الجود والإنفاق في رمضان


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فإن الجود والإحسان والبر من خصائص هذا الشهر الكريم فهو شهر المسارعة إلى الخيرات والجود والكرم والإنفاق والبذل والمواساة وسد الحاجات. ولقد كان إمام الأئمة صلوات ربي وسلامه عليه أولَ السابقين إلى أبواب الجود والبر والإحسان بمعناها الشامل الذي لا يقتصر على بذل المال فقط. أخرج البخاري ومسلم عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: \"كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجودَ الناس وكان أجودَ ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، فلرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة\".

 إن هديه - صلى الله عليه وسلم - أكمل الهدي وأزكاه في كل شيء، يقول ابن القيم - رحمه الله - واصفاً هديه - صلى الله عليه وسلم - في الصدقة والإحسان واصفاً جوده وكرمه - عليه الصلاة والسلام – (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعظمَ الناس صدقة بما ملكت يده وكان لا يستكثر شيئاً أعطاه ولا يستقله، وكان عطاؤه عطاء من لا يخشى الفقر، وكان سروره وفرحه بما يعطيه أعظمَ من سرور الآخذ بما يأخذه، وكان أجود الناس بالخير، يمينه كالريح المرسلة، وكان إذا عرض له محتاج آثره على نفسه تارة بطعامه وتارة بلباسه وكان ينوع في أصناف عطائه فتارة بالهبة وتارة بالصدقة وتارة بالهدية وتارة بشراء الشيء ثم يعطي البائع الثمن والسلعة جميعاً، وكان يأمر بالصدقة ويحض عليها ويدعو إليها بفعله وقوله فإذا رآه البخيل والشحيح دعاه حاله إلى البذل والعطاء...إلى أن قال - رحمه الله -: إذا فهمت ما تقدم من أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - فينبغي على الأمة التأسي والاقتداء به - صلى الله عليه وسلم - في السخاء والكرم والجود والإكثارُ من ذلك في شهر رمضان لحاجة الناس فيه إلى البر والإحسان ولشرف الزمان ومضاعفة أجر العامل فيه) ا.هـ.

 أيها الأخ الكريم :

إن الجود الذي وصف به نبينا - صلى الله عليه وسلم - في رمضان منازله كثيرة وأبوابه واسعة. وإن من أعظم أبواب الجود وبالأخص في رمضان لفضل الزمان أن يجود الإنسان على نفسه فنخلصها من تبعة هذا المال الذي بين يديه فيخرج زكاته الواجبة، فالزكاة قرينة الصلاة وهي ركن عظيم من أركان الإسلام تردد ذكرها في القرآن أكثر من مائة مرة لعظم شأنها وعلو مكانتها. وقد توعد الله مانعها بالعذاب الشديد يوم القيامة، يقول - تعالى -: (وَالَّذِينَ يَكنِزُونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرهُم بِعَذَابٍ, أَلِيمٍ, يَومَ يُحمَى عَلَيهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكوَى بِهَا جِبَاهُهُم وَجُنُوبُهُم وَظُهُورُهُم هَذَا مَا كَنَزتُم لانفُسِكُم فَذُوقُوا مَا كُنتُم تَكنِزُونَ) (التوبة: 34، 35).

 وفي الصحيحين قال - صلى الله عليه وسلم -: \"ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي بين العباد فيرى سبيله إما إلى جنة وإما إلى النار\". وإن على من يخرج الزكاة أن يخرجها طيبة بها نفسه حتى تكون طهرة له وتزكية لقلبه وطهرة لأمواله ونماءً لها (خُذ مِن أَموَالِهِم صَدَقَةً تُطَهِّرُهُم وَتُزَكِّيهِم بِهَا) (التوبة: من الآية103).

وإن من أهم شروط إخراج الزكاة وبذل الصدقة: النية الصالحة فعلى من يخرج الزكاة ويبذل المعروفَ الإخلاصُ والتجرد لله رب العالمين، فلا يبتغِ بذلك رياء ولا سمعة فإنها بذلك تكون حسرة وندامة، ومما يساعد على الإخلاص في هذه العبادة الإسرار في إخراجها فهو أبعد عن الرياء وعن ذل الفقير ولعله أن يكون من السبعة الذين يظلهم الله في ظله. وإن مما يجب على مخرج الزكاة والصدقة أن يتحرى في إعطائها من يستحقها إذ من المؤسف أن بعض الناس اعتاد أن يعطي زكاة ماله من لا يستحقها معللاً ذلك بأنها عادةٌ لا يريد قطعها، والبعض يعطيها من يتظاهر أمامه بالفقر والمسكنة دون أن يكلف نفسه السؤال عنهم مع أن ظاهر حالهم امتهانُ التسولِ والوقوفِ في المساجد، والبعض يعطيها أقاربه الذين تجب نفقتهم عليه، فهؤلاء وأمثالهم إن أخرجوها على هذا الوجه وهم يعلمون فإنها لا تجزئ عنهم. وإن مما يستحب للمنفق أن يتحرى مصارف الزكاة بأن يدفعها في الأنفع له في الدنيا والآخرة، ومن ذلك دفع الزكاة للأقارب الذين لا تجب نفقتهم عليه فيكون إنفاقه صدقةً وصلة رحم، ومن ذلك أيضاً النفقة على المجاهدين فهي بذلك صدقةٌ وجهاد والجهاد بالمال من أعظم أنواع الجهاد، فها هي أبواب الجهاد مشرعة فأين السابقون إلى الخيرات، ومن ذلك دفعها للمتعففين من الأسر الفقيرة التي منعها حياؤها أن تمد يدها. وهذه الأسر المتعففة يعيشون بيننا وفي أحيائنا وقد يكونون من جيراننا فهلاّ تلمسنا هؤلاء والتفتنا إليهم.

هل تعلم أيها الأخ الكريم أن من بيننا أسراً ضيعها عائلها أو مات عنها أو سجن بسبب جرمه تبيت هذه الأسرة طاوية جائعة في بعض الليالي لا تجد قيمة الخبز، وهل تعلمون أن من بيننا أسراً معرضة للطرد من البيت لأنها لا تجد قيمة الإيجار، وهل تعلمون أن أسرة تعيش بيننا في دكان.

 أيها الإخوة :

من أراد أن يتعرف على هذه الأمثلة وغيرها كثير محزن فهذه جمعيات البر في ربوع المملكة تدعوك لتطلع بنفسك على أحوال أسر تعيش بين ظهرانيينا قد مسها ألم الفقر والحاجة، هذه الأسر لا تحتاج منا كبير عناء في البحث عنها لأنها قريبةٌ منا لكن منعها الحياء والتعفف أن تمد يدها لك، هذه الأسر قد تعيش في الظاهر مستورة لكنها تغلق بابها على ما ابتليت به من الفقر والحاجة.

ومما يجب على المنفق أن يراعيه كذلك في إنفاقه أن لا يستعظم ما ينفقه فإن المستعظم لفعله معجبٌ به، والإعجاب إذا دخ النفس أفسدها وإذا مازج القلب أفسد الإخلاص. كذلك مما يجب على المنفق أن يراعيه أن لا يفسد زكاته وصدقته بالمنّ والأذى فيحتقر الفقير لفقره أو يظهر له احتياجه له أو فضله عليه. وإن من أقبح المن والأذى أن يماطل الغني بزكاته فلا يدفعها للفقير الذي يتحراها منه بل يماطله بها ويؤخرها عن وقتها حتى يُحوج الفقير إلى ذل السؤال والوقوف عند الأبواب. إخوة الإسلام إن الجود أبوابه كثيرة وليست محصورة في بذل المال. فهناك أبواباً من الجود حري بنا أن نطرقها وبالأخص في رمضان، ومن ذلك الجود بالأخلاق وطيب الكلام وسلامة القلب وبالأخص مع الأهل والجيران. ومن ذلك الجود بالإعانة على المعروف والإصلاح بين الناس، ومن ذلك الجود بالتواضع والتبسط مع الناس وعدم التعالي عليهم ومن ذلك الجود ولو بالتبسم وطلاقة الوجه ومن ذلك الجود بإكرام الضيف والإحسان إلى الجار والجود أيضاً أن تجود بكف أذاك عن كل مسلم.

ومن أعظم الجود أن تجود على نفسك وأهل بيتك بخلاصك وخلاصهم يوم الطامة الكبرى يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. نعم الجود بابه واسع فصلوات ربي وسلامه على النبي الكريم أجودِ الناس وكان أجود ما يكون في رمضان. أسأل الله أن ييسر لنا ابتاع سنة نبينا، وأن يجعلنا من الباذلين أموالهم في أوجه البر . 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply