شهادة الله


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

المصحف الشريف

بعد تجربة حية واقعية، تمت فيها ممارسة عملية وتحرك عملي وتطبيق عملي لآيات الرحمن، بدأت الداعية انطلاقاً من هذا المفهوم الحركي العملي لآيات الله بدأت تسجيل بعض الملاحظات وهي تقرأ وتدرس القرآن الكريم. وعندما قامت بالربط بين الآيات بدأت تتضح أمامها موضوعات بذاتها يتعلق كل منها بفكرة معينة تختص بنفسها من ناحية، وتتعلق بغيرها من ناحية أخرى، فكان أن أعدت موضوعاً من هذه الموضوعات وقدمته في أحد الدروس فلاقى إقبالاً وترحيباً من المستمعات.

توالت بعد ذلك الأفكار والموضوعات وتوالى تقديمها في دروس متصلة، فكانت محاولة جادة لعرض الدعوة بأسلوب من الأساليب لاقى بفضل الله نجاحاً وتأييداً، وكان لكل درس من هذه الدروس شهادة ميلاد وقصة حياة يتضح فيها التواصل مع آيات الله وردود الفعل الإيمانية لتجعل آيات الرحمن تهيمن على حياتنا كما هي تهيمن على كل الحياة، فتشرق بأنوار الرحمن وتكون السعادة بصورتها الحقيقية.

لنتصور كاميرا موضوعة في أكبر المحلات شهرة ثم دخل أحدهم وقد بهرته رؤية الأشياء الثمينة المعروضة، فأخذ يعبث بكل ما هو فاخر في هذا المحل ولم يجد رقيباً ولا من ينهاه، فتجرأ وبدأ في أخذ بعضها، وكل من في غرفة المراقبة ينظرون إليه في ذهول، فقد وضع بعض هذه الأشياء في حذائه وبعضها داخل قميصه، بل والتهم بعض الشيكولاته الفاخرة، وقد أغراه عدم وجود من يمنعه، ثم بدأ في الخروج واثقاً من نفسه، وكانت المفاجأة التي زلزلت كيانه حيث منعه أحد رجال الأمن من الخروج وعندها تساءل باستخفاف ماذا هناك؟ ماذا تريد وأقسم إنه لم يفعل شيئاً يُدينه، أشار إليه رجل الأمن بالتزام الهدوء من أجل الزبائن، واقتاده إلى حجرة صغيرة بها عدد من الشاشات والرجال المراقبين وأجلسه وبدأ في إرجاع الشريط ثم عرضه عليه فرأى يديه وهي تسرق وفمه وهو يأكل وقميصه وهو يشهد! ويا لهول ما رأى، فإن من في الصورة هو هو ولم يشهد عليه إلا جوارحه وقد تم الاعتراف، فبدأ في التوسل والاعتذار.

هذه الكاميرا من صنع البشر فما بالنا بما صنع الله لمراقبة خلقه في السر والعلن، فسبحانه  يرانا في كل سكناتنا وتحركاتنا وتبهرنا الدنيا ونفتن بها وكأن لا أحد يرانا ولا أحد يسمعنا وهكذا تكون الغفلة.

 وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا (يونس: 61).

وسنواجه يوماً مثل صاحبنا هذا:

إقرأ كتابك كفى\" بنفسك اليوم عليك حسيبا 14 (الإسراء).

يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون 24 (النور).

وكذلك من خلق الله.. الملائكة التي ترانا هي أيضاً وتسجل علينا كل شيء.

هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون 29 (الجاثية).

ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد 18 (ق).

والملائكة لا تُسجل الكبائر وتترك الصغائر، أو تسجل أشياء وتترك أخرى، بل كل صغيرة كبيرة.

ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا 49 (الكهف).

بل إن الجان والشياطين يروننا ونحن لا نراهم:

 إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون 27 (الأعراف).

أي أننا مرصودون على الدوام، ولكن منا من هو في غفلة عن كل ذلك وعن جنود الله وعما يراقبنا ويسجل علينا من أنفسنا، فعيوننا كاميرات لله تصور كل شيء تراه وستشهد، وآذاننا أجهزة تسجيل لله دقيقة جداً تسجل كل ما نسمعه في محيط حياتنا وسيُنطقها الخالق - سبحانه -، وجلودنا مرآة تنعكس عليها كل أعمالنا، ومهما قلنا عن كل ذلك، فالحقيقة أننا لا نستطيع أن نتصوره، ولذلك لا نستتر من جوارحنا ولا من كل من يتيقن أنه يراقبنا:

وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون 22 وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين 23 (فصلت).

إن إلهنا العظيم الذي يعلم كل شيء وكان موجوداً قبل كل شيء، وسيكون موجوداً بعد كل شيء هو.. هو لا يتغير ولا يتبدل.

فهل هذه الجوارح هي فقط ما ستشهد علينا أمام الخالق - سبحانه وتعالى - يوم الحساب؟، كلا فالله - سبحانه وتعالى - يشهد وهو على كل شيء شهيد.

فأما الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيشهد على شهداء الأمم: فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا 41 (النساء).

وهو أيضاً يشهد على أمته: وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا (البقرة: 143).

بل إن بعضنا قد يشهد على البعض حسب ما تشير إليه الآية.

أما شهادة الخالق - سبحانه وتعالى - فهي الشهادة التي ليست بعدها شهادة: قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم (الأنعام: 19).

لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا 166 (النساء)، فسبحانه - هو العليم الحكيم، الذي يعلم ما كان وما يكون وما سيكون، وقد أعلمنا - سبحانه -، وأعلم الرسول في كتابه العزيز عن الكثير مما لم يكن أحد يعلم:

وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث (الأنبياء: 78).

وما كنت لديهم إذ يختصمون 44 (آل عمران).

وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب (يوسف: 23).

وذا النون إذ ذهب مغاضبا (الأنبياء: 87).

وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين 44 (القصص).

ولنواصل الارتشاف من رحيق القرآن الكريم وشهادة الكبير المتعال كما سجلها لنا - سبحانه - في كتابه الكريم:

شهادة الله لنفسه.

شهادة الله للقرآن الكريم.

شهادة الله للملائكة.

شهادة الله للأنبياء.

شهادة الله لرسوله محمد - صلى الله عليه وسلم -.

شهادة الله للمؤمنين.

شهادة الله على إبليس.

شهادة الله على الكافرين.

شهادة الله على المنافقين.

ولنقطف زهرة من كل بستان.

شهادة الله لنفسه:

شهد الله أنه لا إله إلا هو (آل عمران: 18).

وهي شهادة لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، تشهد بوحدانية الله المطلقة، وهل بعد الله شهادة.

شهادة الله عن القرآن الكريم

 لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا 166 (النساء)، نعم وكفى بالله شهيداً.

 

شهادة الله للملائكة

وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون 26 لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون 27 يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى\" وهم من خشيته مشفقون 28 (الأنبياء)، وعن جبريل - عليه السلام -: إنه لقول رسول كريم 19 ذي قوة عند ذي العرش مكين 20 مطاع ثم أمين 21 (التكوير).

وعن جبريل وميكائيل: من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين 98 (البقرة).

 

شهادة الله للأنبياء

إبراهيم - عليه السلام -: ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين 130 (البقرة).

إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين 120 (النحل)، وشهد له أنه على صراط مستقيم: شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم 121 (النحل).

موسى وهارون - عليهما السلام -: وآتيناهما الكتاب المستبين 117 وهديناهما الصراط المستقيم 118 وتركنا عليهما في الآخرين 119 سلام على موسى وهارون 120 إنا كذلك نجزي المحسنين 121 إنهما من عبادنا المؤمنين 122 (الصافات).

نوح - عليه السلام -: ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا (3) (الإسراء).

وتركنا عليه في الآخرين 78 سلام على نوح في العالمين 79 إنا كذلك نجزي المحسنين 80 إنه من عبادنا المؤمنين 81 (الصافات).

عيسى - عليه السلام -: وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين 45 (آل عمران).

والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا 33 (مريم).

يوسف - عليه السلام -: إنه من عبادنا المخلصين 24 (يوسف: 24).

ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين 22 (يوسف).

إسماعيل - عليه السلام -: واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا 54 وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا 55 (مريم).

والأنبياء \"كثير منهم\": وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم 83 ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داوود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين 84 وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين 85 وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين 86 ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم 87 (الأنعام).

شهادة الله للرسول - صلى الله عليه وسلم -: وهي شهادات كثيرة يمتلئ بها كتاب الله الكريم ونختار هنا بعضها فقط:

تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا (1) (الفرقان)، فتنزيل القرآن عليه - صلى الله عليه وسلم - شهادة من أكبر الشهادات.

وما ينطق عن الهوى\" (3) إن هو إلا وحي يوحى\" (4) (النجم).

وإنك لعلى\" خلق عظيم (4) (القلم).

شهادته على جميع البشر: يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد (6) (المجادلة).

وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد 117 (المائدة).

والناس جميعاً إما مؤمنون أو منافقون أو كافرون، والصنفان الأخيران يتبعان إبليس والشياطين والهوى.

 

شهادة الله للمؤمنين

لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا 18 (الفتح).

لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم 117 (التوبة).

والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم 10 (الحشر).

 

فمن هؤلاء المؤمنون؟

إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون 15 (الحجرات).

إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون (2) الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون (3) أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم (4) (الأنفال).

 

شهادة الله على إبليس وجنوده وأتباعه

إبليس: قال فاخرج منها فإنك رجيم 77 وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين 78 (ص).

 قال اخرج منها مذءوما مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين 18 (الأعراف).

شهادة الله على المنافقين: إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون (1) (المنافقون).

وليس بعد شهادة الله شهادة وهم كذلك على مر العصور كاذبون.

شهادة الله على الكفار: يكفيهم قول الله عنهم: صم بكم عمي فهم لا يرجعون(18(البقرة).

فقد تعطلت حواسهم فلا فائدة منهم لأنفسهم قبل الآخرين.

 

شهادة الله علينا

ترى بماذا سيشهد علينا؟ فنحن مازلنا أحياء ونعيش دورتنا التي منحنا الله إياها.

ولن نعيش إلا في الفترة المحددة لنا، ثم نموت كالآخرين ليأخذ غيرنا فرصته، ونحن نتواصل مع إله يعلمُ السر وأخفى ويعلم ما قدمنا وما أخرنا. وفي رؤية الله لنا نرجو أن يرانا على خير وفي خير لا نبتغي إلا رضاه وأن يشهد لنا أننا قد أحسنا الصلاة وأحسنا التعامل مع الآخرين، وأحسنا العمل الصالح وأحسنا لأنفسنا.

ألا نستحق السعادة الأبدية؟ فلتكن البداية \"بداية جديدة\"...تحذر شهادة الله علينا.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply