التجار والاستثمار


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

في نفوس كثير من المسلمين حب الخير، ولديهم رغبة صادقة في نصرة الدين، ومساعدة المسلمين، وبعض أهل النعمة والثراء من تجار المسلمين، عندهم مسابقة إلى الخيرات، وتنافس في شتى المجالاتº من إعانة للفقراء، وكفالة للأيتام، ومساعدة للغارمين، ودعم للمجاهدين، مع بناء المساجد، وتشييد المعاهد، وكل ذلك من أبواب الخير العظيمة، التي تحظى بتفاعل كبير من غالبية المسلمين، وخاصة في القضايا التي تتجسد فيها صور المعاناة من إزهاق الأرواح، وإراقة الدماء، وتدمير المنازل، وتهديم المساجد، وممارسة التعذيب، والعمل على التجهيز، وقد زادت - بحمد الله - مساحة الاهتمام، والتفاعل العملي مع القضايا الإسلامية وهذه بشائر خير، وعلامات وعي، ودلائل صحوة.

ومن اللازم أن ندرك مع ما سبق أن نصرة الإسلام، ونشر رسالته ليسا مقصورين على تلك المجالات، بل هناك مجالات أخرى لا تقل أهمية عن تلك، إن لم تكن أكثر منها أهمية، ولكي تتضح الصورة، ويتعمق الوعي بهذه المسألة أقول: فلنتصور المسجد الذي أنفق على بنائه عشرات أو مئات الآلاف، وإذا بإمامه شبه أمي لا يجيد التلاوة، ولا يحسن الخطابة، ولا يتقن الفقه، ولنتصور كذلك المدرسة أو المعهد والمدرسين ثلة من أنصاف المتعلمين، الذين يهدفون إلى إنهاء بطالتهم، بعمل يجدون من ورائه لقمة العيش، وليس عندهم خبرة تعليمية، ولا ممارسة تربوية، إضافة إلى كون المناهج ضعيفة، والإعداد للبرامج والمراحل ليس له أساس علمي، ولا هدف دعوي، لا شك إذن أن هذا الإنفاق والاستثمار أصبح ضئيل المردود، محدود الأثر.

ومن هنا تبرز أهمية الاستثمار البشري، وتتجلى الحقيقة في أن الاستثمار النوعي أولى وأجدىº لأن بناء الإنسان أعظم من تشييد البنيان، فلو أننا أعددنا طالب العلم الداعية الفعال، فإنه يمكن أن يؤدي في مجتمعه رسالة المسجد في مصلى متواضع مفروش بالحصير، إذ سيحيى الإيمان في قلوبهم، ويغذيهم بالعلم والمعرفة، ويربيهم على الاستقامة، والالتزام، ويعودهم على التضحية والتعاون، وإذا لزم الأمرº فإنه سيكون الرائد لتشجيعهم على الإنفاق، في بناء المسجد وغيره، مما يكون له نفع ظاهر، ودور حيوي في حياة الفرد والمجتمع، ومثل هذا لو أننا أنفقنا الأموال على نفر من أهل الدعوة والعلم، ليخرجوا عصارة فكرهم وعلمهم، في صورة مناهج تعليمية أو رسائل تثقيفية، أو خطط دعوية، لكان لهذا مردود عظيم على المدى القريب والبعيد.

إنك تحتاج إلى جهد كبير، عندما تخاطب التاجر المسلم، ليتبرع لبناء مسجد، أو إغاثة المنكوبين، أو إعانة المحتاجين، ولكنك ستحتاج إلى الجهد، وحسن العرض ولباقة الإقناع إذا أردت دعوته للتبرع لكفالة داعية، أو منحة طالب في مجال علمي أو شرعي، أو دعم لأنشطة ثقافية دعوية، من ندوات ومؤتمرات برغم ما لهذه المجالات وأشباهها من فوائد عظيمة، تسهم في علاج تلك المشكلات التي تعاني منها الأمة المسلمة، ولعل من أسباب ذلك الميل أن هذه الأمور ليست من مصارف الزكاة إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن هناك قولاً لأهل العلم يدخل تلك الأعمال في مصارف الزكاة تحت بند [وفي سبيل الله مع الجهاد والحج] وقد صدرت بتأييد هذا الرأي فتوى بالإجماع عن المجمع الفقهي، التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، ومثلها من اللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة، وذلك يعضد أهمية الاستثمار في التأهيل العلمي، والنشاط الدعوي.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply