طفلك في الرابعة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 
ثورة السلوك وسن الأربع سنوات هي حديثنا التالي، في سن الأربع سنوات تنتهي ثورة العاطفة، وتبدأ ثورة مؤقتة من نوع آخرº ثورة هامة للطفل ومتعبة للوالدين، في سن الأربع سنوات تبدأ ثورة السلوك، من بعد ما كان يزعج والديه بخوفه وبكائهº أصبح يزعجهم بحركته وعناده، ومن بعد ما كان يزعجهم بعدم ثقته في حب الآخرين له بتوتره وقلقه أصبح يزعجهم بحركته وعدم سيطرتهم عليه.

تحتاج منا شخصية الطفل الثائرة في هذه المرحلة الصعبة إلى الرضا بها، وتقبلها رغم عيوبهاº مع بعض الإجراءات التي نقوم بها، وهي في النهاية مرحلة مؤقتة ستتغير تلقائياً - بإذن الله -، وقريباً وبدون ما تستهلك أعصابك، ويأتيك الضغط والسكر بالعكس هدئ نفسك، وتحمل ما يخالف في المدة المؤقتة، اعلم أن الكلام سهل، وأن الواقع عليكم صعب بمعنى الكلمة، أقدّر والله هذا الشيء ولا أتجاهله، ابن الأربع سنوات ثائر حركياً، يضرب، يتخانق، يرفس، يرمي الأشياء، يكسر الأشياء، يهرب، ما تقدرين عليه، ثائر عاطفياً، تجدينه يضحك ضحكات عالية بدون سبب يستاهل، ثم يبدلها بثورات غضب، ثائر لغوياً، الله يعينكم، الألفاظ الوسخة التي لقطها في سن الثلاث سنوات وقبلها الآن تخرج، ما تعلم من أين أتى بها، ممكن يردد شتائم أو كلمات متصلة بالنجاسات - أكرمكم الله -، وقد يتعمد تكراراها مع ضحكة يعني أنه يعرف معناها ومع ذلك يقولها عناداً، المهم أنه ما يكون أحد الوالدين يردد هذه الألفاظ والطفل يقلده، غير هذا المسألة سهلة وبسيطةº لأن غالباً الولد يستلفت سمع والديه بهذه الكلمات، وبالتالي يمكن نزع الفتيل بعدم تحقيق ما يتمنى من لفت الأسماع والأنظار، بل كأنه ما قال شيء، ونغير الموضوع، مع استغلال أقرب عمل جيد يقوم به الطفل لإعطائه الشكر والثناء والاهتمام، فنشبع حاجته للاهتمام به، مع ربط هذا الاهتمام بالصواب ليس بالخطأ.

إلى جانب ثورته الحركية واللفظية يكون ثائراً في علاقاته مع من حوله، يعاند أباه وأمه، ويستهين بأوامرهم وتوجيهاتهم وعقوبتهم، ما فيه مانع تشدون عليه إذا لزم الأمر، مع توفير اهتمام أكبر عندما يفعل الصح بدون ما نقع في الرشوة مثلاً نرشيه بالخروج معنا إذا ما ضرب إخوانه، إنما نكافئه بدون وعود مسبقة، وسبحان الله الخالق العظيم خلف كل الصور السلبية التي ذكرتها قبل قليل تختفي ميزة رائعة ومهمة جداً هي ثقته في نفسه، وفي استقلاله، وأن له إرادة، هذه الثورة المؤقتة في سلوكه هي ولادة الثقة في نفسه، ومظاهر تعامله الجديد معها، لذلك يحتاج هذه الثورة المؤقتة كما نحتاج نحن للإرادة والثقة في أنفسنا، نعم نهذب هذه الثورة لكن ما نقمعهاº لأن الحزم الزائد سيؤدي إلى مزيد من العناد، وتتأكد هذه الصفة عنده.

يقول محمد كامل عبد الصمد في كتابه (طفلك الصغير هل هو مشكلة): \"الآباء الذين يبالغون في الحزم والأمر والنهي قد يثبتون في نفس الطفل أسلوب العناد والتحدي لإثبات ذاته\" انتهى كلامه.

لكن متى ما كان الوالدان إيجابيين في نظرتهم لهذا التمرد مثلاً استقبلوه على أنه بناء للشخصية، ما له أي علاقة بسيادتهم على البيتº ارتاحوا وكسبوا كثيراً، كسبوا شخصية قوية لابنهم، وعلاقة أقوى معه، مقابل قليل من الصبر في مدة بسيطة مؤقتة.

مهم أيضاً مقابلة بعض مواقف الولد المزعجة بهدوء قدر ما تقدرون، هدوء الفاهم لهذه المرحلة، وبعد ما يهدأ الولد وينتهي الموقف نبدأ نناقشه بلطف، ترونه يخجل ويستحي من نفسه، أحياناً تكفي النتائج الطبيعية لأخطائه كعقوبة له، مثلاً الطفل عاندك وأصر عند الخروج أن يلبس شتوي في يوم حار ننبهه في البداية، وإذا أصر أن يلبسه اترك الحر يلقنه الدرس نيابة عنك، سيستفيد من هذه التجربة ربما أكثر من كلام.

وقد ذكر الدكتور شحاتة محروس في أشرطته الرائعة (طفلك من الميلاد حتى ست سنوات) أساليب التعامل مع أمثلة أخرى من العناد، ويمكن الرجوع إلى تفاصيل أكثر في أساليب ضبط الطفل في هذا العمر وغيره في كتاب (كيف تعالج متاعبك من سلوك ولدك) للدكتور محمد الحجار، وكتاب (حاول أن تروضني) وهو من إصدارات مكتبة جرير، وكتاب (انضباط الأطفال) للدكتور بري برازلتون.

فيه شيء يحتاج ننتبه له في كثير من الأحيان لما يعاند الطفل ويصمم على شيء هو يتشبه بأبيه وأمه لما يصممون على فعل الذين يريدون بدون توضيح أو إقناع، وهذا خلاف هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي كان يوضح للطفل ويبرر له، أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أخذ الحسن بن علي تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (كخ كخ، ارم بها، أما علمت أنّا لا نأكل الصدقة) تبرير وتوضيح طيب خاطر الطفل برفق في كلمات قليلة، أشار لذلك مصطفى بن العدوي في كتابه (فقه تربية الأبناء).

يمكن تخفيف عناد ابن الرابعة بإعطائه مساحة أكبر من الحرية، وتقريب الألعاب الهادئة كألعاب الذكاء التعليمية والقصص، على أي حال نتوقع هدوء هذه الثورة في سن الأربع سنوات ونصف تقريباً، وربما تنتهي مدة التمرد وثورة السلوك قبل ذلك إذا أحسنا التعامل معها، وما تسببنا في إطالتنا بسوء تكيفنا مع هذه المرحلة، إذن سن الرابعة هو المتوسط المتوقع لمرحلة ثورة الطفل السلوكية، أو مرحلة التمرد والعناد، وهي مرحلة مؤقتة طبيعية وهامة للطفل رغم صعوبتها.

ما ذكرناه - بإذن الله تعالى - يقلل هذه الصعوبات، ويزيد راحتكم، ويعينكم على أن تنموا في طفلكم خلالها الإرادة والانضباط والثقة والاستقلالية التي يحتاجها في حياته دون أن تصنعوا داخله إنساناً مدللاً أو عنيداً.

انتهى حديثنا الآن عن ثورة السلوك عند ابن الرابعة.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply