ذهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى منازل بني النضير وهم قبيلة عظيمة من اليهود كانوا يسكنون على بعد ميلين من المدينة على مقربة من قباء ليستعين بهم في دية القبيلتين للذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري في بئر معونة .
فلما أتاهم الرسول أظهروا الرضا ورقوا في الكلام ووعدوا بخير ولكنهم في الحقيقة أضمروا الغدر والاغتيال, وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاعداً إلى جنب جدار من بيوتهم فقال بعضهم لبعض: إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه فمن رجل يعلوا هذه الميت فيلقى عليه صخرة فيريحنا منه، وصعد رجل ليلقي عليه الصخرة وكان رسول الله في نفر من أصحابه فيهم أبو بكر وعمر وعلى، وأتى رسول الله الخبر من السماء بما أراد القوم فقام وخرج راجعاً إلى المدينة فلما إبطا قام أصحابه في طلبه فأخبرهم الخبر من اعتزامهم الغدر به، أمر الرسول بالتهيؤ لحربهم .
وقبل أن يسير أرسل لهم محمد بن مسلمة الأنصاري يقول لهم: \"إن رسول الله أرسلني إليكم أن اخرجوا من بلادي لقد نقضتم العهد الذي جعلت لكم بما هممتم به من الغدر بي لقد أجلتكم عشراًِ فمن رئي في المدينة بعد ذلك ضربت عنقه\" فتملكتهم الحيرة البالغة وبدأ القوم يستعدون الرحيل وبينما هم في حيرتهم يتجهزون إذ جاءهم رسول من قبل عبد الله بن أبي بن أبي سلول يقول لهم: أن اثبتوا وتمنعوا فإنا لن نسلمكم إن قوتلتم قاتلنا معكم وإن خرجتم خرجنا معكم.
فأغراهم هذا الوعد وتأخروا عن الجلاء وانتهت مدة الإنذار التي حددها الرسول لهم فأمر الرسول بقتالهم فتحصنوا منه في الحصون.
وحاصرهم الرسول ست ليال ثم أمر بقطع نخيلهم وحرقها ليكون ذلك ادعى لتسليمهم فنادوه \"أن يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد وتعيبه على من صنعه فما بال قطع النخيل وحرقها\" فنزل قول الله - تعالى -: {مَا قَطَعتُم مِّن لِّينَةٍ, أَو تَرَكتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذنِ اللهِ وَلِيُخزِيَ الفَاسِقِينَ}سورة الحشر آية 5
ومضت الأيام ولم يصل إليهم من عبد الله بن أبي مساعدة فتسرب اليأس إلى قلوبهم وقذف الله في قلوبهم الرعب فسألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجليهم ويكف عن دمائهم علي أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم أمتعتهم إلا السلاح فقبل الرسول ذلك وصار اليهود يخربون بيوتهم بأيديهم كيلا يسكنها المسلمون ولينقلوا ما استحسنوه منها.
وجلا اليهود عن المدينة فمنهم من خرج إلى خيبر, ومنهم من سار إلى الشام إلا رجلين منهم أعلنا إسلامهما يومئذ, فبقيت لهما أموالهما ولم يخرجا مع المخرجين.
وقسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أفاء الله به عليه مما تركه بنوا النضير بين أصحابه من المهاجرين الأولين دون الأنصار إلا أن سهل بن حنيف وأبا دجانة سماك أبن خرشة ذكرا فقرا فأعطاهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
أثر جلاء بني النضير:
لقد أتم الله نعمته على المسلمين بهذا النصر العظيم وتخلص المسلمون من وكر من أوكار التآمر والمكيدة والخداع في يسر وسهولة وبذلك ضعف اليهود المقيمون حول المدينة وكان ضعفهم بلا شك يؤدي إلى إضعاف العنصر الثاني المعادي للرسول وهم المنافقون وكذلك أفاء الله على المسلمين ما تركه بنو النضير من أرض ومتاع قسمها الرسول على المهاجرين وفقراء الأنصار فرفع المهاجرون عن كاهل الأنصار بعض العبء وكان للسلاح الذي غنمه المسلمون أثره في قوة المسلمين واشتداد بأسهم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد