نبغض الباطل ونشفق على أهله


بسم الله الرحمن الرحيم

 

 إنها مسألة دقيقة جداً، ربما يصعب إدراكها على كثير من الدعاة والصالحين وغيرهم، إذ يخلط كثير من الناس بين الباطل وفاعله، مما يجعلهم يعادون المقصرين وأصحاب المعاصي إلى درجة كبيرة، وينزعون من قلوبهم الشفقة والرحمة، بل ربما تجدهم يشهرون بهم يسدون أمامهم أبواب التوبة والإنابة، أو لا يكونوا سبباً في محبة هؤلاء العصاة للتوبة والعودة إلى الله - عز وجل -.

 

إن على الداعية أن يبغض الباطل وينكره وينهى عنه، ولكنه رفيق شفيق رحيم بالمسلمين، يدرك أن كل ابن آدم خطاء، وأن الشيطان يزين الفساد والانحراف، ويذكي الشهوة المحرمة في نفوس الناس، فيقع بعضهم في المعصية.

 

وربما نجد كثيراً من العصاة لا يحبون المعصية، ولكنهم ضعاف الإرادة لا يستطيعوا أن ينفكوا عنها، لذا يحسن بالداعية أن يرفق بهؤلاء، وأن يأخذ بأيديهم إلى طريق الحق - سبحانه وتعالى - وأن يشعرهم أنه يريد لهم الخير، ويحب لهم الصلاحº لأن ذلك أدعى لقبولهم دعوة الداعي. ولو أنهم شعروا أن الداعية يبغضهم ويكرههم لكرهوا هذا الداعية ورفضوا ما جاء به من الحق.

 

تأمل معي قصة أبي الدرداء - رضي الله عنه - الذي يرويها الإمام ابن قدامة المقدسي - رحمه الله - حيث مرّ أبو الدرداء على رجل قد أصاب ذنباً والناس يسبونه، فقال: أ رأيتم لو وجدتموه في قليب ألم تكونوا مستخرجيه؟ قالوا: بلى، قال: فلا تسبوا أخاكم، واحمدوا الله الذي عافاكم، فقالوا: أفلا نبغضه؟ فقال: إنما أبغض عمله، فإذا تركه فهو أخي.(1).

ومرّ فتى يجر ثوبه على صلة بن أشيم - رحمه الله -، فهمّ أصحابه أن يأخذوه بألسنتهم أخذاً شديداً، فقال صلة: دعوني أكفكم أمره، ثم قال: يا ابن أخي، إن لي إليك حاجة، قال: ما هي؟ قال: أحب أن ترفع إزارك، قال: نعم ونعمى عين،(2) فرفع إزاره، فقال صلة لأصحابه: هذا كان أمثل مما أردتم، فإنكم لو شتمتموه وآذيتموه لشتمكم.(3).

 

إننا بحاجة أن نحمد الله على نعمة الصلاح والهداية، وفي نفس الوقت ينبغي علينا أن نشفق على أهل المعصية من المسلمين، وأن نعمل على إيصال الخير الذي نحن فيه إليهم، وأن ندعو الله أن يهديهم، مع بغضنا للباطل وكرهنا كل عمل يعصى الله فيه.

 

ـــــــــــــــــــ

1) أحمد ابن قدامة المقدسي، مختصر منهاج القاصدين، مكتبة دار البيان، دمشق، 1978، ص 130.

2) أي قرة عين، يعني أقر عينك بطاعتك واتباع أمرك.

3) المرجع السابق، ص 130

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply