عاص ... يبني الحياء


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

إنه أنا... إنه أنا ذلك الشاب الذي هتك ستار عفته بيده سعيًا وراء لذة تستمر بضع لحظات ثم ما تلبث أن تزول، فأسعى وراءها من جديد تتملكني ونشغل على كياني وفكري، لكنني اليوم تعرضت لموقف عجيب، رأيته أمامي واقفًا يتحدث وصديق لي يحاوره ويسأله:

ألم ترتكب كذا قط؟

أم تمتد يدك لفعل كذا فقط؟

وهو يجيب متعجبًا: الحمد لله، كلا لم يحدث، ويضيف متعجبًا \'أنا لا أظن أن هذا الفعل بهذه الدرجة من المتعة والتلذذ، وأنا أصون نفسي حتى يمن الله - تعالى - عليَّ بالزواج، ظننته في بادئ الأمر يكذب أو يداري أو يريد أن يتفاخر علينا بحفظه لنفسه، ولكني لمحت في وجهه أمارات الصدق، ورأيت مِن تربيته في بيته وحرصه على الطاعة، وحرص أبويه ما جعلني أرجح صدقه.

لكن أكثر ما لفت انتباهي هو معنى جديد دفعني هذا الحوار إلى تأمله، فقد كنا وما زلنا في مجتمعاتنا نحرص على عرض المرأة وشرفها، ونفرق بين العفيفة الشريفة وغيرها، ولكن لم يخطر ببالي قط أن تقع عيني على شاب عفيف في سعار الشهوة القائم من حولنا والشباب الباحثين عن وسيلة لتصريفها بأقل الأضرار كما يدعون، أو بما هو أفضل من غيرهم الذين يهتكون ستر الحياء والعفة ويعيشون في الأرض فسادًا.

لكن ها هو الآن ماثل أمام عيني يضحك ويتحدث ويعيش حياة طبيعية ظاهرها كباطنها بوجه واحد لا بوجهين، وقد دفعني هذا الموقف إلى أن تثور في ذهني تساؤلات عدة دفعني إليها تأمل تاج العفة على رأس المتعففين، ذلك التاج الذي لا يراه إلا من هتك ستر عفته واعتدى على حد ربه، وكانت أول هذه التساؤلات:

أيمكن لمن هتك ستر عفته أن يستعيده من جديد؟

هل يعقل أن يتحول من ولغ في أشكال المعصية وألوانها وأضحى خبيرًا فيها وعمر فيها زمنًا إلى عفيفي طاهر شديد الحياء؟

وانطلق عقلي يؤكد استحالة ذلك، فما تم كسره لا يمكن إصلاحه.

ومن فتح عينه ليس كن أغمضها وهو قدري ولا بد لي من التسليم به.

وبعد أن أطمأن عقلي أني قد أرخيت ذراعي وسلمت بما أخبرني هو أنه قدري حانت مني التفاته سريعة إلى مشهدين رئيسيين:

 

الأول:

صور الأشخاص من الماضي والحاضر؟ أسماء رنانة لفنانين وفنانات وممثلين وممثلات، بل ونماذج أخرى ممن حولنا ممن نعرف شدة الولوغ فيما حرم الله وفجأة تجد من يأتي ليخبرك بلبس فلانة للحجاب، والتزام الآخر بالصلاة فتبادر غير مصدق لرؤيتهم والتأكد، فترى عجبًا: هذه التي بذلت عمرها تتكشف بجسدها وتتفنن في إبراز مفاتنها هي اليوم قد ارتدت هذا الثوب الواسع الفضفاض، ولا تملك نفسها من أن تمد يدها كل دقيقة إلى حجابها ليس لتتأكد من بقاء الخصلة الأمامية من شعرها ظاهرة، بل تمد إحدى يديها لتدفع بشعرها إلى الداخل، والأخرى تشد طرف حجابها إلى الأمام تستر به جبهتها، أخرى صوتها كان يسبق مرآها إذا به ينخفض إلى درجة احتياج المحاور الاستفهام عما تقول، وفي ذات الوقت صور من الماضي للصحابة والتابعين التائبين الراجعين إلى الله - تعالى -، وقد كانوا يرتكبون عظيم المعاصي ثم إذا بهم ينقلبون آية في الحياء والعفة.

الثاني: تأملت في حال البشر فرأيت للكل أماني وأحلام ورأيت كذلك عزمًا وهمة، فمن البشر من حلمه عظيم وهمته ضعيفة فيظل يحلم حتى يموت، ومنهم من حلمه ضئيل أو دنيء وهو يسعى حثيثًا لتحصيله ومنهم.. ومنهم...

ولكن لا أحد يمنع أحدًا من الحلم بما شاء، وهمة المرء هي الحكم الفصل في تحصيل حلمه بعد إرادة الله - تعالى -.

ثم عدت فتأملت في خطاب عقلي وهو يمنعني من المحاولة ويفقدني الأمل في التجربة، فإذا به يبحث عن مصلحته ويسعى لتحصيل راحته العاجلة لعدم رغبته في بذل الجهد والمحاولة.

ثم أعدت التأمل فرأيت الحياة لا قيمة لها بدون المحاولة والتجربة وأن تحلم وتسعى لتحقيق حلمك، ثم تأملت ثالثة فرأيت المحاولات وإن كثرت والفشل وإن تكرر إلا أنه يثبت قيمة الإنسان، فهو يحلم ويسعى، ولذا رتب الله الأجر في القرآن على المحاولة ابتداءً ما دامت بإصرار ومثابرة:

{وَمَن يَخرُج مِن بَيتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدرِكهُ المَوتُ فَقَد وَقَعَ أَجرُهُ عَلَى اللَّه}...

ثم تأملت أخيرًا فإذا معامل القوة والضعف الحقيقي بداخلي لا من الخارج وأن المسألة كلها تتعلق بالإجابة الصادقة على سؤالي: هل أريد؟

ولما حسمت الإجابة على التساؤل الأول الذي انبعث في عقلي اندفع الثاني يبحث عن إجابة وهو كيف؟

كيف يمكن لمن ولغ في المعاصي وهتك ستر عفته أن يستعيد ما تم كسره ويعيد إصلاحه؟

لكن الإجابة على هذا السؤال تحتاج إلى طول فكر وتأمل فنرجئها بإذن الله إلى لقاء آخر.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply