بعض مواضع الحمد


 

بسم الله الرحمن الرحيم

احمد الله فإن الله يرضى عن العبد إذا حمده عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ, قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِنَّ اللَّهَ لَيَرضَى عَن العَبدِ أَن يَأكُلَ الأَكلَةَ فَيَحمَدَهُ عَلَيهَا أَو يَشرَبَ الشَّربَةَ فَيَحمَدَهُ عَلَيهَا أبتدأ الله - عز وجل - كتابه بالحمد فقال - تعالى -(الحمد لله رب العالمين)وأول كلمة يقولها أهل الجنة عند دخولهم الجنة وَقَالُوا الحَمدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهتَدِيَ لَولَا أَن هَدَانَا اللَّهُ لَقَد جَاءَت رُسُلُ رَبِّنَا بِالحَقِّ وَنُودُوا أَن تِلكُمُ الجَنَّةُ أُورِثتُمُوهَا بِمَا كُنتُم تَعمَلُونَ وإذا تدبرت آيات القرآن الكريم جيدا سترى أنه في ختام سورة الزمر وبعد أن ساق لنا ربنا - عز وجل - أحداث وأهوال يوم القيامة ثم ساق لنا دخول أهل النار النار أعاذنا الله وإياكم منها ثم ساق لنا دخول أهل الجنة الجنة جعلها الله مستقرنا وإياكم بعد ذلك كله قال - تعالى -وَتَرَى المَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِن حَولِ العَرشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمدِ رَبِّهِم وَقُضِيَ بَينَهُم بِالحَقِّ وَقِيلَ الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ فالحمد لله أبتدأ بها القرآن وختم بها أحداث يوم القيامة فالحمد الله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا والحمد لله رب العالمين الحمد لله كلمة تقولها بلسانك فكيف تشعر بها وتخرجها من أعماق أعماق قلبك؟ أن تنظر في نفسك وتعدد نعم الله عليك أحضر ورقة وقلم واكتب نعم الله عليك مثلا أكتب نعمة البصر والسمع والكلام والإحساس والعقل والتذوق والأمن أكتب نعمة الهداية والصلاة والصيام وسائر العبادات التي لولا فضل الله عليك لما أعانك علي أدائها أكتب نعمة القرآن العظيم الذي من الله به علينا وبين لنا فيه طريق الجنة وبين فيه طريق النار وبين لنا فيه ما يصلح ديننا ودنيانا أكتب نعمة اليد والأقدام هل بت يوما جائعا؟ أكتب نعمة الطعام والشراب أكتب نعمة الماء البارد الذي تشربه بعد ظمأ شديد أكتب نعمة الصحة أنظر حولك ستشاهد كثير من البشر إبتلاهم الله بالأمراض وبالفقر أحمد الله أن عافاك وقل حين ترى مبتلى الحَمدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابتَلَاكَ بِهِ وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ, مِمَّن خَلَقَ تَفضِيلًا)) فإن قلت ذلك فلن تصب بمصابه أبدا ما حييت كما أخبر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأعظم من ذلك كله (أن يشهد -العبد- مشهد علو الله - تعالى -على خلقه و فوقيته لعباده و استوائه على عرشه كما أخبر بها أعرف الخلق و أعلمهم به الصادق المصدوق و تعبد بمقتضى هذه الصفة بحيث يصير لقلبه صمد يعرج إليه مناجيا له مطرقا واقفا بين يديه وقوف العبد الذليل بين يدي الملك العزيز فيشعر بأن كلمه و علمه صاعد إليه معروض عليه مع أوفى خاصته و أوليائه فيستحي أن يصعد إليه من كلمه ما يخزيه و يفضحه هناك و يشهد نزول الأمر و المراسيم الإلهية إلى أقطار العوالم كل وقت بأنواع التدبير و التصرف من الإماتة و الإحياء و التولية والعزل و الخفض و الرفع و العطاء و المنع وكشف البلاء و إرساله و تقلب الدول و مداولة الأيام بين الناس إلى غير ذلك من التصرفات في المملكة التي لا يتصرف فيها سواه فمراسيمه نافذة فيها كما يشاء يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم مكان مقداره ألف سنة مما تعدون -السجدة 5 -فمن أعطى هذا المشهد حقه معرفة و عبودية استغنى به و كذلك من شهد مشهد العلم المحيط الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض و لا في السموات و لا في قرار البحار ولا تحت أطباق الجبال بل أحاط بذلك علمه علما تفصيليا ثم تعبد بمقتضى هذا الشهود من حراسة خواطره و إرادته و جميع أحواله و عزماته و جوارحه علم أن حركاته الظاهرة و الباطنة و خواطره و إرادته و جميع أحواله ظاهرة مكشوفة لديه علانية بادية لا يخفى عليه منها شيء و كذلك إذا أشعر قلبه صفة سمعه - سبحانه - لأصوات عباده على إختلافها و جهرها وخفائها وسواء عنده من أسر القول من جهر به لا يشغله جهر من جهر عن سمعه صوت من أسر و لا يشغله سمع عن سمع و لا تغلطه الأصوات على كثرتها و إختلافها و اجتماعها فهي عنده كلها كصوت واحد كما أن خلق الخلق جميعهم و بعثهم عنده بمنزلة نفس واحدة و كذلك إذا شهد معنى اسمه البصير جل جلاله الذي يرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في حندس الظلماء و يرى تفاصيل خلق الذرة الصغيرة و مخها و عروقها و لحمها و حركتها ويرى مد البعوضة جناحها في ظلمة الليل و أعطى هذا المشهد حقه من العبودية بحرس حركاته و سكناته و تيقن أنها بمرأى منه و مشاهدة لا يغيب عنه منها شيء و كذلك إذا شهد مشهد القيومية الجامع لصفات الأفعال و أنه قائم على كل شيء و قائم على كل نفس بما كسبت و أنه - تعالى -هو القائم بنفسه المقيم لغيره القائم عليه بتدبيره و ربوبيته و قهره و إيصال جزاء المحسن و جزاء المسيء إليه وأنه بكامل قيوميته لا ينام و لا ينبغي له أن ينام يخفض القسط و يرفعه يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار و عمل النهار قبل عمل الليل لا تأخذه سنة ولا نوم ولا يضل ولا ينسى و هذا المشهد من أرفع مشاهد العارفين و هو مشهد الربوبية و أعلى منه مشهد الإلهية الذي هو مشهد الرسل و اتباعهم الحنفاء وهو شهادة أن لا إله إلا الله و أن إلهية ما سواه باطل و محال كما أن ربوبية ما سواه كذلك فلا أحد سواه يسحق أن يؤله و يعبد و يصلى له و يسجد و يستحق نهاية الحب مع نهاية الذل لكمال أسمائه و صفاته و أفعاله فهو المطاع وحده على الحقيقة والمألوه وحده و له الحكم فكل عبودية لغيره باطلة و عناء و ضلال و كل محبة لغيره عذاب لصاحبها وكل غنى بغيره فقر وفاقة و كل عز بغيره ذل و صغار و كل تكثر بغيره قلة و ذلة فكما استحال أن يكون للخلق رب غيره فكذلك استحال أن يكون لهم إله غيره فهو الذي انتهت إليه الرغبات و توجهت نحوه الطلبات و يستحيل أن يكون معه إله آخر فإن الإله على الحقيقة هو الغني الصمد الكامل في أسمائه و صفاته الذي حاجة كل أحد إليه و لا حاجة به إلى أحد و قيام كل شيء به و ليس قيامه بغيره إلى أن قال فمشهد الألوهية هو مشهد الحنفاء وهو مشهد جامع للأسماء و الصفات و حظ العباد منه بحسب حظهم من معرفة الأسماء و الصفات و لذلك كان الإسم الدال على هذا المعنى هو اسم الله جل جلاله فإن هذا الاسم هو الجامع و لهذا تضاف الأسماء الحسنى كلها إليه فيقال الرحمن الرحيم العزيز الغفار القهار من أسماء الله و لا يقال الله من أسماء الرحمن قال الله - تعالى - و لله الأسماء الحسنى فهذا المشهد تجتمع فيه المشاهد كلها و كل مشهد سواه فإنما هو مشهد لصفة من صفاته فمن اتسع قلبه لمشهد الإلهية و قام بحقه من التعبد الذي هو كمال الحب مع كمال الذل و التعظيم والقيام بوظائف العبودية فقد تم له غناه بالإله الحق و صار من أغنى العباد و لسان مثل هذا يقول...غنيت بلا مال عن الناس كلهم... و إن الغنى العالي عن الشيء لا به... )-من كتاب معارج القبول - والمقصود من نقل ما سبق أن من أراد أن يحمد الله من أعماق قلبه لزمه تعلم أسماء الله وصفاته وشهود أثار أسماء الله وصفاته في الكون حوله وفي نفسه رزقنا الله وإياكم من فضله.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply