ليست بمنكرات في الأفراح


 بسم الله الرحمن الرحيم

السؤال:

تكثر في الإجازات المناسبات ومناسبات الزواج بصفة خاصة-، والتي لا تخلو في كثير منها من الرقص والطبل (الطق)، لذا يحتدم الخلاف بين طائفة من الناس في حكم هذا الصنيع، هل هو جائز أم لا؟ والسؤال يبرز في النقاط التالية:

هل الرقص والطق مشروع أم لا؟ وهل الأفضل فعله أم تركه؟ ما المراد بالدف؟ وما الضابط في تحديده؟ وإذا كان ذا وجه واحد أو وجهين، فهل بينهما فرق من حيث الجواز؟ وعلى القول بمشروعيته، فهل يجوز في غير يوم العرس كاليوم التالي للعرس (الرحيل مثلاً)؟ وما الحكم لو وصل صوت للرجال؟ وما الحكم لو وصل صوت الطبل فقط؟ ما الحكم لو وصل صوت المنشدة ومعه صوت الطبل؟ وهل هناك فرق في هذا بين المنشدة الصغيرة والكبيرة؟ ما حكم الزغردة والتصفيق؟ وهل يجوز استئجار الطقاقات، أم أنه من إضاعة المال؟ وإذا ارتفع الصوت ووصل الرجال فهل الأفضل الانصراف أم عدمه؟ وجزاكم الله خيراً، وأحسن إليكم.

 

 

الجواب :

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فلا خلاف في مشروعية الوليمة في العرس، وقد فعلها النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمر بها، فقد قال لعبد الرحمن بن عوف حين قال تزوجت: \" أولم ولو بشاة\" أخرجه البخاري (5155)، ومسلم (1427).

والدف عند وليمة النكاح ليس بمنكرº فقد أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - في أحاديث، منها: عن محمد بن حاطب رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"فصل ما بين الحلال والحرام: الصوت بالدف\" النسائي (3371)، الترمذي (1088)، ابن ماجة (1896)، أحمد (3/418)، وصحَّحه الحاكم ووافقه الذهبي، وحسَّنه الألباني في (إرواء الغليل 1994) وقد قيل بإباحته، قال الشوكاني: \"لا يبعد أن يكون مندوباًº لأن ذلك أقل ما يفيده الأمر في قوله أعلنوا النكاح\" (نيل الأوطار 6/212)، والندب إليه واستحبابه هو مذهب أحمد (كشاف القناع 5/183) واختيار العلامة الصنعاني، والشيخ: محمد بن إبراهيم (مجموع فتاواه 10/218).

هذا حكم الدف الذي يسمى (الطق). وأما حقيقة الدف، فقد جاء في اللسان: \"الدَّف، والدٌّف: الذي يضرب به النساء، والجمع دفوف، والدَّفاف صاحبها، والمدفف صانعها، والمدفدف ضاربها\" (لسان العرب 9/106) دفف.

وكلام النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما يحمل على ما كان معهوداً على عهده.

وقد قال مشايخنا: إن الدف المعهود في العهد النبوي هو المختوم من وجه واحد، وليس فيه صنوج ولا حِلق ولا أجراس. (فتاوى ابن إبراهيم 10/215)، ابن عثيمين (فتاوى إسلامية 3/186).

ولم أجده في كتب اللغة التي اطلعت عليها، وهذا الدف هو الذي يسمى في بلاد نجد وما جاورها الطار.

أما باقي المعازف سواء منها الهوائي كالمزمار والناي، أو الوتري كالعود والرباب، أو الطبول، فكلها محرمة على الصحيح من أقوال أهل العلم، سواء في الأعراس وغيرها. عن أبي عامر الأشعري رضي الله عنه- مرفوعاً \"ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف\" صحيح البخاري (5590).

وهذا يدل على تحريم سائر أنواع المعازف، وخصّ الدليل الدف فيفرد عنها، ولكن هل تختص إباحة الدف بالأعراس فقط، أو يجوز أيضاً في الأعياد ونحوها، أم أنه مباح مطلقاً؟ هذه ثلاثة أقوال، الظاهر منها إباحته في الأعراس والأعياد ونحوها.

عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله إني نذرت إن رجعت سالماً أن أضرب على رأسك الدف. قال: \"أوفي بنذرك\" سنن أبي داود (3312)، سنن الترمذي (3690)، مسند أحمد (5/353)، ولو كان محرماً لم يأذن به.

وعن عائشة - رضي الله عنها- أن أبا بكر دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تدفان وتضربان، والنبي - صلى الله عليه وسلم - متغشٍّ, بثوبه، فانتهرهما أبو بكر، فكشف النبي - صلى الله عليه وسلم - وجهه فقال: \"دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد\" صحيح البخاري (949)، ومسلم (892)، ومثل ذلك اليوم الذي يلي العرس عن الربيَّع بنت معوَّذ رضي الله عنها- قالت: دخل عليَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - صبيحة بُني بي، فجعلت جويريات يضربن بدف لهن، ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر\" الحديث، صحيح البخاري (5147).

إذاً لا يضرب بالدف إلا النساء على الصحيح من أقوال أهل العلم، فقد أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - النساء، كما في حديث عائشة لما زفت امرأة إلى رجل من الأنصار قال: \"فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني..\" الحديث، الطبراني (1/167/1) وأصله في البخاري (9/184) انظر إرواء الغليل (1995)، قال ابن قدامة: \"في ضرب الرجال بالدف تشبٌّه بالنساء، وقد لعن النبي المتشبهين من الرجال بالنساء\" (المغني 14/159).

وقال الحافظ ابن حجر: \"الأحاديث القوية فيها الإذن في ذلك للنساء، فلا يلتحق بهن الرجال لعموم النهي عن التشبه بهن\" (فتح الباري 9/134).

أما استماعه في العرس ونحوه فهو مباح للرجال والنساء على السواءº للأدلة السابقة، وقد قال عامر بن سعد البجلي: دخلت على قرظة بن كعب وأبي مسعود وجوارٍ, يضربن بالدف ويغنين، فقلت: تقرون على هذا وأنتم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -؟ قالوا: إنه قد رُخص لنا في العرسات\" أخرجه الحاكم والبيهقي انظر (آداب الزفاف للألباني صـ182).

والغناء المصاحب له إذا اشتمل على محرم أو منكر ووصف للفجور فهو محرم، وما لم يكن كذلك فهو مباح للنساء.

أما استماع الرجال له فإن كان من أمة مملوكة أو من صغيرة فهذا مباح كما تقدم من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر، أما الحرة البالغة فإنه ليس لها التغنج بصوتها ولا الغناء للرجال، أما لو وصل صوت النساء مجتمعات بحيث لا يتميز صوت معين منهن فلا بأس بسماعه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: \"غناء الإماء الذي يسمعه الرجل قد كان الصحابة يسمعونه في العرسات، كما كانوا ينظرون إلى الإماء لعدم الفتنة في رؤيتهن وسماع أصواتهن... أما غناء الرجال للرجال فلم يبلغنا أنه كان في عهد الصحابة. يبقى غناء النساء للنساء في العرس، وأما غناء الحرائر للرجال بالدف فمشروع في الأفراح، كحديث الناذرة وغناها مع ذلك، لكن نصب مغنية للنساء والرجال هذا منكر بكل حال، بخلاف من ليست صنعتها\" (مجموع الفتاوى 29/552).

فاتخاذ ذلك حرفة لا ينبغي، قال ابن قدامة: \"أما اتخاذ الغناء في الأعراس وضرب الدف فيه حرفة فهو دناءة وسقوط مروءة، والكسب فيه خبيث\" (المغني 10/206).

بخلاف إعطاء جُعل أو هدية لمن قام بذلك، فهذا جائز.

بقي من مسائل المستفتي الزغردة والتصفيق والرقص في الأعراس، والأصل في ذلك كله كما قال ابن سعدي - رحمه الله -: \"الأصل في جميع العادات القولية والفعلية الإباحة والجواز، فلا يحرم منها ولا يكره إلا ما نهى عنه الشارع، أو تضمن مفسدة، وهذا أصل الكتاب والسنة، فإن الناس لم يقصدوا التعبد بها، وإنما هي عوائد جرت بينهم في المناسبات لا محذور فيها، والعادات المباحة قد يقترن بها من المصالح والمنافع ما يلحقها بالأمور المستحبة بحسب ما ينتج عنها\" (نيل المآرب 4/406).

ولم يزل النساء يرقصن في الأعراس ونحوها. قال ابن عبد السلام: \"الرقص... لا يصلح إلا للنساء\" (قواعد الأحكام 2/220).

وكذلك الزغردة ونحوها والتصفيق في الأعراس كله مما لا أرى كراهته للنساء، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: \"الضرب بالدف والتصفيق بالكف من عمل النساء\" (مجموعة الرسائل المنبرية 2/171).

إلا إن ارتبط بذلك فتنة، كما قد يحصل في بعض المجتمعات من تعلٌّق وتعشٌّق، فإن لهذا حكماً يخص مواطنه.

أسأل الله تعالى- التوفيق والسداد والهداية للرشاد لنا ولسائر المسلمين والمسلمات، وصلى الله على محمد وآله.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply