الدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

الخطبة الأولى:

أما بعد: عباد الله، لقد رحمنا الله - تعالى - رحمة واسعة حين خصّنا فجعلنا أتباع خير الخلق، الذي أخرجنا الله به من الظلمات إلى النور، ومن الضلال إلى الهداية، ومن الشقاء إلى السعادة، ومن الذلّ والظلم والجهل والشتات والمهانة إلى العزّ والعدل والعلم والاجتماع والكرامة، مَن نحن لولا دين محمد وملته؟! وما قيمتنا لولا رسالته وشريعته؟! وما مصيرنا لولا دعوته وعقيدته؟! {لَقَد مَنَّ اللَّهُ عَلَى المُؤمِنِينَ إِذ بَعَثَ فِيهِم رَسُولًا مِن أَنفُسِهِم يَتلُوا عَلَيهِم آياتهِ وَيُزَكِّيهِم وَيُعَلِّمُهُم الكِتَابَ وَالحِكمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبلُ لَفِي ضَلالٍ، مُبِينٍ،} آل عمران:164.

بلغ الرسالة أحسن بلاغ، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده. آذاه قومه فصبر ليبلّغ هذه الرسالة، ذهب إلى الطائف على قدميه يعرض الإسلام على قبائلها، فأغرَوا به صبيانهم، وأدمَوا قدميه وهو صابر في سبيل الدعوة، يعرض نفسَه على القبائل فتطرده فلا يثنيه ذلك شيئًا، أصحابه يعذّبون في حرّ الهجير وهم يستغيثون بالله تعالى في سبيل هذا الدين، يؤمَر بالهجرة فيخرج من بلده مكّة ويقف على شفير خارج مكة ويقول: (والله إنك لأحب البقاع إلى الله، ووالله إنك لأحب البقاع إليّ، ولولا أنّ قومك أخرجوني ما خرجت). يشجّ رأسه يوم أحد، وتكسر رباعيته، ويتكالب الأعداء على قتله يوم الخندق، فيحزّبون الأحزاب طلبا لرأسه، ويدسّ له اليهود السمّ، ويحاولون قتله أكثر من مرّة، لكن ذلك لا يثني من عزيمته لنشر هذا الدين، حتى بلغ الإسلام مشارقَ الأرض ومغاربها.

لا تحصَى فضائله، ولا تعدّ مزاياه. ما من صفة كمال إلا اتّصف بها، زكّى الله تعالى عقله فقال: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُم وَمَا غَوَى} النجم:2، وزكى لسانه فقال: {وَمَا يَنطِقُ عَن الهَوَى} النجم:3، وزكى شرعه فقال: {إِن هُوَ إِلاَّ وَحيٌ يُوحَى} النجم:4، وزكّى معلِّمه فقال: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ القُوَى* ذُو مِرَّةٍ، فَاستَوَى} النجم:5، 6، وزكى قلبه فقال: {مَا كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأَى} النجم:11، وزكى بصره فقال: {مَا زَاغَ البَصَرُ وَمَا طَغَى} النجم:17، وزكى أصحابه فقال: {وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَينَهُم} الفتح:29، وزكاه كله فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ، عَظِيمٍ،} القلم:4.

نعته بالرسالة: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} الفتح:29، وناداه بالنبوة فقال: {يَا أَيٌّهَا النَّبِيٌّ} الممتحنة:12، وشرفه بالعبودية فقال: {سُبحَانَ الَّذِي أَسرَى بِعَبدِهِ} الإسراء:1، وشهد له بالقيام بها فقال: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبدُ اللَّهِ يَدعُوهُ} الجن:19.

شرح الله له صدره، ووضع عنه وزره، ورفع له ذكره، وأتمّ أمره، وأكمل دينه، وبرّ يمينه. ما ودّعه ربه وما قلاه، بل وجده ضالًا فهداه، وفقيرًا فأغناه، ويتيمًا فآواه. وخيّره بين الخلد في الدنيا ولقاه، فاختار لقاء مولاه، وقال: (بل الرفيق الأعلى).

 تالله ما حملت أنثى ولا وضعت *** مثل الرسول نبيّ الأمّة الهادي

واليومَ يأتي أقوام ما عرفوا الله طرفةَ عين، يعيشون في ظلمات الشهوات، أهدافهم وأفكارهم واعتقاداتهم منحطّة، يحاولون النيلَ من هذه المنارة الشامخة. تأتي صحيفة دنمركية وأخرى نرويجية لتستهزئ بأعظم البشر- صلى الله عليه وسلم - على مرأى ومسمع من جميع المسلمين، أين الغيرة؟! أين حب الرسول؟! أين الدفاع عنه؟! أليس هذا هو مقام سيدنا رسول الله؟!

هؤلاء سينتقم الله منهم لأنه قال في كتابه: {وَاللَّهُ يَعصِمُكَ مِن النَّاسِ} المائدة:67. آذاه عتبة بن أبي لهب وسخِر منه فقال: (اللهم سلّط عليه كلبًا من كلابك)، فكان لا ينام إلا وسط رفاقه خوفًا من دعوة الرسول، لكن ذلك لم يمنعه، وفي بعض أسفاره استيقظ على أسدٍ، مفترس قد نشب مخالبه في صدغيه، فجعل يصرخ ويقول: يا قوم، قتلتني دعوة محمد، لكن ذلك لم يغن عنه شيئًا.

مزّق كسرى رسالتَه، فدعا عليه، فقتله الله في وقته، ومزّق ملكه كلّ ممزّق، فلم يبق للأكاسرة ملك بعده، تحقيقًا لقوله تعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبتَرُ} الكوثر:3 أي: مبغضك، فكل من شنأه وأبغضه وعاداه فإن الله يقطع دابره ويمحق عينَه وأثره، وفي الصحيح عن النبي أنه قال: (يقول الله تعالى: من عادى لي وليّا فقد آذنته بالحرب)، فكيف بمن عادى سيد الأنبياء؟!

ويقول سبحانه: {إِنَّا كَفَينَاكَ المُستَهزِئِينَ} الحجر:95، قال ابن سعدي - رحمه الله - في تفسيرها: (وقد فعل تعالى، فما تظاهر أحد بالاستهزاء برسول الله وبما جاء به إلا أهلكه الله وقتله شرّ قتلة(اهـ.

أخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي وأبو نعيم كلاهما في الدلائل وابن مردويه بسند حسن والضياء في المختارة عن ابن عباس في قوله: {إِنَّا كَفَينَاكَ المُستَهزِئِينَ} قال: المستهزئون الوليد بن المغيرة والأسود بن عبد يغوث والأسود بن المطلب والحارث بن عبطل السهمي والعاص بن وائل، فأتاه جبريل، فشكاهم إليه رسول الله، فقال: أرني إياهم، فأراه كلّ واحد منهم، وجبريل يشير إلى كلّ واحد منهم في موضع من جسده ويقول: (كفيتُكهُ)، والنبي يقول: (ما صنعت شيئا!) فأما الوليد فمر برجل من خزاعة وهو يريش نبلًا فأصاب أكحله فقطعها، وأما الأسود بن المطلب فنزل تحت سمرة فجعل يقول: يا بنيّ، ألا تدفعون عني؟! قد هلكت وطُعنت بالشوك في عينيّ، فجعلوا يقولون: ما نرى شيئًا، فلم يزل كذلك حتى عتمت عيناه، وأما الأسود بن عبد يغوث فخرج في رأسه قروح فمات منها، وأما الحارث فأخذه الماء الأصفر في بطنه حتى خرج خرؤه من فيه فمات منه، وأما العاص فركب إلى الطائف فربض على شبرقة فدخل من أخمص قدمه شوكة فقتلته.

لكن - يا عباد الله -، ما موقِفنا نحن؟ يجب أن نسأل أنفسنا: هل نحن نحبّ رسول الله حبّا صادقا، أم أن الأمر مجرد ادعاء؟! يقول: (لا يُؤمِنُ أَحَدُكُم حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيهِ مِن وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجمَعِينَ)، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: \"يَا رَسُولَ اللَّهِ لأَنتَ أَحَبٌّ إِلَيَّ مِن كُلِّ شَيءٍ، إِلا مِن نَفسِي\"، فَقَالَ النَّبِيٌّ: (لا وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيكَ مِن نَفسِكَ)، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّك الآنَ ـ وَاللَّهِ ـ لأَنتَ أَحَبٌّ إِلَيَّ مِن نَفسِي، فَقَالَ النَّبِيٌّ: (الآنَ يَا عُمَرُ).

وهذا أبو بكر - رضي الله عنه - يبكي فرحًا حينما علم أنه رفيق لرسول الله في هجرته، وهو يمشي أمامه في الهجرة يوم يذكر الرّصد، ويمشي خلفه يوم يذكر الطلَب، حتى إذا جاء أمر فَداه بنفسه.

 

وهذه نسيبة بنت كعب المازنية أم عمارة، امرأة تحمل السيف تذود عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حينما تكشّف عنه الرجال، فيقول لها: (سليني يا أم عمارة)، فتقول: أسألك مرافقتك في الجنة، حبّ في الدنيا وحبّ في الآخرة.

وبعد أن انتهت غزوة أُحد مرّ جيش النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وهو عائد للمدينة بامرأة من بني دينار وقد أُصيب زوجها وأخوها وأبوها، فلما نُعوا لها قالت: فما فعل رسول الله؟ قالوا: خيرًا يا أم فلان، هو بحمد الله كما تحبّين، قالت: أرونيه حتى أنظرَ إليه، فأشير إليها حتى إذا رأته قالت: كل مُصيبة بعدك جلَل - تريد صغيرة -.

ولما أرسلت قريش عروة بن مسعود الثقفي - رضي الله عنه - عندما كان مشركًا يفاوض النبيّ – صلى الله عليه وسلم - في صلح الحديبية، فرأى نماذج من حب الصحابة له، رجع إلى قريش فقال لهم: \"أي قوم، والله لقد وفدتُ على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله ما رأيت ملِكًا قطّ يعظّمه أصحابه ما يعظّم أصحاب محمد محمّدًا، والله إن تنخّم نخامة إلا وقعت في كفّ رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمرَه، وإذا توضّأ كادوا يقتَتلون على وضوئه، وإذا تكلّم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدّون النظر إليه تعظيمًا له\".

هذا هو حبّ الصحابة لرسول الله، فهل نحن نحب رسول الله – صلى الله عليه وسلم- أو أن الأمر مجرّد ادّعاء؟! هل نوقّره؟! هل ننشر سنته؟! هل نتأدب بآدابه؟! هل نقتدي بهديه؟!

{إِنَّا أَرسَلنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا لِتُؤمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكرَةً وَأَصِيلًا} الفتح:8، 9.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.

وبعد: عباد الله تعالى، حبّ الرسول – صلى الله عليه وسلم - عقيدة يتّفق عليها كلّ المسلمين بشتى طوائفهم وأفكارهم، فكلّ القلوب مجتَمعة على حبّه، لهذا يجب علينا أن نستثمِر هذه الأزمة العالمية التي تتنامَى بسبب التعرّض لشخصه في توحيد الأمّة وجمع كلمتها حول الرسولº لتكون غضبة المسلمين لدينهم في الاتجاه الصحيح، يجب أن نشيع توقير الرسول – صلى الله عليه وسلم- وتعريف الجيل به وبشمائله، يجب على الأمهات أن يرضعن أولادهنّ محبّة رسول الله، وعلى الآباء أن يجعلوا من السيرة مادّة لجلسات العائلة، وعلى المعلّمين أن يخصصوا بعض حصَصهم لسيرته العطرة. وهل نجد فرصة لنتّفق عليها في زمان كثر فيه الاختلاف أعظم من فرصة أن تتّفق القلوب والجهود للدفاع عن الرسول؟!

إنها فرصة تاريخية نشعر فيها بالسعادة إذا رأينا جهودَ الدول والشعوب والمؤسسات تتّفق جميعًا على شيء واحد، كيف وهذا الشيء هو الدفاع عن الرسول – صلى الله عليه وسلم- والذب عنه؟! يجب علينا أن نعلنَ حبّنا لرسول الله – صلى الله عليه وسلم- وغضبنا له، وأن نرفض التعامل مع هؤلاء الذين يسبّونه، ونقاطع كل منتج يأتينا من عندهم.

اللهم يا حي يا قيوم، يا واحد يا أحد، يا فرد يا صمد، يا جبار السماوات والأرض، يا سريع الانتقام، اللهم أرنا فيمن أساء لنبيّك عجائب قدرتك وصنعِك، اللهم شلّ أيديهم وألسنتهم، وأعم بصيرتهم وأبصارهم، اللهم اجعلهم عبرة للعالمين، اللهم يا من له العزة والجلال، ويا من له القدرة والكمال، ويا من هو الكبير المتعال، اللهم لا تبقِ لهم راية، واجعلهم لمن خلفهم آية، اللهم أنت بهم عليم وعليهم قدير.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply