سحرة فرعون


  

بسم الله الرحمن الرحيم

سحرة فرعون.. عندما واجهوا سيدنا موسى - عليه السلام -.. في قوة وكِبر وعناد..

ارسم معي المشهد بعينك..

انظر مدى الكبرياء والعناد والصلابة..

مواقف تربوية عديدة بالقرآن.. فمنّا من لا يكترث أو يهتم بها.. ومنّا من يتوقف عند كل آية طويلاً.. يتأمل في معناها.. بإذن الله سأعرض اليوم احدها.. بداية لسلسلة طويلة.. أطمع في أن تكون مفيدة..

 (فَأَلقَوا حِبَالَهُم وَعِصِيَّهُم.. وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرعَونَ إِنَّا لَنَحنُ الغَالِبُونَ)

وفجأة.. تحدث مفاجأة كبيرة.. يتغير الأمر.. يتحول الساحر الى مسحور..

يتغير المشهد بأكمله...

هم الآن قلوبهم خاشعة.. قلوب رأت الحق.. رأت المعجزة بأعينها..:

(فَأُلقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ العَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48))

لا يوجد بين هذان المشهدان زمن كبير.. بل هي بضع كلمات.. غيرتهم من حال الى حال..

لكن الفارق بين حال السحرة قبل وبعد هذا المشهد كبيير جداً.. عظيم جداً..

 

مشهد تجد فيه الكفر في أجلى معانيه.. القسم بالمخلوق.. الذي لا يملك لهم شيئاً.. (بِعِزَّةِ فِرعَونَ..)

مع غرور الباطل الدائم..

(إِنَّا لَنَحنُ الغَالِبُونَ)..

ومن هو ذا الذي يهزمنا؟ من أقوى من صفوة سحرة فرعون؟؟ بلا شك نحن من سننتصر..

ولن يملك موسى إلاّ الاستسلام لنا.. وبعد لحظات تتغير الصورة أمامهم تماماً..

فوجدوا أنفسهم في قمة الإيمان بالله - عز وجل -.. إيمان ملك قلوبهم.. فأشرق في نفوسهم دين الله.. إيمان استهان بالحياة كلها.. ولو كان حتى أمامهم فرعون.. ومن فرعون هذا؟

 

فرعون هو من يرى أنه إله.. له مصر وأنهارها..

ولكن الإيمان بالله.. يفعل المعجزات.. من بضع ثواني لم يكونوا يملكوا الا أن يتملقوا فرعون.. ويتقربوا إليه بما يستطيعوا من أعمال.. بل واقسموا بعزته وهو المخلوق..

 

أما الآن.. فهو في قمة عطائه الإيماني.. يسترخص نفسه في سبيل الله.. فحق ذلك على من ترك عبادة المخلوق وعبد الخالق..

 

غير مهتمين بما سيتعرضوا له من العذاب.. إن هي الا ساعات ويصيرون مع ربهم الأعلى.. الأوحد.. بلا شريك.. لقد بلغ بهم الأمر أن يتحدوا فرعون نفسه وهم الآن واقفين أمامه.. وقفة مؤمن وثق في ربه.. في مشهد مهيب.. يرون من حوله من أتباع وأقزام وحثالة.. مهرجين ومصفقين..!هم يرون كل هذا بنظرة المؤمن الذي يبصر بنور الله.. فيرى الحياة الفانية.. على أنها لا شيء.. إن قورنت بحياة الخلود.. في جنة المعبود..وما أجمل الشهادة في سبيل الله..!

 

(قَالَ آمَنتُم لَهُ قَبلَ أَن آذَنَ لَكُم إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحرَ فَلَسَوفَ تَعلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيدِيَكُم وَأَرجُلَكُم مِّن خِلَافٍ, وَلَأُصَلِّبَنَّكُم أَجمَعِينَ)

 

تهديد ووعيد.. بعذاب أكيد.. ولكن مهما كان.. ومهما كبر.. فهو عذاب دنيوي.. لا يقارن بعذاب الآخرة.. الذي سيقتص الله لهم من فرعون به.. فما أتفه عذابك يا فرعون.. وما أعظم عذاب ربك.. فكيف كان ردهم؟

ها هي المواجهة.. بروح المؤمن..

(قَالُوا لَا ضَيـــرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ)..

(فَاقضِ مَا أَنتَ قَاضٍ, إِنَّمَا تَقضِي هَذِهِ الحَيَاةَ الدٌّنيَا)..

 

ما أروع ما يصنع الإيمان بالناس.. كانوا أرانب لا هم لهم سوى التقرب الى فرعون.. صاروا مؤمنين لا يهابون ولا يخافون الا الله.. خالقهم..

إنما الدنيا ساعة من نهار وستقضى لا محالة..

يا فرعون إن موعدك مع الله سينتقم منك لكل مظلوم..

ولن ينفعك الندم يومها.. يا فرعون.. يا فرعون …!

وأخذوا يرفعون أصواتهم في وجهه وهم يحببونه في العودة إلى الله والاصطلاح معه..

فلما هددهم وتوعدهم وأرغى وأزبد.. لم يزدهم ذلك إلا يقينا، ولم يكترثوا بهذه التهديدات..

لأنهم يعلمون يقينا أن الأمر كله بيد الله وحده..وأن الشر مهما طال.. فلابد له من نهاية.. فما تهديداتك يا فرعون الا بقايا غرور.. حطمناه بإيماننا..

ولأنهم يثقون أن ذلك كله ليس سوى ابتلاء لهم من الله لينظر كيف يعملون.. فما زادوا إلا إيماناً..

اختاروا أن يموتوا شهداء كراما على أن يعيشوا أذلاء متملقين.. لا هم لهم سوى إرضاء بشري فاني.. فكيف يجلسون تحت أقدام فرعون يمسحون له نعاله..لعله يرضى عنهم..!!

(قَالُوا: لَن نُؤثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ البَيِّنَاتِ.. وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقضِ مَا أَنتَ قَاضٍ,..إِنَّمَا تَقضِي هَذِهِ الحَيَاةَ الدٌّنيَا)

ما أجمل الإيمان وما يفعله في القلوب.. نسأل الله أن يثبتنا على الإيمان به.. وأن يملأ قلوبنا بنور اليقين به.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply