منهج أهل السنة والجماعة في النقد والحكم على الآخرين


بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 قواعد عامة في الحكم على الآخرين .

 

القاعدة الأولى : الخوف من الله عز وجل عند الكلام في الآخرين .

حرم الله سبحنه وتعالى الغيبة في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم قال تعالى \" ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه \" وقال صلى الله عليه وسلم \" أتدرون ما الغيبة ؟ قالوا الله ورسوله أعلم . قال ذكرك أخاك بما يكره . قيل : فإن كان أ فرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته , وإن لم يكن فقد بهته \" وفي السنة وعيد شديد لمن ارتكب معصية الغيبة دل على ذلك الأحاديث الواردة في هذا السياق .

ووردت آثار كثيرة عن السلف تبين خوفهم الشديد من الوقوع في الغيبة , من ذلك ما قاله البخاري رحمه الله تعالى حي قال : \" أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحدا \"

 

القاعدة الثانية : تقديم حسن الظن بالمسلم .

والأصل في هذه القاعدة هو قوله تعالى \" يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا \" الآية .

والمسلم أمره – في الأصل – قائم على الستر وحسن الظن به كما دلت عليه النصوص الواردة .

 

القاعدة الثالثة : الكلام في الناس يجب أن يكون بعلم وعدل وإنصاف .

والأصل في هذه القاعدة قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون }

يقول ابن تيميه رحمه الله تعالى : ( الكلام في الناس يجب أن يكون بعلم وعدل , لا بجهل وظلم كحال أهل البدع ) .

وبهذا لا يجوز للإنسان أن يتكلم في غيره إن احتاج إلى ذلك شرعا إلا بعلم وعدل وإنصاف , وإلا فإنه يعتبر مخالفا لنصوص الكتاب والسنة ولمنهج السلف الصالح , كما يعتبر سببا من أسباب تفريق الصف المسلم بإثارة الشحناء والبغضاء في النفوس .

 

القاعدة الرابعة : العدل في وصف الآخرين .

وهي جزء من القاعدة السابقة ولأهميتها أفردت في الذكر , والأصل في هذه القاعدة قوله تعالى : {ولا تبخسوا الناس أشياءهم } , والمقصود بالعدل في وصف الآخرين : هو العدل في ذكر المساوئ والمحاسن والموازنة بينهما . وكمثال على هذه القاعدة نذكر قول الإمام الذهبي رحمه الله في الجاحظ وهو أديب معتزلي ومع ذلك قال عنه ( العلامة المتبحر ذو الفنون .. وكان أحد الأذكياء .. وكان ماجنا قليل الدين له نوادر ) . على فمنهج الذهبي منهج علمي دقيق وهو عين منهج أهل السنة والجماعة في أحكامهم على غيرهم .

 

القاعدة الخامسة : العبرة بكثرة الفضائل .

فإن الماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث , فمن غلبت فضائله هفواته اغتفر له ذلك , وقد قال ابن رجب رحمه الله في ذلك ( والمنصف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه )

 

القاعدة السادسة : العدل في المفاضلة بين الناس .

والأصل في هذه القاعدة قوله تعالى { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } وقول الرسول صلى الله عليه وسلم عندما سئل : أي الناس أكرم ؟ قال : ( أكرمهم عند الله أتقاهم ) .

والتفضيل بين الناس يكون مطلقا ومقيدا , فالمطلق يكون على أساس التقوى والمقيد بحسب قيده .

وقاعدة السلف تنص على ألا نقدم إلا من قدمه الله ورسوله ولا نؤخر إلا من أخره الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .

 

القاعدة السابعة :المنهج الصحيح في الحب والبغض .

والأصل في هذه القاعدة قوله تعالى : {{ وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم }} فالإنسان يحب على قدر ما فيه من موافقة للشرع ويبغض على قدر ما فيه مخالفة للشرع .

 

 

قواعد عامة لمن يبلغه جرح في غيره .

 

القاعدة الأولى : النظر في حال الجارح .

والأصل في هذه القاعدة قوله تعالى {{ يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ..}} الآية .

فإن الله تعالى بين أن التثبت في خبر الفاسق واجب , وهذا يدل على أول شيء قبل التثبت من الخبر هو النظر في حال صاحبه هل هو عدل أم فاسق ؟

 

القاعدة الثانية : التثبت من الأخبار .

وهذه القاعدة أصل عظيم في تلقي الأخبار والرواية والعمل بها والأصل فيها هو قوله تعالى {{ يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين }}

يقول العلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية ( وقد دلت هذه الآية من سورة الحجرات على أمرين : الأول منهما أن الفاسق إن جاء بنبأ ممكن معرفة حقيقته وهل ما قاله في الفاسق حق أو كذب فإنه يجب فيه التثبت

والثاني : هو ما استدل عليه بها أهل الأصول من قبول خبر العدل ) مفهوم مخالفة –

 

القاعدة الثالثة :رد الغيبة على المغتاب .

ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((من ذب عن عرض أخيه بالغيبة , كان حقا على الله أن يعتقه من النار ))

والسلف رضوان الله تعالى عليهم كانوا يعملون على رد الغيبة على المتكلم , من ذلك ما ذكر عن إبراهيم ابن أدهم رحمه الله تعالى \" أنه أضاف أناسا فلما قعدوا على الطعام جعلوا يتناولون رجلا فقال إبراهيم : إن الذين كانوا قبلنا كانوا يأكلون الخبز قبل اللحم وأنتم بدأتم باللحم قبل الخبز \"

 

القاعدة الرابعة : كلام الأقران يطوى ولا يروى .

وهذه قاعدة قررها جمهور السلف رضوان الله عليهم يقول ابن عباس رضي الله عنه \" خذوا العلم حيث وجدتم ولا تقبلوا قول الفقهاء بعضهم على بعض فإنهم يتغايرون تغاير التيوس في الزريبة \"

والقاعدة في ذلك أن المسلم إذا بلغه قدح في إخوانه وبان أنه من قبيل كلام الأقران فإنه يجب عليه أن يرده ولا يلتفت إليه .

 

 

قواعد عامة للمسلم مع غيره .

 

القاعدة الأولى : السعادة في معاملة الخلق .

والسعادة في معاملة الخلق تكون نابعة عن النية الصحيحة في معاملتهم , فكل تعامل وشعور نحوهم إذا بنية خالصة لله تعالى , وعلى يقين من أمر الله تعالى فإنه يجد السعادة في معاملتهم .

 

القاعدة الثانية : حال الإنسان مع غيره إذا لاقاه .

يقول عبد الرحمن بن مهدي : كان يقال ( إذا التقى الرجل الرجل فوقه في العلم فهو يوم غنيمته , وإذا التقى من هو مثله دارسه وتعلم منه , وإذا التقى من دونه تواضع له وعلمه , ولا يكون إماما في العلم من حدث بكل ما سمع , ولا يكون إماما من حدث عن كل أحد , ولا من يحدث بالشاذ والحفظ للإتقان )

 

القاعدة الثالثة : معاملة من أخطأ في طلبه للحق .

يقول الله تبارك وتعالى (( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين ))

 

القاعدة الرابعة :ذكر الناس داء وذكر الله دواء .

قال الذهبي : ( إي والله , فالعجب منا ومن جهلنا كيف ندع الدواء ونقتحم الداء ؟؟)

وقد ثبت في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم (( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ))

 

القاعدة الخامسة : إعطاء كل ذي حق حقه .

وهي قريبة من قاعدة العدل في وصف الآخرين , ولكن ههنا المراد منها الاقتصار على بيان ما يتميز به كل إنسان عن غيره فقد يبرع أحدهم في العلم والآخر في الجهاد والآخر في الدعوة وهكذا .

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply