هدايا رمضان


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

رمضان والهدية:

لما كان رمضانُ شهرَ الرحمةِ والجودِº فما ألطفَ أن يتعهد العبدُ أهلَه وعيالَه وأولي الأرحام منه في هذا الشهرِ المبارَكº فيُدخِل عليهم الفرحةَ والسٌّرورº ويتقرَّب إليهم، احتراماً للكبيرِ ورحمةً للصغيرِ وصلةً للرحم. فللصائم قلبٌ رحيمٌ، مُشفِقٌ على المساكينº فهو يَتشبَّه بأخلاقِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، حيث كان - صلى الله عليه وسلم - يعتني في كلِّ أحوالِهِ بنفعِ الناسِ وإسداءِ الخيرِ لهم، كما قالت أمنا خديجة - رضي الله عنها - للنبي - صلى الله عليه وسلم -: (كلا والله لا يُخزيك اللهُ أبداًº إنّك لَتَصِلُ الرَّحِم وتحمِل الكَلَّ وتَكسِب المعدوم وتَقرِي الضيف وتُعين على نوائبِ الحق).

 

رمضان وصِلَة الأرحام:

لا ريبَ أنَّ الصائمَ يَحِنٌّ في شهرِ رمضان بنفحاتِه الربَّانية المباركة إلى صِلَةِ أرحامِه وزيارةِ إخوانِه وإكرام ذوي القربى منه، وتعهدهم بالزيارة والهدية، وقد روى الشيخان عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من أحَبَّ أن يُبسَطَ له في رزقِه وأن يُنسأ له في أثرِهº فليَصِل رَحِمَه). وقد ترجم البخاري - رحمه الله - في كتاب (الأدب) أبواباً بديعةً، منها: (فل صلة الرَّحِم)، وباب (إثم القاطع)، وباب (من بُسِطَ له في الرزق بصلة الرَّحِم)، وباب (من وصَلَ وصَلَه الله)، وباب (تُبَلٌّ الرَّحِمُ ببِلالِها).

 

رمضان وتفقٌّد الأصحاب ورحمة الضعفاء:

ما أحسَنَ أن يَتفقَّدَ العبدُ المؤمن أصحابَه في رمضانº فيُعين فقيرَهم ويرحم ضعيفَهم ويُنفِّس كربَ المبتلى منهمº فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (مَن نَفَّسَ عن مؤمنٍ, كُربَةً مِن كُرَبِ الدنيا نَفَّسَ الله عنه كُربةً من كُرَب يوم القيامة). ذلك أنَّ رمضانَ مُناسَبَةٌ عظيمةٌ لِتفريجِ كُرُوبِ الفقراء والمساكين، والتجاوز عن المعسرين، كما روى البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (كان الرجل يداين الناس. وكان يقول لفتاه: إذا أتيت مُعسِراً فتجاوز عنهº لعلّ الله يتجاوز عنّا. قال: فلقي الله فتجاوز عنه)، وفي رواية حذيفة (إنَّ رجلاً كان فِيمَن كان قبلَكم أتاه الملك ليقبض رُوحَـه، فقيل له: هل عملتَ من خير؟ قال: ما أعلم. قيل له: انظر! قال: ما أعلم شيئاً غير أنّي كنت أُبايِعُ الناسَ في الدنيا فأُجازيهم فأُنظِر الموسِر وأتجاوز عن المُعسِر. فأدخله الله الجنّة)، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (بينما كلبٌ يطيف بِرَكِيَّةٍ, كاد يقتله العطش إذ رأتهُ بَغيٌ مِن بغايا بني إسرائيل، فنَزَعَت مُوقَها فسَقَتهُº فغُفر لها به) وقال: (بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش، فوجد بئراً فنزل فشرب ثم خرج. فإذا كلبٌ يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلبَ من العطش مثلُ الذي كان بلغ بي. فنزل البئر فملأ خُفَّه ثم أمسك بفيه، فسقى الكلبº فشكر الله له. فغفر له).

 

زيارة المريض والسعي على الأرملة والمسكين:

وإنَّ مِن أخلاقِ الصائمين أن يَسعَوا إلى زيارةِ المسلمين والسعيِ على الأرملة والمسكين وغيرها من أعمال البر وصلة الرحم كما روى الترمذي وابن حبّان: (من عاد مريضاً أو زار أخاً له في الله ناداه منادٍ,: طبت وطاب مشاك وتبوّأت من الجنة منزلاً) وروى الطبراني: (من زار أخاه المؤمن خاض في الرحمة حتى يرجع)، وروى البخاري: (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو كالذي يصوم النهار ويقوم الليل).

 

كفالة اليتيم في رمضان:

فللهِ دَرٌّ رجلٍ, صائمٍ, هَدَاهُ إيمانُه ودَلَّهُ صِيامُه على رحمةِ مِسكينٍ, وكفالةِ يتيمٍ,º رغبةً في تحصيل البشرى النبوية: (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا) وقال بإصبعه السبّابة والوسطى وفرَّجَ بينَهما.

 

الهدية ودلالتها اللغوية النَّفسِيّة الاجتماعيّة:

إنّ للهديّة أهميّةً عُظمَى في الإسلامº من حيث دلالاتها النَّفسِيّة، وأبعادها الاجتماعيّة! فالهديّةُ عنوانُ المحبّة ودليلُ المودَّةº ولذلك كانت (الهديّة) واحِدَةً من مُفرَدات العاشِقين وقامُوس المُحِبِّينº كما قال علي بن الجهم:

 

طلبتُ هديَّةً لك باحتِيالِي ** على ما كان مِن حِسِّي وبَسِّي!

 

فلمَّـا لم أجِد شيئاً نفِيساً ** يكونُ هديَّةً أهديـتُ نفسِي!

 

وقد لَحَظََ اللٌّغَوِيٌّون هذا المعنى مِن معاني الهديّةº فقال الخليلُ بن أحمد في (العين): \"الهديّة: ما أهديتَ إلى ذي مودَّة: من برٍّ,\"، وجاء في (المصباح المنير) و(المعجم الوسيط) أنَّ الهديّة \"ما يقدِّمُهُ القَرِيبُ أو الصَّدِيقُ مِن الألطاف\" \"والإكرام\".

 

ولا عجباً فقد قيل:

 

هدايـا الناسِ بعضِهم لبعضِ ** تُوَلِّدُ في قُلـوبِهم الـمَوَدَّه!

 

وتزرع في النفوسِ هَوًى وحُبًّا! ** لِصَرفِ الدَّهرِ والحدثانِ عُدَّه!

 

وتصطادُ القُلوبَ بلا شِراكٍ, ** وتُسعِدُ حَظَّ صاحِبِها وجَدَّه!

 

وما أحسنَ ما قال دِعبل:

هدايـا الناسِ بعضهم لبعضٍ, ** تولِّد في قلوبِهِـم الوِصالا!

 

وتزرعُ في الضَّمِيرِ هَوًى ووُدّاً ** وتكسُوكَ المهابةَ والجمالا!

 

الأبعاد النفسية للهدية:

ولا يخفى أنَّ الهديَّةَ تكتسِبُ أبعاداً نفسيّةً عديدةً: مثل الدلالة على السَّخاءِº ولذلك كان العربُ يفخَرُون بتقديمِ الهدايا، ويعتبرون ذلك دليلاً على سَخاءِ النَّفسِ، فقد قال الزمخشري: \"فلانٌ يُهَدِّي للناس: إذا كان كثيرَ الهدايا، قال أبو خراش:

 

لقد عَلِمَت أمٌّ الأُدَيبِرِ أنَّنِي ** أقولُ لها: هَدِّي ولا تَذخَرِي لحمي! \"

 

الثمرات الاجتماعية للهدية:

ولا يخفى أنَّ للهديّةِ ثمراتٍ, اجتماعيّةً كثيرةًº فالهديّةُ لها أثرٌ سِحرِيُّ في تحريكِ المروءات وإصلاحِ ذاتِ البَينِ، وإذهابِ ما بينَ الناسِ من العداوات، كما قيل:

 

إنّ الهديّـةَ حُلوَةٌ كالسِّحـرِ تجتذِبُ القُلُـوبا!

 

تُدنِـي البَغِِيضَ مِنَ الهوى حتى تُصيِّـرَه قَرِيبا!

 

وتُعيـدُ مُضطَغِنَ العَـداوَةِ بعدَ نُفـرَتِهِ حَبِيبا!

 

تَنفِي السَّخِيمَةَ مِن ذَوِي الشَّحنا وتمتحِنُ القلوبا!

 

أنواع الهدية:

وللهديّةِ أنواعٌ كثيرةٌº فقد تكون طعاماً أو شراباً، نحوَ إتحافِ الأضيافِ، كما قدّمت زوجةُ أبي أُسَيد للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - نُقاعة التمرº حينما جاء يزورهم - صلى الله عليه وسلم - في العرس. فقد روى البخاري عن سهل بن سعد أنّ أمَّ أُسَيد سُلامة بنت وُهَيبٍ, أنقَعَت لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - تمراتٍ, في تَورٍ, مِن حجارةٍ, من الليلº (فلما فَرَغَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِن الطعامِ أماثَته لهº فَسَقتهُ: تُتحِفُهُ بذلك).

 

وليس الاعتبارُ في الهديّةِ بالكثير من الغنيِّ الذي لا يُحصِي ما لديهº فأحسَنُ العطاءِ عَطاءُ الفَقِيرِ الذي لا يَبخَلُ بل يُؤثِرُ مع كَونِهِ لا يَكادُ يَجِدُ ما يُعطِيهِº وما أكثرَ القليلَ إذا كان نابِعاً من قَلبٍ, نَبِيلٍ, وما أجزَلَ العطاءَ إذا كان عن كَرَمٍ, أصيلٍ,! كما قيل:

 

قليـلٌ مِنكَ يَنفَعُنِي ولَكِن ** قَلِيـلُكَ لا يُقـالُ لَهُ قَلِيلُ!

 

وما أحسنَ ما قيلَ في هذا المعنى:

لا تنظرَنَّ إلى زَهِيدِ هَديّةٍ, ** بَل فانظُرَنَّ لِقَلبِ مَن أهداها!

 

أعظم هدية:

ولا ريبَ أنَّ أعظمَ هَدِيّةٍ, يُقَدِّمُها المرءُ لأخيه: نَصِيحَةٌ صادِقةٌ ومعرفةٌ نافِعةٌ وكلمةٌ صالحةٌ! كما روى البخاري ومسلم عن الصحابي الجليل كعب بن عُجرَة - رضي الله عنه - أنَّه قال لابنِ أبي مُلَيكَةَ: ألا أُهدِي لك هديَّةً؟ قال: بلىº فأهدِها لي! فأهداهُ الصلاةَ الإبراهيميّة على النبي - صلى الله عليه وسلم -!

ورَحِمَ اللهُ أبا عبد الرحمن الحُبُلِي فقد روى الدارمي في سُنَنِهِ عن شرحبيل بن شريك أنه سمع أبا عبد الرحمن الحُبُلِي يقول: \"ليس هديَّةٌ أفضلَ مِن كلمةِ حِكمَةٍ, تُهدِيها لأخيك\"!

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply