من درر العلامة ابن القيم عن الإخلاص

3 دقائق
19 جمادى الثاني 1447 (10-12-2025)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

الإخلاص من المواضيع التي بحثها العلامة ابن القيم، رحمه الله في عدد من كتبه، وقد جمعتُ بفضل من الله وكرمه بعضًا مما ذكره، أسأل الله الكريم أن ينفع بها الجميع.

[مفتاح دار السعادة]:

الإخلاص يمنع غلّ القلب:

المخلصُ لله إخلاصه يمنعُ غلَّ قلبه، ويخرجهُ ويزيلُه جملةً، لأنه قد انصرفت دواعي قلبه وإرادته إلى مرضاة ربه، فلم يبق فيه موضع للغل والغش.

الرافضة أبعد الناس عن الإخلاص:

الرافضة أبعد الناس من الإخلاص، وأغشهم للأئمة والأمة، وأشدهم بعدًا عن جماعة المسلمين.

المُخلص لله من أولياء الرحمن:

أولياء الرحمن هم: المخلصون لربهم، المحكِّمون لرسوله في الدِّقِّ والجل، الذين يخالفون غيره لسنته، ولا يخالفون سنته لغيرها، فلا يبتدعون، ولا يدعون إلى بدعة، ولا يتحيزون إلى فئة غير الله ورسوله وأصحابه، ولا يتخذون دينهم لهوًا ولعبًا، ولا يستحبون سماع الشيطان على سماع القرآن.

فأولياء الرحمن: المتلبسون بما يُحبُّه وليهم، الداعون إليه، المحاربون لمن خرج عنه.

لا يجتمع في القلب الإخلاص ومحبة المدح:

لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس إلا كما يجتمع الماءُ والنار، والضبُ والحوت.

أمور تعين على الإخلاص:

إذا حدثتك نفسك بطلب الإخلاص فأقبل على الطمع أولًا فاذبحه بسكين اليأس، وأقبل على المدح والثناء فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة، فإذا استقام لك ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح، سهل عليك الإخلاص.

وذبح الطمع يسهله عليك علمك يقينًا أنه ليس من شيء يُطمع فيه إلا وبيد الله وحده خزائنه لا يملكها غيره ولا يؤتى العبد منها شيئًا سواهُ والزهد في الثناء والمدح يسهله عليك علمُك أنه ليس أحد ينفع مدحُه ويزِين ويضر ذمُّه ويشين إلا الله وحده.

من ترك المألوفات مخلصًا لله لم يجد في تركها مشقة:

إنما يجد المشقة في ترك المألوفات والعوائد من تركها لغير الله، فأما من تركها صادقًا مخلصًا من قلبه لله، فإنه لا يجد في تركها مشقة إلا في أول وهلة، ليُمتحن أصادق هو في تركها أم كاذب؟ فإن صبر على تلك المشقة قليلًا استحالت لذة.

العمل بغير إخلاص جهد ضائع:

العمل بغير إخلاص ولا اقتداء كالمسافر يملأُ جرابهُ رملًا يثقله ولا ينفعه.

أشياء ضائعة لا يُنتفع بها: عمل لا إخلاص فيه ولا اقتداء.

لو نفع العمل بلا إخلاص لما ذمَّ المنافقين.

[الداء والدواء]:

الإخلاص الدواء النافع لمرض العشق:

-العشق- ليس له دواء أنفع من الإخلاص لله، وهو الدواء الذي ذكره الله في كتابه، ﴿كذَٰلِكَ لِنَصرِفَ عَنهُ ٱلسُّوٓءَ وَٱلفَحشَآءَإِنَّهُۥ مِن عِبَادِنَا ٱلمُخلَصِينَ﴾ [يوسف:34] فأخبر سبحانه أنه صرف عنه السوء من العشق والفحشاء من الفعل بإخلاصه، فإن القلب إذا خلص وأخلص عمله لله، لم يتمكن منه عشق الصور، فإنه إنما يتمكن من قلب فارغ كما قال: فصادف قلبًا خاليًا فتمكنا.

المخلص لله من أطيب الناس عيشًا:

فالمؤمن المخلص لله من أطيب الناس عيشًا، وأنعمهم بالًا، وأشرحهم صدرًا، وأسرهم قلبًا، وهذه جنة عاجلة قبل الجنة الآجلة.

[أعلام الموقعين عن رب العالمين]:

يُلبس المخلص المهابة والمحبة في قلوب الناس:

قد جرت عادة الله التي لا تبدل وسنته التي لا تحول أن يُلبس المخلص من المهابة والنور والمحبة في قلوب الخلق وإقبال قلوبهم إليه ما هو بحسب إخلاصه ونيته ومعاملته لربه، ويُلبس المرائي اللابس ثوبي الزور من المقت والمهانة والبغضة ما هو اللائق به، فالمخلص له المهابة والمحبة، وللآخر المقت والبغضاء.

[بدائع الفوائد]:

الإخلاص من أسباب دفع شر الحاسد:

أسباب يندفعُ بها شر الحاسد عن المحسود: السبب السادس: الإقبال على الله والإخلاص له.فما سعادة من دخل في هذا الحصن.

[مدارج السالكين في منازل السائرين]:

الإخلاص يخلص الإنسان من رؤية عمله:

من منازل ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ منزلة الإخلاص قال تعالى: ﴿وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعبُدُواْ ٱللَّهَ مُخلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ﴾ [البينة: 5] وقال النبي لسعدٍ: "إنك لن تُخلف فتعمل عملًا تبتغي به وجه الله إلا ازدادت به درجة ورفعة".

العامل الذي يخلِّصه من رؤية عمله مشاهدته لمنة الله عليه وفضله وتوفيقه له وأنه بالله لا بنفسه وأنه إنما أوجب عمله بمشيئة الله لا مشيئته هو كما قال تعالى ﴿وَمَا تَشَآءُونَ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ﴾[التكوير:29] والذي يخلصه من رضاه بعمله وسكونه إليه أمران:

أحدهما: مطالعة عيوبه وآفاته وتقصيره فيه، وما فيه من حظِّ النفس ونصيب الشيطان، فقلَّ عمل من الأعمال إلا والشيطان فيه نصيب وإن قلَّ، وللنفس فيه حظ، سئل النبي عن التفات الرجل في صلاته فقال: "هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد".

الثاني: علمه بما يستحقه الربُّ جلَّ جلاله من حقوق العبودية وآدابها الظاهرة والباطنة وشروطها، وأن العبد أضعف وأقلُّ من أن يوفيها حقَّها وأن يرضى بها لربه، فالعارف لا يرضى بشيءٍ من عمله لربه، ولا يرضى نفسه لله تعالى طرفة عينٍ، ويستحيي من مقابلة الله بعمله، فسوء ظنه بنفسه وعمله وبغضه لها، وكراهته لأنفاسه وصعودها إلى الله يحول بينه وبين الرضا بعمله والرضا عن نفسه.

قال بعضهم: آفة العبد رضاه عن نفسه، ومن نظر إلى نفسه باستحسان شيءٍ منها فقد أهلكها، ومن لم يتهم نفسه على دوام الأوقات فهو مغرور.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين


مقالات ذات صلة


أضف تعليق