حديث الإفك


 

بسم الله الرحمن الرحيم

كانت عائشة - رضي الله عنها - مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذه الغزوة (غزوة بني المصطلق) وفي أثناء عودة المسلمين إلى المدينة حدثت حادثة الإفك التي أذاعها دعاة السوء حول السيدة عائشة - رضي الله عنها - وعلي رأسهم كبير المنافقين عبد الله بن أبي وذلك حين رأوا صفوان بن المعطل يقود بعير السيدة عائشة - رضي الله عنها - في المدينة عند عودتها من هذه الغزوة فاتهموها إفكا وبهتاناً وصاروا يذيعون هذا الإفك حتى كادت تحدث فتنة في المدينة وتطرق الحزن والألم على قلب الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين

وتقص علينا السيدة عائشة نفسها هذه الحادثة فتقول: \"كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه: فأيتهن خرج سهمها خرجت معه، فلما كانت غزوة بني المصطلق خرج سهمي عليهن فارتحلت معه

قالت: وكان النساء إذ ذاك يأكلن العلق: لم يهجهن اللحم فيثقلن، وكنت إذا رحل بعيري جلست في هودجي ثم يأتي القوم فيحملوني يأخذون بأسفل الهودج فيرفعونه فيضعونه علي ظهر البعير ويشدونه بالحبال وبعدئذ ينطلقون

فلما فرغ رسول الله من سفره ذاك توجه قافلا حتى إذا كان قريبا من المدينة نزل منزلا فبات فيه بعض الليل، ثم أذن في الناس بالرحيل فتهيؤا لذلك وخرجت لبعض حاجتي وفي عنقي عقد لي فلما فرغت أنسل من عنقي ولا ادري فلما رجعت إلى الرحل ذهبت ألتمسه في عنقي فلم أجده وقد أخذ الناس في الرحيل فرجعت إلى مكاني الذي ذهبت إليه فالتمسته حتى وجدته وجاء القوم الذين كانوا يرحلون لي البعير (وقد كانوا فرغوا من إعداده) فاخذوا الهودج وهم يظنون أني فيه كما كنت اصنع فاحتملوه فشدوه علي البعير ولم يشكوا أنى به، ثم اخذوا برأس البعير وانطلقوا

ورجعت إلى العسكر وما فيه من داع ولا مجيب، لقد انطلق الناس...

قالت: فتلففت بجلبابي ثم اضطجعت في مكاني وعرفت أني لو افتقدت لرجع الناس إلى فوالله إني لمضطجعه إذ مر بي صفوان بن المعطل السلمي وكان قد تخلف عن العسكر لبعض حاجته، فلم يلبث مع الناس فرأي سوادي فاقبل حتى وقف علي وقد كان يراني قبل أن يضرب علينا الحجاب فلما رآني قال: \"إنا لله وإنا إليه راجعون\"ظعينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ وأنا متلففة في ثيابي ما خلفك يرحمك الله؟ قالت فما كلمته ثم قرب إلي البعير فقال أركبي وإستأخر عني، قالت: فركبت وأخذ برأس البعير منطلقاً يطلب الناس فوالله ما أدركنا الناس وما افتقدت حتى أصبحت ونزلوا فلما اطمأنوا طلع الرجل يقود بي البعير فقال أهل الإفك ما قالوا وارتجع العسكر والله ما أعلم بشيء من ذلك

 

وهكذا كان حديث الإفك الذي تولي كبره عبد الله بن أبي رأس المنافقين ولم يتورع عن قذف المحصنات الغافلات بالباطل هو ومن معه من المنافقين

ولكن الله - سبحانه وتعالى - لم يلبث أن برأ السيدة عائشة - رضي الله عنها - مما رميت منه وجعل حصانتها قرآنا يتلى إلى يوم الدين فقال - تعالى -: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُو بِالإِفكِ عُصبَةٌ مِّنكُم لا تَحسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَل هُوَ خَيرٌ لَّكُم لِكُلِّ امرِئٍ, مِّنهُم مَّا اكتَسَبَ مِنَ الإِثمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبرَهُ مِنهُم لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ}سورة النور، آية 11 ثم قال - تعالى -: {إِذ تَلَقَّونَهُ بِأَلسِنَتِكُم وَتَقُولُونَ بِأَفوَاهِكُم مَّا لَيسَ لَكُم بِهِ عِلمٌ وَتَحسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللهِ عَظِيمٌ}سورة النور، آية 15

و أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحد علي من ثبتت عليهم تهمة القذف و هم حسان بن ثابت و مسطح بن اثاثة و حمنة بنت جحش

وكان أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - ينفق علي مسطح بن أثاثة فأقسم أن لا ينفق عليه لموقفه من السيدة عائشة واشتراكه في هذا البهتان فنزل قول الله - تعالى -: {وَلا يَأتَلِ أُولُوا الفَضلِ مِنكُم وَالسَّعَةِ أَن يُؤتُوا أُولِي القُربَى وَالمَسَاكِينَ وَالمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَليَعفُوا وَليَصفَحُوا أَلا تُحِبٌّونَ أَن يَغفِرَ اللهُ لَكُم وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} سورة النور، آية 22 فقال أبو بكر: بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي فأرجع إلى مسطح نفقته التي كان ينفقها عليه وقال والله لا أنزعها منه أبدًا

 

واستطاع حسان بن ثابت بعد ذلك أن يعود إلى رضا الرسول – صلى الله عليه وسلم - وعطفة عليه فقد اعتذر عما نسب إليه في شأن السيدة عائشة ومدحها

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply