أوهام عشنا بها ولها


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

لا أحد يشكك في أن حصيلة التحرك المنهجي الواعي تفوق ما يتمخض عن السير العفوي الطارئ من مردود. وإن بناء المؤسسات القوية التي تخضع لموازين الفقه الدعوي في عطائها الفكري أو السياسي أو الإعلامي أو العلمي أو الاقتصادي أو.. عملية شاقة مركبة من مجموعة أجزاء ومهام وقابليات. لذا، فإن تعثر عدد من المشروعات والأفكار في بداياتها، إنما مرده في بعض جوانبه إلى غياب خطة عمل واضحة وتحرك منهجي واعِ، كم من مشروع ومؤسسة ظهرت ولا زالت قائمة إلى الآن، لكن ينقصها التأثير والفاعلية، أو أنها ولدت مشوهة، لأن حضور القائد الفذ العالم البصير في مخيلتنا حجب عنا عجزنا وضعفنا وعوضنا عاطفيا عن حالة الفشل المؤسسي. إننا ننتقد التنظيمات الإسلامية في سياساتها الداخلية والخارجية وندين جمودها الفكري، وهذا حق كل ناقد بصير غيور، لا ننازعه فيه، ولكن عندما نواجه الواقع والجمهرة بمشروع أو مؤسسة نتلبس ببعض ما كنا ندين به الغير.  ولعلنا بهذا نكتشف سرَ قصور كثير من الجهود لتجميع القابليات وأهل الرأي والعلم والخبرة وتركيب أجزاء الخير وإطلاقها، إنه التعويل على \"القائد الفذ\" الملهم (أو ما يقوم مقامه من \"المدينة الصامدة\" و\"الملحمة الرائعة\" أو أسماء تركت أثرا نصنع منها الخط الفاصل والمتنفس \"الأوحد\" والخير \"المطلق\")، ونعلق الأماني عليه، ويكفي وجوده بيننا ليعوض نقص الطاقات والعقول، وهذا وهم تحول إلى مرض نفسي، أقعدنا عن الإبداع والتميز ضمن عمل تجميعي هادئ موزون، في انتظار إنجازات رجل الملحمة الذي جمع خصال الخير وفنوع العمل وأحاط بالمهارات، وبهذا نكون قد خدعنا أنفسنا ووضعنا هذا القائد الملهم أو ما يقوم مقامه في مخيلتنا- في ورطة!. وكثيرا من أعمالنا ينقصها العمق والدراية وأهل التخصص، لأننا لا نفكر في المشروع المؤسسة وإنما نختزل المشروع والفكرة في شخص بعينه نبرز تصريحاته ونتناقل مقالاته ونعدَ خطواته ونحصي إنجازاته البطولية، ونكون بهذا قد ملأنا فراغا نفسيا وركنا إلى الاتكالية وعطلنا حواسنا وطمسنا الخير والحق الذي أودعه الله فينا ووهبنا عقولنا إلى القائد. والغريب أن هذا ليس مرده إلى غياب الهمة وروح العطاء والبذل، فهذا متوفر ويزخر به مجتمع الدعاة بنسب كبيرة، ولكن في استيعاب مفهوم القيادة والتوجيه، وأنها مؤسسة وتخصصات وتقاسم أدوار، وليس عملا فذا بطوليا يقوم به شخص مهما علا قدره ونبغ عقله. ولا تسأل عن دليل القيادة العملي أو طريقة عملها، فهذا موكول لعقل القائد واختياراته!. وفي غياب منجية في الأداء القيادي الجماعي، أو قصور العملية القيادية المركبة، تكثر صور التطابق والتماثل، ولا يستقر للقائد مشروع ولا مؤسسة، ويضعف الأداء، ولا يُؤبه بالتخصص. إن القيادة عملية مركبة موزعة على قابليات وتخصصات وقدرات، وهي عصارة فكر وحصاد رأي قبل أن تكون كتلة مشاعر وتدفق عواطف. إننا لا زلنا نعيش وهما اسمه \"رجل الملحمة\"، ومؤسساتنا ومشاريعنا لا يمكنها أن تحقق الأثر وتبدع وتتميز في عطاءاتها وأدائها المنهجي، ما لم نرسخ مفهوم القيادة الجماعية باعتبارها عملية تركيبية. والسواد الأعظم من الناس أو الجمهور مفطور على تقليد المسموع والمنظور، فإذا تفنن القائد الفذ في صنعة ولم يجبر غيرها أو تُستدرك بقيادات وتخصصات ومواقف مكملة، فإن المشهد سيكون واحدا لا يعرف التعدد، ومتماثلا لا يعرف الاختلاف والمغايرة. وأمامنا عبر من التاريخ: كان الوليد بن هشام صاحب ضياع واتخاذ مصانع، فكان الناس يتساءلون في زمانه عن لينيان الضياع والمصانع. ولما وُلي عمر بن عبد العزيز، كان الناس يتساءلون، كم تحفظ من القرآن الكريم، وكم وردك كل ليلة، وكم تصوم من الشهر. وفي واقعنا المعاصر: كان الناس إذا أصبحوا في زماننا وتلاقوا، تساءلوا: هل من مقال جديد، وهل قرأت ما كتبه فلان في موقعه ومنتداه. وهل من مبادرة جديدة ومشروع خرج به علان على جمهوره، وهل ثأرت حماس لقيادييها، وكيف للفلوجة أن تهادن؟!.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply