الوسطية تبدأ من العقيدة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 مما لا شك فيه أن الدعوة والتنادي إلى عقد المؤتمرات والندوات لتفعيل قضية الوسطية، أمر محمود وسعي للخير مشهود، وله جوانبه المثمرة الطيبة في مجتمعات المسلمين.

لكن الاقتصار في إظهار الوسطية على جوانب معينة، وقضايا مخصوصة، سعيا وراء التقريب بين مختلف الطوائف ذات التعدد العقدي والفكر المتباين وفق كلام إنشائي بعيد عن فهم سلف الأمة من الصحابة والتابعين لأمر غير سديد، وله عواقب غير محمودة مستقبلا في الحياة والدين. ونستكمل فيما يلي ما بدأناه في الحلقة الماضية.

الدعـوة إلى الاستقـامة ولزوم الأمـر، وعـدم الغلـو والزيـادةº فالله - تعالى -يأمر بالاستقامة والوسطية التي هي الاعتدال.

والمقصود بالوسطية: الاعتدال، قال - تعالى -: <وَكَذَلِكَ جَعَلنَاكُم أُمَّةً وَسَطًا>، أي: عدلاً، وما عدا الوسط فأطراف داخله تحت الخطر.

والمقصود بالغلو: مجاوزة الحد في التعبد والعمل والثناءº قدحاً أو مدحاً. قال الله - تعالى -: \"يَا أَهلَ الكِتَابِ لاَ تَغلُوا فِي دِينِكُم وَلاَ تَقُولُوا عَلَى اللّهِ إِلاَّ الحَقِّ\".

فينهى الله - تعالى -أهل الكتاب عن الغلو في الدين: وهو مجاوزة الحد والقدر المشروع إلى ما ليس بمشروعº فكما أن التقصير والتفريط، من المنهيات، فالغلو كذلك.

 

- ومن بعد هذه المقدمة المهمة، أيمم شطر الحديث عن وجوب إظهار وسطية أهل السنة والجماعة في باب العقيدة، التي هي دلالة التمسك الصحيح بهدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفق فهم خير الأمة وهم الصحابة - رضي الله عنهم -، حذرا من الوقوع في الغلو الكلي الاعتقادي وهو: ما كان متعلقاً بكليات الشريعة الإسلامية، وأمهات مسائلها.

 

- فالغلو الكلي الاعتقادي أشد خطراً، وأعظم ضرراً من الغلو العملي، إذ الغلو الكلي الاعتقادي هو المؤدي إلى الانشقاقات، وهو المظهر للفِرق والجماعات الخارجة عن الصراط المستقيم، وبالمثال سيتضح المقصود بالمقال، وهو كيف نحقق الوسطية الحقّة الصحيحة في جانب عقيدتنا مع الله - سبحانه -؟

 

- فمن أنواع الغلو في العقيدة، ووسطية أهل السنة والجماعة فيه:

أ - جانب أسماء الله وصفاته:

 فأهل السنة وسطٌ فيهما بين أهل التعطيل، وأهل التمثيل -التشبيه-، فأهل التعطيل غالوا في التنزيه وأخذوا نصف الدليل، وهو قوله - تعالى -: \"لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ \" فقط، حتى أن غلاتهم كالجهمية لم يثبتوا لله صفة، فهم ينكرون جميع صفات الله.

وأهل التمثيل -التشبيه- الذين غالوا في الإثبات، وأخذوا نصف الآية الآخر <وهو السميع البصير> نراهم يثبتونها لكن عن طريق تشبيه الخالق بالمخلوق.

 

- وأما أهل السنة والجماعة فإنهم أخذوا بجميع الآية: \" لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ \"، فهم ينـزهون الله عن مشابهته لخلقه، مع إثباتهم لصفاته - تعالى -على الوجه اللائق به - سبحانه -، ومبتعدين عن أولئك الذين أخذوا جزءا من فهم أهل التعطيل، فنفوا صفات ثابتة لله - سبحانه - بالدليل الشرعي خشية الوقوع بالتشبيه، فنفوا صفات الفعل -الصفات الاختيارية- لله خوفا من مشابهته - سبحانه - لخلقه وذلك من باب التأويل العقلي الفاسد، فتراهم فروا من شيء فوقعوا في شر منه.

- فأهل السنة يثبتون ما أثبته الله لنفسه في كتابه الكريم، أو بما جاء في سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - الصحيحة بلا سؤال عن كيف، أو توهم تمثيل، أو إرادة تشبيه، وبعيدا عن التأويل لأنه أداة وسبيل التعطيل، فيقولون - على سبيل الذكر لا الحصر -: إنه - سبحانه - ينزل إلى السماء الدنيا نزولا يليق به - سبحانه -، مثلما أخبرت به النصوص الصحيحة، من غير تشبيه له بخلقه، أو تكييف لهذا النزول الإلهي منه - سبحانه -، ولا يقولون متأولين أنه نزول الرحمة والثواب، وهذا الاعتقاد يسري في بقية الصفات الفعلية لله - سبحانه - مثل المجيء والإتيان وغيرهاº لأنه - سبحانه - العلي الأعلى، وهو فوق السموات ولا يحيط به شيء.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply