تصدق على نفسك


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخطبة الأولى:

أمّا بعد: فيا أيّها الناس، اتقوا الله حقَّ التّقوى.

عبادَ الله، إنّ مِن رحمةِ الله بِهذه الأمّة أن نوّع لها طرَقَ الخيرَات، ويسّر لها ذَلك، ورتّب على هَذه الأعمالِ الصّالحَة ثوابًا عظيمًا في الدّنيا والآخرَة.

 

أيّها المسلم، فأنتَ عَلى خيرٍ, في أقوالك وأعمالك الصّالحَة، بل أعمالُ القلوبِ تُثاب عليها، نُطقُ اللّسان عملُ الجوارحِ كلّ ذلك تثابُ عليه بأنواعٍ, من الأعمال الصّالحة، لو عجزتَ عن نوعٍ, قدرتَ على النوع الآخر، ومَن وفِّق لاستكمال الخير فذاك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.

 

يقول ربّنا - جل وعلا -: \" يا أَيٌّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اركَعُوا وَاسجُدُوا وَاعبُدُوا رَبَّكُم وَافعَلُوا الخَيرَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ \"[الحج: 77]، ويقول ربّنا - جل وعلا -: \" فَاستَبِقُوا الخَيرَاتِ إِلَى الله مَرجِعُكُم \" [المائدة: 48]، ويقول ربّنا - جل وعلا -: \" وَسَارِعُوا إِلَى مَغفِرَةٍ, مّن رَّبّكُم وَجَنَّةٍ, عَرضُهَا السَّمَـاواتُ وَالأرضُ أُعِدَّت لِلمُتَّقِينَ \"[آل عمران: 133].

 

أيّها المسلم، فواجباتُ الإسلام سواء الواجباتُ العينيّة أو الكفائيّة أو الأمور المستحبّة كلٌّ هذه الأعمالِ يُثاب العبد عليها على فعلِها مع النيّة الصالحة، وكلّما حسُنت النيّة وعظم القصدُ زاد الثواب من ربّنا - جل وعلا -: \" مَن جَاء بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشرُ أَمثَالِهَا \" [الأنعام: 160]، ذاك فضل الله على هذه الأمّة المحمّديّة، فاشكروا اللهَ على نعمتِه، وتسابَقوا لفعلِ الخير لعلّكم تفلحون.

 

أيّها المسلم، أركانُ الإسلام الخمسة: شهادة أن لا إله إلا الله وأنّ محمدًا رسول الله وإقامُ الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحجّ بيت الله الحرام، هذه هي أركان الإسلام، دعائم الإسلام، لا يصحّ إسلام عبدٍ, إلا باستكمالِ هذه الأركان كلّها.

 

فأوّلها تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله وأنّ محمّدًا رسول الله، كلمة التّوحيد: \"لا إله إلا الله\" هي أعلى شعَب الإيمان، كما قال: ((الإيمانُ بِضع وسبعون شعبة، فأعلاها قول: لا إله إلا الله))[1]. كلمةُ التّوحيد من قالها في يومٍ, عشرَ مرّات كان كمَن أعتقَ أربعةً من ولد إسماعيل، من قالها في يومٍ, مائةَ مرّة كان له عَدل عشرِ رِقاب وكُتِبت له مائة حسنة ورُفِعت له مائَة دَرجة وحطّت عنه مائة خطيئة. من صلّى على نبيّنا صلاةً واحِدة صلّى الله عليه بِها عشرًا.

 

((الصلواتُ الخمس والجُمعة إلى الجمعة ورَمضان إلى رمضانَ كفّارة لما بينهنّ ما اجتُنبت الكبائر))[2]، في الحديث الآخَر: ((مثَل الصلواتِ الخَمس كمثل نَهر غمرٍ, بباب أحدِكم، يغتسل منه كلّ يوم خمسَ مرّات، هل يبقى من دَرَنه شيء؟)) قالوا: لا يا رسول الله، قال: ((فكذلك الصلوات الخمسُ، يمحو الله بهنّ الخطايا والسيئات))[3].

 

أيّها المسلم، أداؤك للزكاة ركنٌ من أركانِ دينك، ومع أدائِك لها فلك مِن الله الثوابُ العظيم، \" خُذ مِن أَموالِهِم صَدَقَةً تُطَهّرُهُم وَتُزَكّيهِم بِهَا وَصَلّ عَلَيهِم إِنَّ صَلَواتَكَ سَكَنٌ لَّهُم \" [التوبة: 103]، وما نَقص صدقةٌ مِن مال، بل تزِده بل تزده.

 

صومُك لرمضان وقيامك لليلِه مِن أسباب تكفير الذّنوب ورفعِ الدّرجات، ((من صام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدّم من ذنبه))[4]، ((من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفِر له ما تقدم من ذنبه))[5]، ((الصوم لي وأنا أجزي به))[6].

 

حجٌّك لبيت الله، ((من حجَ البيتَ فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبِه كيوم ولدته أمّه))[7].

 

أيّها المسلم، وكلّ واجباتِ الإسلام فإنّها صدقة منك على نفسك وثوابٌ مدّخر لك يوم لقاء ربك.

 

أمرُك بالمعروف ونهيُك عن المنكر صدقة منك على نفسك، كما قال: ((وأمرُك بالمَعروف صدقة ونهيُك عن المنكر صدقة))[8]. برّك بوالديك وإحسانُك إليهما صدقةٌ منك على نفسك مع كونِه أمرًا شرعيًّا واجبًا عليك. صلتُك لرَحمِك عملٌ صالح وإحسانٌ منك إلى نفسك مع أنّه أمر مطلوب منك شرعًا، ((من أحبّ أن ينسَأ له في أثره ويبسَط له في رزقه فليصِل ذا رحمِه))[9].

 

أيّها المسلم، تفريجُ كَرب المكروب وهمِّ المهموم وقضاؤك لحاجة أخيك كلٌّها أعمال صالحة، صدقةٌ منك على نفسك، وثوابٌ مدَّخر لك يوم القيامة، ((من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربةً من كرَب الدّنيا فرَّج الله عنه كربةً من كُرب يومِ القيامة، ومن ستر مسلمًا في الدّنيا ستره الله في الدّنيا والآخرة))[10].

 

أخي المسلم، عيادتُك للمريض واتّباعك للجنازة ونصرُك للمظلوم وإفشاؤك السّلامَ وإجابة دعوة أخيك وإبرار قسمِه إن أقسَم أعمالٌ صالحة وهي حقوق للمسلم على المسلم، ولها ثوابٌ عند الله.

 

أخي المسلم، معاشرتُك لامرأتِك مع النيّة الصالحةِ عملٌ صالح وصدَقة منك على نفسك، ولذا يقول: ((وفي بُضع أحدِكم صدقة))، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدُنا شهوتَه ويكون له فيها أجر؟! قال: ((أرأيتُم لو وضعَها في الحرام كان عليه وزر؟! فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر))[11].

 

أخي المسلم، شفاعتُك لأخيك عند احتياجِه إلى شفاعتِك عمل صالحٌ وصدقة منك على نفسك، \" مَّن يَشفَع شَفَـاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مّنهَا \" [النساء: 85]، وفي الحديثِ: ((اشفَعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسانِ نبيِّه ما شاء))[12].

 

أيّها المسلم، كلٌّ هذه الأعمالِ الصالحة متى عمِلتَها بنيّة صادقةٍ, فأبشر مِن الله بالثّواب العظيم، إن عاجلاً أو آجلاً، وقد يجمَع الله لك بين ثوابَي الدّنيا والآخرة.

 

أخي المسلم، نفقتُك على البناتِ وإحسانك إليهنّ صدقةٌ منك على نفسك، ((من عال جاريتَين حتّى تبلغَا كنتُ أنا وهو في الجنّة كهاتين))[13]. إكرامُك اليتيمَ وإحسانك إليه عملٌ صالح، وفي الحديثِ عنه: ((أنا وكافِل اليتيمِ في الجنّة كهاتين))[14].

 

أيّها المسلم، نفقتُك على زوجتِك وعلى ولدِك مع النيّة الصالحةِ صدقةٌ منك على نفسِك، يقول لسعدِ بن أبي وقّاص: ((إنّك لن تنفقَ نفقةً تبتغي بها وجهَ الله إلاّ أجِرت عليها حتى ما تضع في فِي امرأتِك))[15]، وفي الحديث لمّا عدّ النبيّ الدنانيرَ ذكر أفضلها: ((دينارًا أنفقَه المسلمُ على ولده))[16].

 

أيّها المسلم، تربيتُك للأولادِ وعنايتك بأخلاقِهم وأعمالِهم إلى أن يستقيموا على الخَير ويسلُكوا الطريق المستقيمَ صدقة منك على نفسك وعملٌ صالح يجري لك بعدَ موتِك، في الحديث: ((إذا مات ابنُ آدم انقطع عملُه إلاّ من ثلاث: صدقةٍ, جارية أو علم يُنتفع به أو ولد صالحٍ, يدعو له))[17].

 

أيّها المسلم، إنفاقُك من مالك الطيّب مع النيّة الصالحة ثوابه عظيمٌ وإن قلّت النفقة، في الحديث عنه: ((من تصدّق ولو بعَدل ثمرةٍ, من كسبٍ, طيّب، ولا يقبَل الله إلا الطيّب، فإنّ الله يتلقّاها بيمينه فيربِّيها لأحدِكم كما يربّي فلوَّه حتى تكونَ مثلَ الجبل العظيم))[18]، والله يقول: \" مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَموالَهُم فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ, أَنبَتَت سَبعَ سَنَابِلَ فِي كُلّ سُنبُلَةٍ, مّائَةُ حَبَّةٍ, وَاللَّهُ يُضَـاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ \" [البقرة: 261].

 

أخي المسلم، حلمُك على الجاهلِ وإعراضُك عن السّفيه وتحمٌّل ذلك [فيه] ثواب عظيمٌ، \" ادفَع بِالَّتِي هِي أَحسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَينَكَ وَبَينَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىُّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظّ عَظِيمٍ, \" [فصلت: 34، 35]، \" خُذِ العَفوَ وَأمُر بِالعُرفِ وَأَعرِض عَنِ الجَـاهِلِينَ \" [الأعراف: 199].

 

إماطتُك الأذى عن طريق المسلمين صدقةٌ منك على نفسِك كما في الحديث: ((وتميط الأذى عن الطّريق صدقة))[19]. إصلاحُك بين الخصمَين ولا سيّما الأقرباء وسعيُك في التوفيق بينهم وتضييقِ شقّة الخِصام بينهم صدقةٌ منك على نفسك، وفي الحديث: ((أن تعدلَ بينَ اثنين صدقة))[20].

 

أيّها المسلم، النبيّ لمّا ذكر فضلَ إعتاق الرّقاب ومن عجز عنها قال: ((تعينُ صانعًا أو تصنع لأخرق))[21]، فجعل إعانةَ المسلم العاجزِ عن بعض أموره صدقة منك على نفسك.

 

أخي المسلم، نيّتك الصادقةُ في قلبك تبلّغك مبلغَ الأعمال مبلغَ العاملين، يقول يومَ تبوك: ((إنّ بالمدينةِ أقوامًا ما سِرتم مسيرًا ولا نَزلتم وادِيًا إلاّ كانوا معكمº حبَسهم العذر))[22]، ولذا قال الله: \" وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوكَ لِتَحمِلَهُم قُلتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحمِلُكُم عَلَيهِ تَوَلَّوا وَّأَعيُنُهُم تَفِيضُ مِنَ الدَّمعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ \" [التوبة: 92]. ولمّا ذكر رسول الله مَن أعطاه الله المالَ والعلمَ فهو يعمَل في مالِه بعلمِه، يتّقي فيه ربَّه، ويصِل فيه رحمَه، ويعلم لله فيه حقًّا واجبَا، وأنّ هذا بأعلى المنازل، ذكرَ الآخرَ الذي أعطاه الله العلمَ ولم يعطِه المال، فهو يتمنّى مالَ الأوّل ليعمَل مثلَ عمله، قال النبي: ((فهو بنيّتِه، فهما في الأجر سواء))[23].

 

والله لا ينظر إلى صوَرِنا وأموالِنا ولكن ينظُر إلى قلوبِنا وأعمالِنا، فكم مِن قلبٍ, متَّقِد بالخيرِ حريصٍ, على كلّ خير لا يمنعُه سوى عجز ماليّ أو عجز بدنيّ، والله يعلم ما انطوَت عليه قلوبُ العباد، فَلَو صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيرًا لَهُم [محمد: 21].

 

أيّها المسلم، فميادينُ الخير كثيرة وطرُق الخير عديدة، فإيّاك أن تزهدَ في القليل، فمن أعطى القليلَ أعطى الكثير، في الحديثِ يقول: ((لا تحقرِنَّ من المعروف شيئًا ولو أن تلقَى أخاك بوجهٍ, طليق))[24]، وقال: ((كلّ معروفٍ, صدقة))[25]، وفي الحديث عنه: ((أربعون خصلةً، أعلاها مَنيحة العنز، من عمل بواحدةٍ, منها تصديقًا لثوابها ورجاءً لمَوعدها لأدخله الله الجنَة))[26]، ((ولا يهلِك على الله إلا هالك))[27].

 

فاستبِقوا الخيراتِ، وتنافسوا في الأعمالِ الصّالحات، وربٌّنا يقول وهو أصدق القائلين: \" يَومَئِذٍ, يَصدُرُ النَّاسُ أَشتَاتًا لّيُرَوا أَعمَـالَهُم فَمَن يَعمَل مِثقَالَ ذَرَّةٍ, خَيرًا يَرَهُ وَمَن يَعـمَل مِثقَالَ ذَرَّةٍ, شَرًّا يَرَهُ \" [الزلزلة: 6-8].

 

بغيُّ من بغايا بني إسرائيل مرّت بكلبٍ, يلهَث عند بئر، فنزلت وملأت موقَيها من الماء، فأسقَت الكلبَ، فشكر الله لها فغَفر لها، قالوا: يا رسول الله، ألنا في البهائم من أجر؟ قال: ((إنّ في كلّ كبدٍ, رطبة أجر))[28].

 

فسارِع إلى فعل الخير، واغتنِم أيَّ عمل صالح تقدِر عليه، فلن يضيعَ عند الله شيء، أعمالٌ صالحة مدَّخرة، فاحرِص على التزوّد من صالح العمل، أسأل اللهَ أن يعينَ الجميعَ على كلّ خير، وأن يهديَنا صراطه المستقيم، وأن ييسّر لنا فعلَ الخيرات، ويعينَنا عليها فضلاً منه وكرَمًا، والله ذو الفضل العظيم.

 

أقول قولي هذا، وأستغفِر الله العظيم الجليلَ لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

----------------------------------------

[1] أخرجه البخاري في الإيمان، باب: أمور الإيمان (9)، ومسلم في الإيمان، باب: بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها (35) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بنحوه.

[2] أخرجه مسلم في الطهارة (233) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[3] أخرجه البخاري في مواقيت الصلاة، باب: الصلوات الخمس كفارة (528)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا (667) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بنحوه.

[4] أخرجه البخاري في الإيمان، باب: صوم رمضان احتسابا من الإيمان (38)، ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها، باب: الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح (760) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[5] أخرجه البخاري في الإيمان، باب: تطوع قيام رمضان من الإيمان (37)، ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها، باب: الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح (759) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[6] أخرجه البخاري في التوحيد، باب: قول الله - تعالى -: يريدون أن يبدلوا كلام الله (7492)، ومسلم في الصيام، باب: فضل الصيام (1151) عن أبي هريرة، وعند مسلم: عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري - رضي الله عنهما -.

[7] أخرجه البخاري في الحج، باب: قول الله - تعالى -: فلا رفث (1819)، ومسلم في الحج، باب: في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة (1350) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[8] أخرجه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها، باب: استحباب صلاة الضحى وأن أقلها ركعتان (720) عن أبي ذر بنحوه.

[9] أخرجه البخاري في الأدب، باب: من بسط له في الرزق بصلة الرحم (5986)، ومسلم في البر والصلة، باب: صلة الرحم (2557) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

[10] أخرجه البخاري في المظالم، باب: لا يظلم المسلم المسلم (2442)، ومسلم في البر والصلة، باب تحريم الظلم (2580) من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - بنحوه.

[11] أخرجه مسلم في الزكاة، باب: أن اسم الصدقة يقع على كل نوع (1006) عن أبي ذر رضي الله عنه نحوه.

[12] أخرجه البخاري في الزكاة، باب: التحريض على الصدقة والشفاعة فيها (1432)، ومسلم في البر والصلة، باب: استحباب الشفاعة فيما ليس بحرام (2627) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.

[13] أخرجه مسلم في البر والصلة والآداب، باب: فضل الإحسان إلى البنات (2631) عن أنس رضي الله عنه بنحوه.

[14] أخرجه البخاري في الأدب، باب: فضل من يعول يتيما (6005) عن سهل بن سعد رضي الله عنه، ومسلم في الزهد والرقائق، باب: الإحسان إلى الأرملة والمسكين واليتيم (2983) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[15] أخرجه البخاري في الإيمان، باب: ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة (54)، ومسلم في الوصية، باب: الوصية بالثلث (1628) عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.

[16] أخرجه مسلم في الزكاة، باب: فضل النفقة على العيال والمملوك (994) عن ثوبان رضي الله عنه بنحوه.

[17] أخرجه مسلم في والوصية، باب: ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته (1631) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[18] أخرجه البخاري في الزكاة، باب: الصدقة من كسب طيب (1410)، ومسلم في الزكاة، باب: قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها (1014) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[19] أخرجه البخاري في الجهاد، باب: من أخذ بالركاب ونحوه (2989)، ومسلم في الزكاة، باب: أن اسم الصدقة يقع على كل نوع (1009) واللفظ له عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[20] أخرجه البخاري في الجهاد، باب: من أخذ بالركاب ونحوه (2989)، ومسلم في الزكاة، باب: أن اسم الصدقة يقع على كل نوع (1009) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[21] أخرجه البخاري في العتق، باب: أي الرقاب أفضل؟ (2518)، ومسلم في الإيمان، باب: بيان كون الإيمان بالله - تعالى - أفضل الإعمال (84) عن أبي ذر رضي الله عنه.

[22] أخرجه البخاري في الجهاد والسير، باب: من حبسه العذر عن الغزو (2839) عن أنس رضي الله عنه، ومسلم في الإمارة، باب: ثواب من حبسه عن الغزو مرض أو عذر آخر (1911) عن جابر رضي الله عنه.

[23] أخرجه أحمد (4/230، 231)، والترمذي في الزهد، باب: ما جاء مثل الدنيا مثل أربعة نفر (2325)، وابن ماجه في الزهد، باب: النية (4228) من حديث أبي كبشة الأنصاري رضي الله عنه، وقال الترمذي: \"هذا حديث حسن صحيح\"، وهو في صحيح سنن الترمذي (1894).

[24] أخرجه مسلم في البر والصلة والآداب، باب: استحباب طلاقة الوجه عند اللقاء (2626) عن أبي ذر رضي الله عنه.

[25] أخرجه البخاري في الأدب، باب: كل معروف صدقة (6021) عن جابر رضي الله عنه، ومسلم في الزكاة، باب: بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع (1005) عن حذيفة رضي الله عنه.

[26] أخرجه البخاري في الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب فضل المنيحة (2631) عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما -.

[27] أخرجه مسلم في الإيمان، باب: إذا هم العبد بحسنة كتبت وإذا هم بسيئة (131) عن ابن عباس - رضي الله عنهما -.

[28] أخرجه البخاري في المساقاة، باب: فضل سقي الماء (2363)، ومسلم في السلام، باب: فضل سقي البهائم المحترمة وإطعامها (2244) عن أبي هريرة رضي الله عنه، لكن فيه أن رجلا بينا يمشي فاشتد عليه العطش فنزل بئرا فشرب منها ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش... أما قصة البغي فليس قول النبي: ((إنّ في كلّ كبدٍ, رطبة أجر))، وقد أخرجها البخاري في أحاديث الأنبياء (3467)، ومسلم في السلام (2245) من حديث أبي هريرة أيضا.

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربّنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمّدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

أمّا بعد: فيا أيّها الناس، اتّقوا الله - تعالى - حقَّ التقوى.

أيّها المسلم، طرُق الخير عديدة والأعمال الصّالحة كثيرة، والموفَّق من وفّقه الله لفعل الخير.

 

أخي المسلم، وعندما تعجز عن الخير، وتضعُف نفسك عنه، إمّا عجزًا أو كسلاً، فاحرِص أن تكفَّ عن النّاس أذاك، احرِص على أن يسلمَ الناس من شرّ لسانك ومن شرّ يدك، احرص أن لا تكونَ عونًا للإجرام وأهله، فالنبيّ لمّا ذكر طرقَ الخيرِ لأحدِ الصّحابة ويبدِي عندَ كلّ طريقٍ, عجزَه، قال: ((تمسِك عن الشّرّ، فذاك صدقة منك على نفسِك))[1]، فإذا عجزتَ عن فعل الخيرات فلا تعجَز من أن تكفَّ عن فعلِ السيئات وتمتنع من أذى المسلمين، فـ((المسلِم من سلِم المسلمون من لسانه ويدِه، والمؤمن من أمِنه الناس على دمائهم وأموالهم))[2]، فكفٌّك الأذى وامتناعُك عن الأذى وإعراضك عن إلحاقِ الضّرر بالمسلمين صدقةٌ منك على نفسك، فإمّا خيرًا تفعله، وإمّا تكفّ عن الشرّ، وتترك الناسَ وشأنَهم، وتشتغِل بما ينفعُك، وتلهو بذلك عن تتبّع عيوبِ النّاس والاشتغال بما يضرّهم أو السّعي بينهم بالنّميمة أو اغتيابهم أو رميهم بما هم برآء منه، فأمسك لسانَك عمّا لا ينفع، ((وهل يكبّ الناسَ في النار على وجوهِهم ـ أو قال: ـ على مناخِرهم إلا حصائدُ ألسنتهم))[3]. وكم كلمةٍ, قالت لصاحبها: دعني، وكم من كلمة أوبَقت صاحبها في عذاب الله.

 

أيّها المسلم، هذا شهرُ رجب أحدُ الأشهر الحرم، هذا الشّهر هو أحد الأشهر الحرم التي قال الله فيها: \" إِنَّ عِدَّةَ الشٌّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثنَا عَشَرَ شَهرًا فِي كِتَـابِ اللَّهِ يَومَ خَلَقَ السَّماوات وَالأرضَ مِنهَا أَربَعَةٌ حُرُمٌ \" [التوبة: 36]، وقول النبيّ: ((ورجبُ مضَر الذي بين جمادَى وشعبان))[4].

 

ليس لهذا الشهر خصوصيّةٌ بعمرةٍ, تؤدَّى فيه، ولا بصيامِ بعض أيّامه، ولا بإحياءِ بعض لياليه، ولا بصدقةٍ, لأجل الشهر، كلّ هذه الأمور لا أصلَ لها في الشّرع، فلا يشرَع لنا أن نعتقدَ أنّ عمرةً في رجب لها مميّزات عن غيرها، ولا أن نعتقدَ أن صيامَ بعضه أو كلِّه أو أحد [أيامه] له فضل على غيره، ولا نعتقد أنّ قيامَ بعض ليالي الشّهر أو ليلة أو كلّ لياليه لها فضل، ولا أنّ صيامَ بعض أيامه له فضل، فلا صيامَ لأيّ يوم من رجب متميّز عن غيره، ولا قيام أي ليلة من ليالي رجب متميّزة عن غيرها من الليالي، ولا عمرة في رجب، ولا صدقة في رجب. كلّ هذه الأمور لا دليلَ عليها من كتاب الله ولا من سنّة رسول الله، ولو كان خيرًا لسبقنا إليه محمّد وصحابتُه الكرام.

 

إذًا فمن خصَّ رجب بعمرةٍ, فيه أو خصَّه بصيام بعضِ أيامه أو خصَّه بإحياء بعض لياليه أو خصَّه بصدقةٍ, فيه زاعمًا أنّ لها فضلاً عن سائر الشهور، فنقول: هذا من البِدع التي ما أنزل الله بها مِن سلطان.

 

واعلَموا ـ رحمَكم الله ـ أنّ أحسَنَ الحديثِ كِتاب الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمّد، وشرّ الأمورِ محدثاتُها، وكلّ بدعةٍ, ضلالَة، وعَليكم بجمَاعة المسلمين، فإنّ يدَ الله على الجماعَة، ومن شذّ شذّ في النّار.

 

وصَلّوا ـ رحِمكم الله ـ عَلى نبيّكم محمّد كمَا أمرَكم بذلك ربّكم، قالَ - تعالى -: \" إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائِكَـتَهُ يُصَلٌّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيٌّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا صَلٌّوا عَلَيهِ وَسَلّمُوا تَسلِيمًا \" [الأحزاب: 56].

 

اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك عَلى عبدِك ورَسولِك مُحمّد، وارضَ اللهمَّ عن خلفائِه الرّاشدين...

 

----------------------------------------

[1] أخرجه البخاري في العتق (2518)، ومسلم في الإيمان (84) عن أبي ذر رضي الله عنه بنحوه.

[2] أخرجه أحمد (2/379)، والترمذي في الإيمان (2627)، والنسائي في الإيمان (4995) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقال الترمذي: \"هذا حديث حسن صحيح\"، وصححه ابن حبان (180)، والحاكم (22)، وهو في صحيح سنن الترمذي (2118)، والجزء الأول منه في الصحيح من حديث عبد الله بن عمرو وأبي موسى وجابر - رضي الله عنهم -.

[3] أخرجه أحمد (5/231)، والترمذي في الإيمان، باب: ما جاء في حرمة الصلاة (2616)، وابن ماجه في الفتن، باب: كف اللسان في الفتنة (3973) من حديث معاذ رضي الله عنه، وقال الترمذي: \"هذا حديث حسن صحيح\"، وصححه الحاكم (2/447)، والألباني في صحيح سنن الترمذي (2110).

[4] أخرجه البخاري في بدء الخلق، باب: ما جاء في سبع أرضين (3197)، ومسلم في القسامة، باب: تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال (1679) عن أبي بكرة رضي الله عنه.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply