوزراء والأمراء، منهم مقاتل بن سليمان وأبو خالد عمرو بن خالد الواسطي والوزير الكبير الصاحب بن عباد وأبو الفضل بن العميد وبعض أمراء بني بويه، كما تأثر الإمام أبو حنيفة كثيرًا بزيد بن علي زين العابدين ودروس علمه الفقه والحديث.



ـ حلم آل البيت:

منذ أن خرج الحسين - رضي الله عنه - سنة 61هـ على حكم يزيد بن معاوية واستدعاه أهل الكوفة الغادرون الناكثون للعهود والوعود، وانتهى هذا الخروج نهاية مأساوية بقتل الحسين ومعظم أهل بيته بكربلاء، من يومها وما زال الطالبيون تراودهم فكرة الخروج مرة بعد مرة، ولكن المصاب الأليم يوم كربلاء كان يمنعهم حتى جاء زيد بن علي زين العابدين بن الحسين - رضي الله عنهم - وكان هو وأخوه محمد الملقب بالباقر من أعلم وأفضل أهل البيت وآثرهم فضلاً وزهدًا وأمرًا بالمعروف ونهيًا عن المنكر.



ـ ولد زيد بن على بالمدينة سنة 80هـ، فنشأ في بيت العلم والدين والنبوة وكان ذا طبيعة ثورية نشيطة، تنقل بين البلاد الشامية والعراقية باحثًا عن العلم ورواية الحديث وعن الدعوة لآل البيت مرة أخرى، وكان تقيًا ورعًا فاضلاً وتلقى العلم أولاً على يد أخيه الأكبر محمد الباقر، وبعد الباقر أحد الأئمة الاثني عشر عند الشيعة الإمامية، ثم اتصل بواصل بن عطاء رأس الاعتزال وتدارس معه العلوم فتأثر به وبأفكاره التي انعكست على فكر الشيعة الزيدية في العقائد.



وقد ألف زيد بن علي كتابًا في الفقه والحديث اسمه المجموع الكبير، وقد كرس واصل بن عطاء عند زيد بن علي فكرة الخروج على الحاكم الظالم ووجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من منظور المعتزلة، ولكن زيد بن علي لم يحاول ذلك وقتها لضعف الناصر وقلة الأتباع وقوة الدولة الأموية.



ـ الفرصة السانحة:

ـ بدأت فكرة التحرك تلوح في الأفق عندما جاءت الفرصة السانحة التي تبرز لزيد بن علي التواجد والإقامة بأرض العراق حيث العدد الأكبر من شيعة آل البيت خاصة بالكوفة، وتمثلت هذه الفرصة عندما غضب الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك على والي العراق خالد بن عبد الله القسري بسبب وشايات وسعايات ظالمة في حق خالد، فقام بعزله وكلف مكانه رجلاً من ألد أعداء خالد القسري وهو يوسف بن عمر الثقفي وكان واليًا على اليمن، وكان يحب أن يتشبه بالحجاج وكان من قرابته، فكان أول ما فعله يوسف عندما دخل العراق القبض على خالد القسري والتحفظ على كل أمواله ومحاسبته عليها.



ـ أثناء المحاسبة ادعى البعض على خالد أنه قد أودع جزءًا من ماله وديعة عند زين بن علي، فأرسل للخليفة هشام بذلك فألح على زيد بن علي بالتوجه إلى الكوفة ليتحقق من هذه التهمة، وبالفعل يذهب زيد بن علي للكوفة واستبانت براءته من تلك التهمة، ولكن زيد بن علي ظل مقيمًا بالكوفة لبعض الوقت ولم يعد فور الانتهاء من القضية.



ـ الرافضة:

عندما عرف الشيعة بالكوفة والعراق عمومًا أن زيد بن علي بن الحسين مقيم بالكوفة انهالوا عليه من كل حدب وصوب بالألوف يبايعوه ويقسمون بين يديه بالقتال حتى الموت وزينوا له الخروج حتى اجتمع عنده ديوان به أسماء أربعين ألف مقاتل.



ـ وهكذا يخدع مرة أخرى رجل من الطالبين بأهل الكوفة ولم يعتبر بما حدث بعده وظل زيد مقيمًا بالكوفة يتنقل بين دورها، ووصل الأمر أنه قد صاهر منهم وتزوج وحاول بعض أصحابه أمثال محمد بن عمر أن يثنيه عن ذلك ويذكره بما جرى لأجداده من قبل وخذلان أهل الكوفة لهما، ولكن حب المرء للشيء يعمي ويصم.



ـ في هذه الفترة كان يوسف بن عمر مشغولاً بمحاسبة خالد وعماله السابقين، فلم تصل له أخبار مبايعة أهل الكوفة لزيد بن علي حتى طارت الأخبار ووصلت للخليفة هشام بن عبد الملك، فأرسل ليوسف بن عمر يوبخه ويعلمه بحركة زيد بن علي، فأخذ يوسف في البحث عن زيد والتضييف عليه بشتى الوسائل، وعندها يقرر زيد بن علي أن يقدم موعد قيام الثورة فيجتمع مع قادة الشيعة ويطلعهم على خطته للحركة وتسريع ميعاد الخروج، وعندها فوجئ زيد بن علي بسؤال غريب جاءه من قادة الشيعة حيث قالوا له: \'ما تقول في أبي بكر وعمر\' فدعا لهما وترحم عليهما وقال: \'ما أدركت أحدًا من أهلي إلا يترحم عليهما ويستغفر لهما، وإن كنا نحن أحق بالأمر منهما إلا أنهما حكما بالكتاب والسنة وعدلا فيما حكما\'، فقال عندها قادة الشيعة: فلِمَ تقاتل هؤلاء إذًا؟ فقال زيد: \'هؤلاء ليسوا كهؤلاء، إنما تقاتل الذين ظلموا الناس وظلموا أنفسهم، فإن تسمعوا يكن خيرًا لي ولكم، وإن تأبوا فلست عليكم بوكيل\'. فعندها قام قادة الشيعة من عنده وقالوا له: \'إن إمامنا هو جعفر الصادق بن محمد الباقر\' ـ وكان الباقر قد مات سنة 115هـ ـ فقال له زيد بن علي: رفضتموني، رفضتموني، ومن يومها تسمى شيعة الكوفة بالاثني عشرية والرافضة، أما باقي الشيعة الذين ظلموا مع زيد فتسموا بالزيدية.



ـ الثورة المستعجلة:

ـ أصبح زيد بن علي واقعًا بين شقي الرحى بين مطاردة والي العراق له وبين رفض قادة الشيعة بالكوفة رأيه في الشيخين ورفضوهم لحركته، وهذا الضغط أدى بزيد لأن يستعجل بالخروج، وحدد موعدًا للخروج يوم الأربعاء 1صفر 122هـ، ولكن هذه العجلة أدت لسهولة كشفها حيث وصلت الأخبار ليوسف بن عمر، فيأمر بجمع أهل الكوفة جميعًا يوم الثلاثاء آخر محرم أي قبلها بيوم في الجامع الكبير، ويتوعد من يتخلف بالقتل وأرسل الشرطة لجمع الناس بالجامع.



ـ يخرج زيد ومن وافقه على مذهبه يوم الأربعاء 1 صفر 122هـ، ويرسل بعض فرسانه ينادون في نواحي الكوفة بشعار الثورة: \'يا منصور يا منصور\'، ومع ذلك لم يجتمع عنده إلا ثلاثمائة وثمانية عشر رجلاً فقط لا غير من أصل أربعين ألفًا، ومع ذلك يصر زيد بن علي على مواصلة الثورة والخروج.



ـ يقبل يوسف بن عمر بجيشه، وتدور رحى حرب غير متكافئة، ومع ذلك يثبت زيد ومن معه في القتال، ويصمدون أمام الآلاف في طوال اليوم بشجاعة وبطولة نادرة، فلما كان يوم الخميس 2 صفر واصل زيد القتال بضراوة شديدة وانكشف بصب وابل من السهام على زيد ومن معه، فأصابه سهم في جانب دماغه الأيسر، فحمله أصحابه تحت جنح الظلام وطلبوا له الطبيب، ولكنه ما إن نزع السهم من دماغه حتى مات - رحمه الله - ودفنه أصحابه في حفرة من الطين ثم أجروا عليها الماء حتى لا يعثر عليه أحد، وهكذا انتهت حركة زيد بن علي الطالبي سريعًا كما بدأت سريعًا بلا إعداد ولا تخطيط ولا تقدير، وصدق الإمام الزهري - رحمه الله - عندما قال: \'أهلك أهل هذا البيت العجلة\'.

وأضيفت مأساة جديدة لآل البيت وفجيعة جديدة للمسلمين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply