كيف يحوز الداعية فقه الدعوة ؟ ( 5 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

نتناول اليوم ثلاث وسائل أساسية في تكوين الداعية بعد أن تحدثنا عن وسيلتين في العددين الماضيين

 

ثالثاً: قابلية الاجتهاد

من الشروط الأساسية في هذا الباب قابلية الاجتهاد، وهذه المسألة من أهم المسائل، كما أنه يعني حيازة فقه الدعوة في التلقي والاجتهاد وفهم كل ما يقال لك، وهي الشرط الأول، فهناك منزلة بعدها نوع من القابلية في الاجتهاد والاستنباط الذي يكون فيه الأخ الداعية غير مقلد أو جامد على ما يقال له.

وهذه المسألة شبيهة بكل أمر فيه اجتهاد، فهناك بعض العلماء تراهم اليوم عندهم علمٌ واسع لكنه علم تقليدي لا يخرج عن قول مالك أو الشافعي، فمهما توسَّعَ علمه فإنه لا يستطيع أن يشارك بالقول في مسائل جديدة استُجدت من حياة المسلمين من مشاكلٍ, كثيرة اقتصادية واجتماعية وسياسية، لا يستطيع القول لأنه افتقد هذه الحاسة الاجتهادية.

فالاجتهاد أو القابلية للاجتهاد بالأحرى، مسألةٌ أساسية وذلك للمعنى الذي كررناه هنا، فنحن نتكلم بقول مطلق نظري، فمن يأتك ليلقي الدروس فإنه يقرأ ما في الكتب، وهذه الأقوال المفروض أن تصلح لأي مكان، لكن عندما تطبق على الناس يحتاج الأمر للاجتهاد، فهنا الخروج بالأمر من الإطلاق إلى النسبية، وهذا هو الاجتهاد المُبتَغى في هذا الميدان الدعوي من الإطلاق العام إلى النسبية المتخصصة في بلد معين وفي ظروفٍ, معينة لرجال معينين، وهذا ما نقصده في هذا الباب.

 

رابعاً: القدرة على الاقتباس والتفريع

وجوهرها اقتباس المماثل والقريب واشتقاق ما يناسب الظرف المتجدد من رأي قريب أو خطط في بلاد أخرى، وهذا يخاطب به المنفذ والقائد معاً، فالقائد فيها يخطط ويضع خطة لكل القطر، وينظر للبلاد الأخرى ويقتبس منها عن طريق القياس والتفريع ما يمكن أن يقتبسه، وكذلك المنفذ يرى عن طريق القياس أشياء مماثلة، قد تكون هي البديل الأوفق لمثل هذه الحالة.

ًأيها الأخ: نحن نريدك أن تكون قائداً للطاقات. إن لم تكن قائداً لمجموعة الدعاة ووضعك إخوانك في محلك اللائق، مطلوب منك أن تكون قائداً للطاقات على المجتمع مباشرة، فكيف تستطيع ذلك إن لم تَطّلِع على المنظر الكلي للمجتمع؟

فدروس التربية، تكملهما دروس السياسة، وتُكمِّل الجميع معلومات عن واقع العالم الإسلامي الآن، وكل ذلك يتضافر لكي نُطِّل على منظر كلي لكل العمل الإسلامي بفروعه المتشعبة..من سياسة وتربية..وواقعه وتاريخه وجذوره الممتدة كشجرة، ولكن لا ترى جذورها، ونحن نحفر لك هذه الجذور الممتدة إلى الأسفل.. كيف تتشعب وكيف تعمل على إنماء هذه الشجرة.

ومن هنا فإنَّ تاريخ الدعوة لا يلقى عليكم لمجرد الاستئناس، ولا لمجرد بث الحماسة، ولا لمجرد زيادة علم وترف في المعلومات، ولكن قد تكتشفون من خلال التاريخ جذوراً كثيرة هي التي سببت جودة الثمرة أو خلافه، فما كان من جذر حسن تَقَوَّى هذا الجذر ويزيد الثمر نضوجاً، وإن كان هناك فساد في الثمرة فتكون قد عالجت الجذر فيصلُح الثمر من وقت لآخر، وبهذا نريد أن نشرح ونقول: ما الذي نعنيه من قابلية الاجتهاد التي نريدها هنا.

 

خامساً: محاورة العلماء

وهذا ضروري ولا يقل عن الأبواب الأخرى لزيادة العلم والاقتباس من محادثة العلماء، فالعالم الإسلامي فيه قادة ومفكرون ودعاة كثيرون من المجربين الذين عانوا مدة معاناة كبيرة قد تطول لثلاثين عاما ًأو أكثر من ذلك أو أقل يحملون علماً كثيراً، كما كان علي بن أبي طالب} يقول وهو يدق على صدره: \"إنَّ ها هنا علماً كثيراً، لو وجدتُ له حفظة\". (صحيح البخاري).

يدق على صدره ولكن مع الأسف.. الحفظة هم الذين خذلوا علياً} فصارت الفتن واشتعلت فلم تمكنه من بَثِّ علمه الغزير، فهناك علم كثير في صدور قادة الدعوة وفي صدور دعاة منتشرين في كل مكان، ولا تستطيع أن تأخذ منهم هذا العلم كله بواسطة كتابة ولا بالمراسلةº لأنهم لو كانوا يستطيعون الكتابة لكتبوا ووفروا عليك الجهد، فالكتابة أحياناً لا تجدُ عند الداعية وقتاً ليكتبها وأحياناً قد يكون صاحب معنى ولكن ليس له بلاغة يؤدي بها المعنى، وأحياناً يتواضع ويقول: مالي ومال الكتابة سوف أبَلِّغ علمي للأقربين مني وهم يسعون لتبليغه للأبعدين. ويتأول في ذلك تأولات مختلفة، وأحياناً هو يحوز علماً لا يدري أن هناك حاجة لبَثِّه، ولو علم أنَّ هناك من يحتاجه لبثهº كثير من المسائل التجريبية يظن أن الجميع يستوون في معرفتها، بينما هي في الحقيقة من العلم النادر، لأنه يدلي بها لا كرواية تاريخية بل محللة وفق مفاهيم الاجتهاد التي ذكرناها بتحليل وقياس ومقارنة.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply