حلف الفضول


 

بسم الله الرحمن الرحيم

كان حلف الفضول بعد رجوع قريش من حرب الفجار، وسببه أن رجلا من زبيد قدم مكة ببضاعة فاشتراها منه العاص بن وائل، ومنعه حقه فاستعدى عليه الزبيدي أشراف قريش، فلم يعينوه لمكانة العاص فيهم، فوقف عند الكعبة واستغاث بآل فهر وأهل المروءة ونادى بأعلى صوته:

يا آل فهر لمظلوم بضاعته *** ببطن مكة نائي الدار والنفر

ومحرم أشعث لم يقض عمرته *** يا للرجال وبين الحِجر والحَجَر

إن الحرام لم تمت كرامته *** ولا حرم لثوب الفاجر الغُدر

فقام الزبير بن عبد المطلب فقال: ما لهذا مترك.

فاجتمعت بنو هاشم، وزهرة، وبنو تَيم بن مرة في دار عبد الله بن جدعان فصنع لهم طعامًا، وتحالفوا في شهر حرام، وهو ذو القعدة، فتعاقدوا وتحالفوا بالله ليكونُنّ يدًا واحدة مع المظلوم على الظالم حتى يُرد إليه حقه ما بل بحر صوفة، وما بقي جَبَلا ثبير وحراء مكانهما.

ثم مشوا إلى العاص بن وائل، فانتزعوا منه سلعة الزبيدي، فدفعوها إليه.

وسمت قريش هذا الحلف حلف الفضول، وقالوا: لقد دخل هؤلاء في فضل من الأمر.

وفي هذا الحلف قال الزبير بن عبد المطلب:

إن الفضول تعاقدوا وتحالفوا *** ألا يقيم ببطن مكة ظالم

أمر عليه تعاقدوا وتواثقوا *** فالجار والمُعتـرّ فيهم سالم

وقد حضر النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الحلف الذي هدموا به صرح الظلم، ورفعوا به منار الحق، وهو يعتبر من مفاخر العرب وعرفانهم لحقوق الإنسان.وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «شهدت حلف المطيبين مع عمومتي وأنا غلام، فما أحب أن لي حمر النعم، وأني أنكثه» .

وقال - صلى الله عليه وسلم -: «لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفًا ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو دعيت به في الإسلام لأجبت» .

 

دروس وعبر وفوائد:

1- إن العدل قيمة مطلقة وليست نسبية، وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يظهر اعتزازه بالمشاركة في تعزيز مبدأ العدل قبل بعثته بعقدين، فالقيم الإيجابية تستحق الإشادة بها حتى لو صدرت من أهل الجاهلية.

 

2- كان حلف الفضول واحة في ظلام الجاهلية، وفيه دلالة بينة على أن شيوع الفساد في نظام أو مجتمع لا يعني خلوه من أي فضيلة، فمكة مجتمع جاهلي هيمنت عليه عبادة الأوثان والمظالم والأخلاق الذميمة كالظلم والزنا والربا، ومع هذا كان فيه رجال أصحاب نخوة ومروءة يكرهون الظلم ولا يقرونه، وفي هذا درس عظيم للدعاة في مجتمعاتهم التي لا تحكِّم الإسلام، أو تحارب الإسلام.

 

3- إن الظلم مرفوض بأي صورة، ولو وقع الظلم على أقل الناس، إن الإسلام يحارب الظلم ويقف بجانب المظلوم دون النظر إلى لونه ودينه ووطنه وجنسه.

 

4- جواز التحالف والتعاهد على فعل الخير وهو من قبيل التعاون المأمور به في القرآن الكريم قال - تعالى -: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى البرِّ وَالتَّقوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثمِ وَالعُدوَانِ) [المائدة: 2]، ويجوز للمسلمين أن يتعاقدوا في مثل هذا الحال لأنه تأكيد لشيء مطلوب شرعًا، على ألا يكون ذلك شبيهًا بمسجد الضرار، بحيث يتحول التعاقد إلى نوع من الحزبية الموجهة ضد مسلمين آخرين ظلمًا وبغيًا، وأما تعاقد المسلمين مع غيرهم على دفع ظلم أو في مواجهة ظالم، فذلك جائز لهم، على أن تلحظ في ذلك مصلحة الإسلام والمسلمين في الحاضر والمستقبل، وفي هذا الحديث دليل. والدليل فيه قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ما أحب أن لي به حمر النعم» لما يحقق من عدل، ويمنع من ظلم، أو النكث به مقابل حمر النعم، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ولو دعيت به في الإسلام لأجبت» طالما أن يردع الظالم عن ظلمه، وقد بين - صلى الله عليه وسلم - استعداده للإجابة بعد الإسلام لمن ناداه بهذا الحلف

 

5- وعلى المسلم أن يكون في مجتمعه إيجابيًا فاعلاً، لا أن يكون رقمًا من الأرقام على هامش الأحداث في بيئته ومجتمعه، فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - محط أنظار مجتمعه، وصار مضرب المثل فيهم، حتى ليلقبوه بالأمين وتهفو إليه قلوب الرجال والنساء على السواء بسبب الخلق الكريم الذي حبا الله - تعالى -به نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وما زال يزكو وينمو حتى تعلقت به قلوب قومه، وهذا يعطينا صورة حية عن قيمة الأخلاق في المجتمع، وعن احترام صاحب الخلق ولو في المجتمع المنحرف

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply