كنت شديدة الحياء


بسم الله الرحمن الرحيم

 

تقول هذه الفتاة: نشأت في بيت متديّن بين والدين صالحين،  كنت ابنتهما الوحيدة فكانا يحرصان دائماً على تنشئتي تنشئة صالحة، والالتزام بأوامر الله،  وخاصة الصلاة، وما إن قاربت سن البلوغ حتى انجرفت مع التيار،  وانسقت وراء الدعايات المضلـّلة، والشعارات البرّاقة الكاذبة،  التي يروّج لها الأعداء بكل ما يملكونه من طاقات وإمكانيات،  ومع ذلك كنت بفطرتي السليمة أحب الأخلاق الفاضلة، والصفات الحميدة،  وأخجل أن أرفع عينيّ في أعين الرجال، كنت شديدة الحياء، قليلة الاختلاط بالناس، ولكن وللأسف الشديد زاد انحرافي وضلالي لدرجة كبيرة، بعد أن ابتلاني الله بزوج منحرف،  لم أسأل عن دينه، كان يمثــّل عليّ الأخلاق والعفة، عرّفني على كثير من أشرطة الغناء الفاحش، الذي لم أكن أعرفه من قبل،  وأهدى إليّ الكثير من هذه الأشرطة الخبيثة، التي قضت على ما تبقـّى فيّ من دين، حتى تعوّدت أذني على سماع هذا اللهو الفاجر،  تزوجته ووقع الفأس في الرأس، زواجي في بدايته كان فتنة عظيمة،  لما صاحبه من المعازف وآلات الطرب، والتبذير والإسراف، والفِرَق الضالـّة، والراقصات الخليعات،  مما صدّ كثيراً من الحاضرين عن ذكر الله في تلك الليلة.

 

 ومع مرور الأيام التي عشتها مع هذا الزوج الذي كان السبب الأول في انحرافي،  وشرودي عن خالقي، تركت الصلاة نهائياً، ونزعت الحجاب الذي كنت أرتديه سابقاً، ولأنني لم أعمل بحديث النبي- صلى الله عليه وسلم - \"إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه\" قطعت الصلاة بربي، فقطع الصلة بي، وكلني إلى نفسي وهواي،  ويا شقاء من كان هذا حاله  ((ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطاً)).

 

 ولكنني لم أجد السعادة، بل الشقاء والتعاسة، كنت دائماً في همّ وفراغ كبير أحسّه بداخلي،  رغم ما وفّره لي زوجي من متاع الدنيا الزائل،  لقد أنزلني هذا الزوج إلى الحضيض، إلى الضياع إلى الغفلة بكل معانيها.

 

 كنت دائماً عصبية المزاج، غير مطمئنة، ينتابني قلق دائم، واضطراب نفسيّ،  وعقوبة لي من الله حُرِمت الذرية، وكما كنت متبرجة ينظر إليّ الرجال،  كذلك كان زوجي لهث وراء النساء، ولم يخلص لي في حبه،  فقد تركني وانشغل بالمعاكسات، والجري وراء النساء،  تركني وحيدة أعاني ألم الوحدة والضياع، وأتخبط في ظلمات الجهل والضلال،  حاولت مراراً الانتحارº لكي أتخلص من هذه الحياة الكئيبة،  ولكن محاولاتي باءت بالفشل، وأحمد الله على ذلك، إلى أن تداركني الله بفضله ورحمته،  واستمعت إلى شريط لأحد القرّاء وهو يرتل آيات من كتاب الله بصوته الشجيّ،  آيات عظيمة أخذت بمجامع فكري، وحرّكت الأمل بداخلي، تأثـّرت كثيراً،  وكنت أتوق إلى الهداية، ولكنني أستطيعها،  فهرعت إلى الله ولجأت إليه في الأسحار أن يفتح لي طريق الهداية،  ويزيّن الإيمان في قلبي، ويحبّبه إليّ، ويكرّه إليّ الكفر والفسوق والعصيان.

 

 كنت دائماً أدعو بدعاء الخليل إبراهيم- عليه السلام -  ((رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاءِ))

 

 ورزقني الله بشائر الهدايةº فحافظت على الصلاة في أوقاتها،  وارتديت الحجاب الإسلامي، وتفقـّهت في كثير من أمور ديني،  حافظت على تلاوة كتاب الله العزيز باستمرار، وأحاديث المصطفى- صلى الله عليه وسلم - وسيرته العطرة،  والكثير الكثير من الكتب النافعة، وأصبحت أشارك في الدعوة إلى الله،  وقد حصل كل هذا الخير بعد أن طـُلـّقت من هذا الزوج المنحرف  الذي كان لا يلتزم بالصلاة، وفارقته رغم حبي، وآثرت قرب خالقي ومولاي، فلا خير في زوج طالح صدّني عن ذكر الله،  ومن ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه.

 

 وها أنا الآن- والحمد لله- أعيش حياة النور الذي ظهرت آثاره على قلبي ووجهي،  هذا بشهادة من أعرفه من أخواتي المسلمات،  يقلن لي: إن وجهكِ أصبح كالمصباح المنير، وقد لاحظن أن النور يشعّ منه، وهذا فضل عظيم، فضل عظيم من الله.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply