فاقد اليدين


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

ما أجملهم هؤلاء الأطفال وهم يتراكضون من كل جانب، يلعبون ويمرحون، يدخلون الملاهي، يلعبون في الألعاب والسيارات الكهربائية، يصرخون وينادون أمهاتهم فرحين مامي... مامي...والأم من بعيد تضحك مبتسمة... سعيدة هي برؤية البسمة على وجه أطفالها.

على الوجه الآخر من الصورة أطفال يركضون أيضاً... ولكنهم لا يركضون فرحاً إنما يركضون فزعاً، فالقذائف العنقودية لا توفر أحداً، لا تميز بين رجل وامرأة، بين شاب وطفل، هي غالباً ما تقع خطأً... تأخذ الأطفال من أمهاتهم، وتحرم الأم أو الطفل من أحلى كلمة في الوجود... أماه.

 

انظر، انظر... ماذا هناك؟ قالها طفل لأخيه وهو يشير إلى شيء يلمع في زاوية الشارع، يظهر كأنه قلم رصاص...

- قلم رصاص، يا غبي، ومنذ متى يدخل إلى بلدنا قلم رصاص...

-اسكت سمعت أن الأمريكان يريدون أن يدخلونا إلى المدارس... يعني سيعطوننا أقلام رصاص... وسيدفعون لنا الأقساط التي لم يستطع بابا أن يدفعها... لعلهم قد بدأوا بإعطائنا قلم الرصاص... ثم بعد ذلك يدخلوننا إلى المدرسة... اقترب لنر...

- أوه... انظر... يا لجمالها، علب عديدة، اسمع... سآخذ أكثر من علبة وأنت أيضاً، نأخذ أربعة، اثنين لنا واثنين لأخواتنا، ما رأيك؟

- لا مانع... هيا...

- إياكم أن تلمسوه... سمع الأطفال صراخاً من خلفهم!

إنهم شبان الحي الذين نذروا أنفسهم للدفاع عن شارعهم الذي ترعرعوا ونشأوا فيه... رأوهما من بعيد مجتمعان أرضاً، أدركوا أن الطفلين قد عثرا على شيء لفت انتابهما... أسرعوا كي ينقذوهما مما يمكن أن يكون قذائف محبة... خفية أرسلها لهم من يريد أن يدخلهم المدارس...

-إنها ليست أقلام إنها قذائف.. اتركوها... عودا إلى البيت...ألم تسمعا دوي صفارات الإنذار...

-أسرع الطفلان إلى بيتهما... وقد أصيبا بأول صدمة من تلك القوات التي تقول أنها تحبهما وتريد أن تدخلهما إلى المدرسة...

دخل الطفلان إلى بيتهما الصغير...

- أين كنتما سألتهما أمهما، ألم أقل لكما ألا تغادرا البيت...

اشتد القصف ضراوة... فأخذت الأم تنظر إلى طفليها تهز رأسها وكأنها تريد أن تثبت لهما صحة كلامها... ألم أقل لكما؟

-هس... اسمعوا يظهر أن القصف يقترب؟ قالها الوالد وهو يركز السمع...

-لا تخف يا أبي، إن هذه القوة قوة عظمى... لا تخطئ هي تصيب مواقع محددة سابقا...

يا رب... ا...ستر... م...ا هذا ؟

......

 

-أمي، أبي، أين أنتما... ما هذا الذي يوجد على صدري... آه... أنقذوني... أين أنا...

- لا عليك، يا حبيبي، أنت هنا في المستشفى... أنا جارتكم... ألا تذكرني...

- أم محمود، أين أنا، أين أمي وأبي، أريد أخي أين هو؟... أين يديّ، من أخذ لي يديّ...

- لا عليك يا بني، ستأتي أمك بعد قليل، لا تقلق... وانطلقت المسكينة إلى خارج الغرفة تبكي وتتنهد، وتقول لزوجها: ماذا أقول له، لم يبق أحد من عائلته حياً، كيف أقولها له، بالله عليك... كيف؟...

- اسمعي... لدي فكرة، سأكتب لك رسالة تعطيها إياه على أن تقولي للطفل إنها من أمه، ما رأيك؟

- كما تريد...

عادت المرأة بعد فترة إلى الغرفة، كان الطفل يحملق في الجو، عيناه مسمرتان على الحائط، دمعة صغيرة تقف على باب العين تأبى أن تخرج.... عندما دخلت المرأة نظر الطفل المسكين إلى عينيها يبحث بينهما عن الحقيقة...

-انظر يا بني ماذا أحضرت لك! إنها رسالة من والدتك، لقد اضطرت هي والعائلة إلى السفر وتركت لك هذه الرسالة مع زوجي... تريد ان أقرأها لك؟

....

- بسم الله الرحمن الرحيم

ابني الحبيب، اعتذر منك لأنني اضطرت إلى السفر قبل أن أودعك، لا تقلق عليّ، فإن سفري قد يطول، لأن الله شاء أن يأخذنا أنا ووالدك وإخوتك، وأنت تعلم أن الله إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون... لذلك لا تبك يا بني ولا تحزن على فراقنا... فإننا مهما طالت المدة فسنلتقي مجدداً... وأنت إذا أحببت أن نجتمع من جديد في جنات الخلود... فاتبع ما أقول لك خطوة بخطوة... واعلم أننا حتى لو لم نكن معك بأجسادنا، فنحن معك بأرواحنا، فابق قوياً كما عهدناك... فأنا على يقين أنني ربّيت رجلاً، لذا لست خائفة عليك... فأنت رجلي وحبيبي...

يا بني... لقد تركت لك هذه الرسالة التي أريد منك أن تحفظها وتحفرها في قلبك لتكون لك عوناً في الأيام المقبلة... أريد منك يا بني أن تكون مؤمناً، صابراً على البلاء، محتسباً للأجر على مصيبتك، مدركاً أنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.

أريد منك يا بني أن تنضم إلى صفوف المجاهدين في سبيل الله... أريد منك عندما تكبر ألا تجعل لهؤلاء الأعداء سبيلاً على أمتنا... لا تجعلهم يكررون ما فعلوه بنا اليوم... هذا يا بني لن يحصل إلا إذا قمت أنت ورفاقك بمقاتلتهم... لا تقل لي أنك اليوم عاجز... لا تملك اليدين التي تحمل بهما السلاح، فإن الله - عز وجل - حرمك اليدين ولكنه لم يحرمك العقل والقلب واللسان، فنّورهم بالإيمان وجاهد فيهم، وكن نوراً يمشي في الأرض، اجعل الشهادة هدفك، حدِّث نفسك بالجهاد... حتى إذا سُدَّت في وجهك السبل والوسائل، أجعل جسدك الحبيب قنبلة موقوتة تفجرها في وجه العدو الغاصب...

لذلك يا بني لا أريد ان أسمع أنينك... فهو يؤلمني ويسعد الأعداء، يؤلمني إذ يجعلني أعتقد أنني لم أحسن تنشئتك وتربيتك... ويسعد الأعداء لأن خوفهم الشديد هو منك، من كل طفل ناقم على من حرمه الطفولة والعائلة والبلد، من كل طفل اكتشف وهو في سن مبكرة أن أمته الإسلامية بحاجة إليه من أجل استرداد عزة هذه الأمة وكرامتها... فهل تعدني بألا تبك؟... أتعدني... لا تحزن يا بني على فقدانك ليديك، فلقد سبقتاك إن شاء الله إلى الجنة... فإذا أردت ان تلحق بهما... تعرف يا بني الطريق لذلك...

استودعك الله الذي لا تضيع ودائعه وأذكرك بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر وهما في الغار ( لا تحزن إن الله معنا ) فلا تحزن يا بني... إن الله معك...

 

أمك التي تحبك

 

- هاه... ما رأيك بهذه الرسالة ؟ هلا هدأت الآن...

- نعم... نعم، خالتي أم محمود... لماذا تكرهنا أميركا... أليس بسبب ما قالته لي أمي ذات مرة، بأننا خير أمة أخرجت للناس...

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply