الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الفريضة الغائبة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتغييره في المجتمع من القضايا الهامة في الفقه والشريعة الإسلامية، فقد وضع الإسلام للمجتمع الإنساني تشريعًا كاملا في جميع نواحي حياته المادية والروحية، وأراد لهذا المجتمع أن ينمو في ظل هذا التشريع الإلهي، فاهتم بوضع القواعد التي تكفل التقدم المستمر والدائم للأفراد والجماعات مع تغير البيئات والظروف وتجدد المصالح والأعراف والعادات.

وقد جعل الإسلامُ هذه القواعدَ من أصوله، التي ينبغي أن يقوم عليها المجتمع، وأن يراعيها ولا يهمل الأخذ بها، ومن أهم هذه القواعد: أن يتوفر في المجتمع دائمًا من يقومون على إصلاح أموره في شئون الدنيا والدين عن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعمل على تغييره بالطرق والضوابط التي حددها الإسلام.

فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم في الدين، وهو المهمة الأساسية التي بعث الله بها النبيين والمرسلين. ومنهج تغيير المنكر في الإسلام يندرج تحت هذه الفريضة الكبرى، التي فرضها الله - سبحانه - على الأمة الإسلامية وعلى من سبقها من الأمم، وجعلها شرطَ الخيرية هذه الأمة على سائر الأممº فقال - تعالى -: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} [آل عمران: 110].

فمن صور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: تغييرُ المنكر في المجتمع بالمراتب التي حددها الرسول -صلى الله علية وسلم- في قوله: \"من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعفُ الإيمان\" رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري.

والعملُ على تغيير المنكر واجبٌ في الإسلام، والواجب إذا أهمله الإنسان أو تركه آخذَه الله - سبحانه - على ذلك، وقد استحق بنو إسرائيل اللعنةَ من الله - سبحانه - على لسان أنبيائهم، وضرب الله قلوب بعضهم ببعض، وسلط عليهم من لا يرحمهم، لتركهم هذا الواجب، ولانتشار المنكرات بينهم، دون أن تجد من يُغيّرها أو ينهى عنهاº قال - تعالى -: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون} [المائدة: 7879].

وكان تركُهم لهذا الواجب سببًا لهلاكهمº قال - تعالى -: {فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون} [الأعراف: 165].

كما أن تغيير المنكر هو صمام الأمان للمجتمع، وقوام نجاته من الفتن والمنكرات وعوامل الهدم والتخريب، وقد بين ذلك الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه البخاري والترمذي عن النعمان بن بشير مرفوعا: \"مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فصار بعضُهم أسفلَها وبعضُهم أعلاها، فكان الذين في أسفلها إذا أرادوا أن يستقوا من الماء مرٌّوا على من فوقهم، فقالوا: لو أننا خرقنا في نصيبنا خرقا ولا نؤذي من فوقنا، فلو تركوهم وما أرادوا هلكوا وهلكوا جميعا ولو ضربوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا\".

إن التغافل عن المنكر في المجتمع الإسلامي، هو بمنزلة من يخرق السفينة لكي تغرق بجميع من فيها، ومن هنا وجب الأخذُ على يدي فاعل المنكر، ومنعه وتغيير منكره.

فالإسلام لا يقبل أبدا موقف الانعزاليين، الذين يقدرون على تغيير المنكر ولا يسعون لتغييره، مردّدين قولَه-تعالى -: {عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} [المائدة: 105]، أو مرددين الكلمة الدارجة على الألسنة \"وأنا مالي\"، وهي عنوان التسيب الذي لو استمرأناه لتعطلت حركة الحياة، وضعف الأمل في الإصلاح {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} [الرعد: 11].

إن أسوأ ما يصيب المجتمعات كما يقول الدكتور يوسف القرضاوي أن يخرس الطغيانُ والخوفُ فيها الألسنةَ، فلا تعلن كلمة حق، ولا تجهر بدعوة ولا نصيحة ولا أمر ولا نهي، وبذلك تنهدم منابرُ الإصلاح وتختفي معاني القوة وتذوي شجرة الخير ويجترئ الشر ودعاته على الظهور والانتشار، فيتفوق سوق الفساد، وترجح بضاعة إبليس وجنوده، من غير أن تجد مقاومة ولا مقاطعة، وحينئذ يستوجب المجتمع لعنة الله وعذابه، فيصب البلاء والنكبات على المقترفين للمنكر والساكتين عليهº قال - تعالى -: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب} [الأنفال: 25].

وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : \"إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده\"، رواه أبو داود والترمذي والنسائي، وقال في حديث آخر: \"إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم يا ظالم فقد تُوُدِّع منهم\"، رواه أحمد عن ابن عمرو.

وأسوأ من ذلك أن يموت الضمير الاجتماعي للأمة، أو يمرض على الأقل، بعد طول الإلف للمنكر والسكوت عليه، فيفقد المجتمعُ حسَّه الديني والأخلاقي، الذي يعرف به المعروف من المنكر، ويفقد العقل البصير الذي يميز به الخبيث من الطيب والحلال من الحرام والرشد من الغي، وعند ذلك تختل موازين المجتمع، وتضطرب مقاييسه فيرى السنة بدعة والبدعة سنة، أو يرى ما نحسه ونلمسه في عصرنا عند كثير من أبناء المسلمين من اعتبار التدين رجعية، والاستقامة تزمتًا، والاحتشام جمودًا، والفجور فنًا، والإلحاد تحررًا، والانحلال تقدمًا، والانتفاع بتراث السلف تخلفًا في التفكير، إلى آخر ما نعلم وما لا نعلم، وبعبارة موجزه: يصبح المعروف منكرًا والمنكر معروفًا.

وأسوأ من هذا وذاك أن يخفت صوت الحق، وتتعالى صيحات الباطل تتجاوب بها الأرجاء، داعية إلى الفساد، آمرة بالمنكر، ناهية عن المعروف، صيحات الذين وصفهم الحديث الشريف بأنهم \"دعاة على أبواب جهنمº من أجابهم إليها قذفوه فيها\"، رواه البخاري ومسلم عن حذيفة بن اليمان.

 

• مهمة الرسل والأنبياء:

فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذن رسالةٌ عظيمة ووظيفة سامية، ارتبطت بأشرف خلق الله على الأرض، وهم الرسلُ والأنبياء منذ آدم - عليه السلام - وحتى نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - خاتم الأنبياء والمرسلين.

وهو وسيلة هامة من وسائل إصلاح المجتمعات وتقويم الانحراف، فعندما خلق الله آدم - عليه السلام - وأنزله إلى الأرض وضع له تشريعًا ومنهجًا يسير عليه في حياته، وهو تشريع يضمن له الفلاحَ والنجاح في الدنيا والآخرة، ما دام متمسكا به وسائرا على نهجة هو و ذريته من بعده، ولكن الله - سبحانه وتعالى -- علم بقدرته وحكمته أن الإنسان لن يستمر سائرًا على هذا المنهج، بل سينحرف عنه ويحيد، ومن هنا جاءت مهمة الرسل الذين بعثهم الله - سبحانه - لدعوة الناس إلى المنهج الإلهي، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وتقويم ما حدث في الأرض من انحراف واعوجاج، فقد كان المولى - سبحانه وتعالى - يرسل في كل أمة ضلت وانحرفت عن منهجة رسولا من البشر، يذكرهم بطريق التوحيد ويدعوهم إليه، فقد أرسل موسى إلى فرعون الذي علا في الأرض، وتطاول على خالقه، وادعى الألوهية، وعاث في بني إسرائيل الفساد يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم ويسومهم سوء العذاب، وأرسل نوحاً إلى قومه الذين ضلوا وأشركوا بالله، وعبدوا تماثيل لا تنفع ولا تضر، وأرسل لوطا إلى قومه الذين انحرفوا، وشاعت فيهم جريمة من أبشع الجرائم وهي اللواط، وأرسل هودا إلى قومه عاد، وصالحا إلى قومه ثمود، ومحمدا - صلى الله عليه وسلم - إلى العرب الذين عبدوا الأصنام والتماثيل.

وكانت الوظيفة الأساسية لكل نبي ورسول هي: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهل هناك معروف أكبر من الإيمان بالله - سبحانه - وتوحيده ومنكر أكبر من الشرك بالله - سبحانه - وعبادة غيره؟

وقد لاقى الرسل والأنبياء في سبيل هذه الوظيفة كل صنوف العنت والاضطهاد والتعذيب، فصبروا وتحملوا وجاهدوا في سبيل رسالتهم، حتى بلّغوها كاملة إلى العالمين.

 

• خيرية الأمة الإسلامية:

ولكن إذا كانت رسالات السماء قد انتهت بالإسلام، وهو الرسالة العالمية التي لا تخص أمة دون غيرها فمن يقوم بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين الناس إذا انحرفوا عن المنهج؟

إن هذا التساؤل يشير إلى المكانة التي اتخذتها الأمةُ الإسلامية بين الأمم، وهي مكانة عظيمة لا تدانيها مكانةº إذ شرفها الله - سبحانه - بحمل فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجعلها سببا لخيريتها على سائر الأممº فقال - تعالى -: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} [آل عمران: 110].

وقال - تعالى -: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} [آل عمران: 104].

فالأمة المحمدية خير أمة أخرجت للناس، ما دامت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وسوف تظل خير الأمم وأعلاها ما دام أبناؤها قائمين على هذا الواجب، أما إذا تخلت عنه، فسوف تسقط عنها هذه الخيرية، وتصبح أمة ضعيفة ذليلة لا قيمة لها ولا وزن، ومن هنا وجدنا التوجيهات القرآنية التي تحض الأمة الإسلامية على هذا الواجبº قال - تعالى -: {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر} [الحج: 41].

وقال - تعالى -: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله} [التوبة: 71]، وقال - تعالى -: {التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر} [التوبة: 112].

وقال - تعالى -: {يؤمنون بالله واليوم الأخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين} [آل عمران: 114].

وقال - تعالى -: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} [الأعراف: 199].

وقال - تعالى -على لسان لقمان: {يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور} [لقمان: 17].

 

• عواقب ترك الفريضة:

ويحذر القران الكريم من التخلي عن هذا الواجب، ويبين لنا عواقب تركه، في قوله - تعالى -: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون} [المائدة: 78-79].

وقد جعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من حق الطريق على المسلمº فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: \"إياكم والجلوسَ في الطرقات\" فقالوا: يا رسول الله ما لنا من مجالسنا بُدّ نتحدث فيها، فقال: \"فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقَّه\"، قالوا: وما حقٌّ الطريق يا رسول الله؟، قال: \"غض البصر، وكفٌّ الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر\" متفق عليه.

وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما حدث لبني إسرائيل حين تخلوا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال في الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي عن ابن مسعود: \"إن أول ما دخل النقصُ على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل، فيقول: يا هذا اتق الله ودع ما تصنعº فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله، فلا يمنعُه ذلك من أن يكون جليسَه وأكِيلَه وشَرِيبَه، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوبَ بعضهم ببعض ولعنهم\".

 

وقال - صلى الله عليه وسلم - في حديث آخر: \"لما وقع بنو إسرائيل في المعاصي نهاهم علماؤهم فلم ينتهوا، فجالسوهم في مجالسهم، وواكلوهم وشاربوهم، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون\".

وروى البخاري عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: \"أهلك الله قرية فيها أربعين ألفا عملهم عمل الأنبياء\" قالت: كيف ذلك يا رسول الله؟ قال: \"إنهم لم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر\"، ويوجه النبي - صلى الله عليه وسلم - تحذيره المباشر إلى الأمة الإسلامية من التخلي عن واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيقول في الحديث الذي رواه الترمذي عن حذيفة بن اليمان: \"والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم\".

وروى الترمذي عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - أنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: \"إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه\".

ولن ينجو من هذا العقاب إلا الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، قال - تعالى -: {فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون} [الأعراف: 165].

وروى أبو داود والترمذي وابن ماجهº عن أبي ثعلبة الخشني أنه قيل له: كيف تقول في هذه الآية: {عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} [المائدة: 105] فقال: أما والله لقد سألت عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: \"بل ائتمروا بالمعروف، وانتهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحا مطاعا، وهوى متبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك نفسك ودع عنك أمر العوام\".

 

• التكافل الأدبي بين المسلمين:

فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى جانب الصلاة والزكاة أهم ما تقوم به دولة الإسلام، بعد أن يمكن الله لها وينصرها على عدوها، بل هي لا تستحق نصر الله إلا بهذاº قال - تعالى -: {ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور} [الحج: 40].

هذه هي فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي غابت اليوم عن مجتمعات المسلمين، إلا ما رحم الله، إنها علم على وجوب التكافل الأدبي بين المسلمين، كما أن الزكاة علم على وجوب التكافل المادي بينهم.

وهذه الفريضة هي بمنزلة الحراسة للرأي العام، فرضها الله على مجموع الأمة، على اختلاف أصنافها، وجعلها فرضا من فروض الكفاية، فإذا أدى المجتمع هذا الواجب بقيام جماعة فيه من أهل السلطان أو من أهل العلم أو حتى من عامة الناس بأداء هذا الواجب صار المجتمع قائما به، وإذا لم يقم ذلك في المجتمع صار كله آثما بإهماله هذا الواجب.

فشأن مجتمع المؤمنين هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرº قال - تعالى -: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} [التوبة: 71].

أما مجتمع المنافقين الذين جعلهم القرآن الكريم في الدرك الأسفل من النار، فقد حددت معالمه الآية الكريمة {المنافقون والمنافقات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون} [التوبة: 67].

وهذه الخصال مناقضة تمام المناقضة لمجتمع المؤمنين، وأن الكثير مما حذرت منه هذه الآية الكريمة قد وقع حتى غدا المعروف منكرا والمنكر معروفا، وأصبحت الدعوة إلى الإسلام وشريعته وكأنها جريمة، وأمسى الداعي إلى الإسلام \"أصوليا\" مكانه قفص الاتهام.

 

إن ما سبق من أحاديث وآيات قرآنية حول واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تبين أهمية هذه الفريضة الكبرى، ودورها في استقامة المجتمع ونجاته، وقيامه برسالته على وجه الأرض، فكل بني آدم كما يقول ابن تيمية لا تتم مصلحتهم لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا بالاجتماع والتعاون والتناصر، فالتعاون على جلب منافعهم والتناصر لدفع مضارهم..ولهذا يقال: الإنسان مدني بالطبع، فإذا اجتمعوا فلا بد لهم من أمور يفعلونها يجتلبون بها المصلحة وأمور يجتنبونها لما فيها من المفسدة، ويكونون مطيعين للآمر بتلك المقاصد والناهي عن تلك المفاسد، فجميع بني آدم لا بد لهم من طائفة آمر وناه.

ثم يقول ابن تيمية: \"وكل بشر على وجه الأرض لا بد له من أمر ونهي، ولا بد أن يأمر وينهى، حتى لو أنه وحده لكان يأمر نفسه وينهاها إما بمعروف أو بمنكر\"، ويقول ابن العربي المالكي: \"الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل في الدين، وعمد من عمدة المسلمين وخلافة رب العالمين، والمقصود الأكبر من بعث النبيين، وهو فرض على جميع الناس مثنى وفرادى بشرط القدرة عليه\".

 

---------------------------------------------------

1. الحسبة في الإسلام - ابن تيمية - رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية.

2. ملامح المجتمع الإسلامي الذي ننشده - د. يوسف القرضاوي - مكتبة وهبة - الطبعة الأولى - القاهرة 1993.

3. أصول المجتمع الإسلامي - د. جمال الدين محمود - سلسله دراسات في الإسلام - وزارة الأوقاف المصرية - العدد 252 - محرم 1404هـ.

4. تفسير ابن كثير - الإمام إسماعيل بن كثير - مكتبة دار التراث القاهرة.

5. رياض الصالحين - الإمام النووي - مؤسسة الرسالة - بيروت 1984م.

6. الكنز الثمن في أحاديث سيد المرسلين - دار الفرقان.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply