تربية الأقوياء شاقة


  

بسم الله الرحمن الرحيم

 من المتفق عليه بين العقلاء عامة ـ فضلاً عن المثقفين والمختصين ـ أن تربية الأقوياء مطلب، وأن الـمُخرَج المتميز القوي أولى من الضعيف، لكن الإنجاز هو أن نكون قادرين على تحقيق هذا المنتَج.

 

إن المهمة التقليدية التي تتمثل في إعطاء التوجيهات المباشرة، والحديث عما ينبغي وما لا ينبغي، والأمر والنهي، والعقوبة وألفاظ الثناء، والنمط الإداري الصارم..إن هذه المهمة يسهل أن يقوم بها عديد من الناس.

 

إنها لا تتطلب سوى تحصيل قدر محدود من المعرفة، وشخص يملك الجرأة على الأمر والنهي وإدارة الآخرين.

 

أما المهمة المتمثلة في بناء الشخصية الفاعلة فهي مهمة شاقةº إذ هي تتطلب امتلاك المربي لقدرات عالية منها:

- البـناء المعرفي الكـافي الذي يُشعِر المتربين أنه يملك ما يقدمه لهم، وأنه يستحق أن يقوم على تربيتهم ورعايتهم.

- الحوار والتواصل الإيجابي مع الآخرين.

- ضبط النفس والاستعداد لسماع آراء الآخرين ونقاشاتهم.

- إقناع الآخرين بما يريد، وتوظيف الأدلة والبراهين للوصول إلى النتائج المقنعة لهم.

- الشخصية القوية التي تستمد قيمتها مما تملكه من مؤهلات وقدرة على التعامل مع المواقف بهدوء واتزان بعيداً عن الانفعال.

- الإدارة الفاعلة للمواقف التربوية بما يتلاءم مع المهمة التربوية، والقدرة على دمج الموقف الإداري بالأهداف التربوية.

- التعامل مع كافة الفئات والعناصر، وبالأخص تلك التي تمثل قدراً من التمرد ويصعب إخضاعها وإدارتها.

إن التربية التقليدية تفترض نموذجاً نمطياً من المخرَجات يتمثل فيمن يطأطئ رأسه ويبادر بالموافقة على كل ما يسمعه ممن يربيه، وينطلق مستجيباً دون تردد أو تلكؤ.

وتنزعج ممن يفكرون بعقلية أخرى تخالف عقلية المربي، وممن يثيرون التساؤلات الجوهرية ويرفضون الانصياع دون اقتناع أو منطق.

وهي تضفي هالة على شخصية المربي تؤهله لأن يكون أكثر إدراكاً للمصالح والمفاسد من الآخرين الذين ليس عليهم سوى الاستجابة.

إن من يتربون في هذه البيئات يسهل انقيادهم وتوجييهم، لكنهم لا يملكون الفاعلية، وليسوا مؤهلين للقيام بأدوار إيجابية.

وقد يبدو لنا أن هذا النموذج أكثر ثباتاً ورسوخاً أمام المتغيرات، لكن الأمر بخلاف ذلكº إذ هم أسرع تأثراً من غيرهمº فهم أقل اقتناعاً بما يحملون من فكر ومنهج، فضلاً عن أنهم أقل قدرة على إقناع الآخرين بما هم عليه.

وفي مقابل ذلكº فالنموذج المتمرد المستعصي على الانقياد ليس بالضرورة هو النموذج الإيجابيº فالتمرد ومخالفة الآخرين ليس دوماً ظاهرة صحية، بل هو يحكي في حالات عـدة شـذوذاً في التفكـير أو نزعة للمخالفة لمجرد التميز.

والقيمة الحقيقية في القدرة على التفكير الحر المستقل، وعلى تقويم الأفكار ونقدها، مع الإفادة من خبرات الآخرين، والاندماج مع الأجواء الجماعية.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply