وقل للمؤمنات يغضُضن من أبصارهنّ


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

        نداءٌ من الرحمن - جل جلاله – للمؤمنات الصالحات, الالتزام بمضمونه يحقِّق لهُنَّ حلاوة الإيمان، ويُوصِلهن إلى واسع الجنان:(النظرة سهم مسمومٌ من سهام إبليس, من تركها من مخافتي أبدلته إيماناً يجد حلاوته في قلبه).

 

 أختاه!

 كم نظرةٍ, فعلت في قلب صاحبها *** فعلَ السِّهام بلا قوسٍ, ولا وترِ

 

ومن كَثُرت نظراته دامت حسراته. أراد ربٌّكِ لك الخير، حين أمرك بأن تَغُضّي بصركº ليطمئن قلبك، وتسكُن نفسك. إن كنتِ ذات زوجٍ, رضيتِ بما قسمه الله لك،. وإن لم تكوني متزوجة صبرتِ حتى يغنيك الله مِن فضله.

 

لو أنَّ الإنسان أطلق لبصره العنان عصى ربه وأتعب نفسه، رأى الذي لا كلَّه هو قادرٌ عليه، ولا عن بعضه هو صابر.. وفتح باباً للشرِّ والمعصيةº لأنَّ النظر ذريعةٌ إلى ما بعدهº وسببٌ لِمَا وراءه.

 

كلٌّ الحوادث مبدؤها  من النظر *** ومعظم النارِ من مستصغرِ الشَّررِ

 

والمرء ما دام ذا عين  يقلبها *** في أعين الغيد موقوف على الخطرِ

 

يسرٌّ مُقلتَه ما ضرَّ مُهجتــه *** لا مرحباً بسرورٍ, عاد بالضَّـــــــــــــــررِ

 

أختاه! هل ترضين لنفسكِ أن تكوني للشيطان عابدةً, ولطرقه سالكةً, ولخطواته متبعةً, أُعيذك بالله من الضَّلال والخبال (يا أيها الذين آمنوا لا تتَّبعوا خُطُوات الشيطان ومن يتَّبع خطواتِ الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر)[1]، ما يريد الشيطان لكِ خيراً, يُغريكِ بالنظر إلى ما حرّم اللهº ليسوقكِ سوقاً إلى الكبيرة المُردِية، والفاحشة المُهلِكة, ثم إذا وقعتِ الواقعة تخلّى، عنكِ وأَسلمكِ لألسنةٍ, حداد (كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريءٌ منك إني أخاف الله رب العالمين فكان عاقبتهما أنهما في النَّار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين)[2] ، إنَّ في الدنيا رجالاً منافقين، ونساء منافقات، يزيّنون الشر والفساد للبنين والبنات، عن طريق مجلة خليعة، وصورة متبرجة، ومسلسل فاسد، وفلم ماجن، وأغنية ساقطة، وهم يحبٌّون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا. فبالله عليكِ لا تتركي لهم سبيلاً, بل ضيِّقي عليهم الخناق، وأوصدي في وجوههم الأبواب, بطاعتك لربك وغضك لبصرك.

 

واعلمي ـ أختاه! ـ أنّ من غضّ بصره نوّر الله بصيرته, وسيقذف الله في قلبكِ نوراً ترَين به الحقَّ حقاً، والباطل باطلاً, تميّزين به الخبيث من الطيب. وتذكَّري - رعاك الله – أنَّ غضَّ البصر عزيمة ربانية، وأمر قرآني، لا يسعك التهاون به، ولا التقليل من شأنه, لا تنظري إلى الرجال نظر شهوة، لا في صورة ولا شاشة، ولا في غيرها، بل كوني من المحصنات الغافلات المؤمناتº لتصبحي مع عائشة وخديجة في واسع الجنات. ولا تغُرّنّك تلك الجريئة المتعدية التي تُحِدٌّ البصر وتدقِّق النظر, وتقتحم الغادين والرائحين بعينين جائرتين!! فوالله ما هي بصالحةٍ, ولا طيبة، ولا حَصَانٍ, ولا رزان. مدح الله نساء الجنة – جعلك الله منهنّ – بقوله: (فيهنّ قاصرات الطرف لم يطمثهنّ إنس قبلهم ولا جانّ)، قاصرات الطرف أي: حابساتٌ أعينَهنّ، لا ينظرن بها إلى غير أزواجهنّ، لا يسرَحن بأبصارهنَّ ذات اليمين وذات الشمال.. وقد سأل جرير بن عبد الله - رضي الله عنهما- رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عن نظر الفجأة قال: (فأمرني أن أصرف بصري))، وروى البخاري في الاستئذان عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: (أردف النبي - صلى الله عليه وسلم- الفضل ابن عباس يوم النحر خلفه على عجز راحلته، وكان الفضل رجلاً وضيئاً، فوقف النبي - صلى الله عليه وسلم- للناس يفتيهم، وأقبلت امرأة من خثعم وضيئة تستفتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، فطفق الفضل ينظر إليها، وأعجبه حسنهاº فالتفت النبي - صلى الله عليه وسلم- والفضل ينظر إليها فأخلف يده بذقن الفضل فعدل وجهه من النظر إليها.

 

وما أجمل تلك المؤمنة التي تكون غاضّة مُطرقة! قد تدثَّرت بثوبِ الحياة! وما أسبغه من ثوب وما أعظمه من خلق! وفي الختام ضعي نصب عينيك حديث الصحيحين: (كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محاله: العينان تزنيان وزناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، اللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطى، والقلب يهوي ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه)، وقال صلى الله عليه وسلم: (العينان تزنيان، واليدان تزنيان، والرجلان تزنيان، والفرج يزني)[3]

 

------------------------------------------------------------

[1] سورة النور: 21

[2] سورة الحشر:16-17

[3] رواه أحمد والطبراني بسند جيد عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ كشف الخفاء للعجلوني 2/77.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply