همة نحيي بها الأمة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

وتنطلق عزائم الدعاة في رمضان تُحطم الأغلال وتَكسر القيود، وتحلق بصاحبها إلى عليين حيث الشرف والرفعة والعلو.. ولا يُعرف الداعية بأحسن من علو الهمة.. هي ديدنه وسبيله ومبتغاه، يأبى أن تحط يومًا همته، أو تنقض يومًا عزيمته، حتى إن اعتلاها الفتور والكسل فإنها زلةٌ عارضةٌ ينتفض عليها ويقلع عنها ويعود إلى ما كان عليه شامخًا عاليًا.

وكفى بالداعية عيبًا أن يرى في همته عيبًا دون أن يسعى إلى علاجه وسد رقعه وإصلاح خلله، فمثله كمثل المسافر الذي أوشك زاده على النفاد ثم هو يجاوز القفار دون أخذ الحذر واستكمال الزاد.

 

ابن القيم

ويقيِّم علو الهمة ويعرفها الإمام ابن القيم الجوزية فيقول: \"علو الهمة أن لا تقف دون الله ولا تتعوض عنه بشيء سواه، ولا ترضى بغيره بدلاً منه، ولا تبيع حظَّك من الله وقربه والأنس به والفرح والسرور والابتهاج به بشيء من الحظوظ الخسيسة الفانية، فالهمة العالية على الهمم كالطائر العالي على الطيور لا يرضى بمساقطهم ولا تصل إليه الآفات التي تصل إليه، فإن الهمة كلما علَت بعدت عن وصول الآفات إليها، وكلما نزلت قصدتها الآفات من كل مكان، فعلوٌّ همة المرء عنوان فلاحه وسفول همته عنوان حرمانه\".

 

هذا الذي نريد

وإن عجبت الدعوة بدعاة الهمم العالية فقد أصابت الخير من قمته، وذلك هو نص حديث النبي  صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (إنما الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة).. فمن يكون الرواحل إن لم نكن أنا وأنت أولهم؟!

إن همة داعية علت السحاب أفضل عندنا وعند الله من قبيلة بجدودها أو مدينة بآبائها لا يجيدون إلا فن التثبيط وعلل التفاؤل.. نحن نريد الداعية الذي تعطيه أيام رمضان ولياليه الهمة التي يرجوها..

 

فيقوم عقب الفجر بعد أن أتعبه الوقوف في قيام الليل نشطًا هُمامًا يرتل جُزأَه ويسبح بالأذكار، ثم ينطلق إلى عمله في موعده يؤديه حق أدائه، ولا يثنيه إتقانه أن يعظ هذا أو يكلم ذاك أو يدع الثالث إلى دعوته، ثم يعود من عمله إلى مسجده يتلو خاطرةَ العصر، مذكِّرًا العباد برب العباد ثم ينقلب مسبِّحًا مستغفرًا أوابًا قانتًا قبل الغروب ثم إلى بركة التراويح، يصير إمام المئات من خلفه يذكِّرهم بالله أوسط صلاته ثم إلى بيته يعود ليريح جسده عن قليل ثم إلى قيام الليل يعود آمنًا مطمئنًا راضيًا.

 

هذا الذي نريده من الدعاة وأضعافه..

أما إن لم يحركنا رمضان ويبعث فينا الهمة والعزيمة صرنا كما يصف الشافعي:

إني رأيت وقوف الماء يفسده *** إن ساح طاب وإن لم يجر لم يطلب

والأُسد لولا فراق الأرض ما افترست *** والسهم لولا فراق القوس لم يصب

والشمس لو وقفت في الفلك دائمة *** لملها الناس من عجم ومن عرب

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply