وتواضعت المغرورة أمام ربها


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إني بليت بأربع ما سلطوا إلا لعظم بليتي وشقائي

                                                   

                                                       إبليس والدنيا والهوى كيف الخلاص وكلهم أعدائي

 

وقفت مع نفسي برهة من زمن، فمثلتها أمامي،وجادلتها...

قلت لها:آه منك يا مغرورة...! كل عدو يمكن أن أتحمله إلا عدواً يسكن بين أضلاعي، ويمازج بشري ولحمي، ويسري في عروقي!.. إنها معركة لا أقسى منها ولا أمر.. فإما انتصار ويعقبه الظفر،وإما انكسار ومأواه السقر...!

قالت لي والعبرة منها تسابق العبارة:يا لك من قاسي.. صعب المراسي،إنما أنا لسعادتك أسعى ولأنسك أرجو،، وللذتك أمل آلمتني بلومك.. وعذبتني بعتابك..

قلت لها:كم سعيت في رضاك، وحققت مناك، فكانت عاقبة أمري خسراً، وخاتمة أمري نكراً..

كم حسنت لي منكراً، وزينت في عيني مستقذراً، وجملت لنظري مستقبحاً..

قالت والعجب يأخذ منها كل مأخذ:ما الذي أغرك بي وقد كنت الصديق؟!

قلت لها:بل قد جاءني الدليل من ربي الجليل، إنك بالسوء أمارة، وبأهل الحق مكارة، ولأصحاب الصدق غرارة...

((وما أبريء نفسي. إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي))..

 

فأطرقت ملياً وقد أخرستها الآية ففيها عبرة وآية.

ثم قالت:بأي سوء أمرتك؟! وعن أي حق زجرتك؟! بل وقد كنت لك صديقاً لا يخون، ورفيقاً لا يغدر، وحارساً أميناً لا يمكر...

فتدافعت نحو ذهني الأدلة، فنثرتها فوق لساني ودبجتها ببياني، حديث الصدق لن تمله.

وقلت لها:أما قلت لي مراراً وتكراراً بلغة الناصح الأمين وأنت في المكر تتقلبين: عليك بدنياك فبها فأشتغل، فدرهم تدركه نقداً خير من ألف تصيبها نسيئة، ولك اللحظة التي أنت فيها، فعشها كما شئت وبما شئت حيثما كنت، أما أقبلت على لساني، فسلطته على هلكتي فأوردني المورد، فتفوهت بما يغضب ربي، ويعظم به ذنبي، ويقسو بجرمه قلبي!

قالت:تباً لقلبك القاسي ولعقلك الناسي..إنما فعلت ذلك حديث ركب، وخوضاً ولعب،  ولتشفي به حقدك وتدرك مأربك، وتنكأ عدوك وربما قلت ما يوجب الابتسام ويطول به الكلام، فيسر به الجالسون، وينأ المجتمعون، ويسعد المتحدثون، ويذهب الضجر فيطيب السمر!

قلت لها:فأين أنا من قول رسول - صلى الله عليه وسلم -(وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا

حصائد ألسنتهم)؟!

قالت هازئة:أو هذا جرمي المشهود الذي استوجبت به منك التعدي والصمود؟!

قلت لها:إليك بقية الشكاية: أما توجهت إلى وجهي وعنيت عيني وقلت لها:(نظرة منك في وجه

جميل تشفي الغليل وتكون للحب الدليل وللمتعة السبيل).. فكانت نتيجة ذلك أن قلبت العين البصر وأمعنت النظر فانقادت إلى مقارفة الحرام.. فيالله.. كم من نظرة مسمومة من سهام إبليس كانت طريقأً لزنى، وسبيلاً لخنى ومهاداً لفاحشة!

فيا نفسي أما سمعت قول العليم بخلقه والخبير بما يصلح عبيده((قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم

ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم)).. فزكاة القلب من التعلق بالعشق الشيطاني،

والحب الشهواني.. وطهارة البدن من الولوج في حمأة الرذيلة،وذبح الفضيلة،، تكون في حفظ البصر، فإن

مستعظم النار من مستصغر الشرر..!

 

ثم تأملي معي وأفهمي وأعي..

أما أقبلتي على الأذن بغير إذني، فقلت لها: تمتعي بما تسمعي، فتلك أغنية جميلة تذهب بالهموم، وذاك لحن شائق وبنغم فائق، أما قلت لها تمتعي بطرافة(فلان)وهو يتسلى بعرض(علان)..

وانسيتيني قول ربي:((إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان مسئولا))..

 

وأقبلتي على قلبي وهو ملك الجوارح، إذا صلح القلب صلح الجسد، وإذا فسد القلب فسد الجسد،

وإذا مرض القلب مرض الجسد، فزرعت في أرضه بذور الحسد لتثمر كرهاً وحقد..

وحرصت على تعليق قلبي لغير ربي، في ضر وكرب، وكرهت له الطاعة والخشوع، وأورثتيه

مرضاً، فأعتلى على الران وضعف به الإيمان وقلت فيه مراقبة الواحد الديان، فاستجاب لنوازع الشيطان، فسهى وبغير الحق إلتهى فقسى وإنما جعلت النار الحامية لإذابة القلوب القاسية،((فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ظلال مبين)) وأمتدت كيدك إلى يدي، فزينت لها أن تعتدي، فامتدت

لما ليس لها، وبطشت فيما لا يليق بها، وتطاولت على ما هو لسواها..

ثم درجت إلى الفرج.. فأثرت به الغريزة الكامنة، وهيجت فيه الفتنة العارمة، وقلت له:هيت لك، فلا

مهرب ولا مفر. وهيأت لك، فاسعد بمن تهوىوأقض منه الوطر!! فتفجرت في عروقي براكين الشهوة، وتزلزلت في كياني قلاع النزوة،فأردت، ويابئسما أردت.. أن يخرج من قلبي الإيمان وأن أطرد من عباد الرحمن.. ورب شهوة ساعة، أوجبت حزناً طويلاً وعذاباً كبيراً..!! فلا مرحباً بسرور عاد بالضرر..

 

فقالت في دهشة عارمة وحيرة جاثمة: أكل ذلك مني ويصدر عني؟!

قلت:بلى، وما خفي أعظم...

قالت:وما العاقبة؟

قلت:وقوف بين يدي من يعلم سرنا ونجوانا ومبتدانا  ومنتهانا وما قدمنا وأخرنا، ومحاسبة ممن أحصى

هزلنا وجدلنا، وخطأنا وعهدنا وكل ذلك عندنا ومجازاة على فعلنا، ومساءلة على ما اجترحنا

((يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها، ووفيت كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون))

فالهلكة.. الهلكة إن لم يدركنا ربنا رحمته، فهل تطيقين يا نفسي العذاب؟

أو تملكين الزاد في يوم الحساب؟

قالت في خشية وخضوع، ورقة وقنوع، وحسرة ممزوجة بدموع: يا ويلتي على ما ارتكبت من المعاصي

يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله..يا لهفتي على عمر مضى، مر وانقضى فيما يوجب السخط والعقوبة من الله؟

 

فمن لي إذا نادى المنادي بمن عصى إلى أين إلجائي؟إلى أين أهرب فيا طول حزني ثم يا طول حسرتي

لئن كنت في قعر الجحيم أعذب.

فقلت لها:والسرور يملأ جوانحي ويسري في جوارحي..إن افتقارك لله، وإقرارك بالضعف والتقصير في

جنب الله، وإظهار الفاقة والحاجة لله،لمن أعظم العبادات والقربات التي يحبها الله، فأندمي على ما أزلفت، وتحسري على ما فرطت، فالندم توبة..

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply