كلمات في الالتزام 3/5


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 تنمية العلاقات مع الآخرين لمصالح دنيوية: الدخول مع الشباب الملتزم بهذا النمط من التفكير يفسد على الملتزم المبتدئ الكثير، وقد يمنعه من الاستفادة من أخلاقهم وتقواهم وعلمهم، فكم من شاب ملتزم من هؤلاء الصالحين من لا يملك من الدنيا إلا قوت يومه، ولكنه عند الله تقي نقي إذا تكلم ذكر بالله وإذا تفكر ذكر بالله، فكيف يترك مثل هذا إلى شاب آخر ضعيف الالتزام قد يساعد في حل الواجبات!! أو إلى ملتزم ضعيف الالتزام لكنه مدير لإدارة مهمة يمكن الاستفادة من منصبه!!

 

ينبغي أن تكون المؤاخاة في الله خالصة لا يشوبها ابتغاء حطام الدنيا البته. وما كان في الله اتصل وارتفع، وما كان في غيره انحط وانقطع:} الأَخِلَّاءُ يَومَئِذٍ, بَعضُهُم لِبَعضٍ, عَدُوُّ إِلَّا المُتَّقِينَ[67]{\'سورة الزخرف\'.

 

 ادعاء الكمال، والتكبر على الآخرين:

 أما ادعاء الكمال: فإنه مرض عضال يؤدي إلى بقاء المرء على عيوبه القديمة قبل الالتزام، وكيف سيطور من شخصيته وهو يزعم الكمال أصلاً؟ وكيف سيتخلص من النقائص التي تلبس بها وهو لا يراها في نفسه ويكذب من يذكره بها؟ ولذا من ابتلى بهذا البلاء فإنه وإن التزم في العبادات ونحوها إلا أنه سيخسر الكثير سواء في محبة إخوانه في الله لشخصه، أو في مجال دعوته للناس، وتحبيبهم للدين.

 

وأما التكبر على الآخرين: فعاقبته كما جاء في الحديث عنه:\" لَا يَدخُلُ الجَنَّةَ مَن كَانَ فِي قَلبِهِ مِثقَالُ ذَرَّةٍ, مِن كِبرٍ,\" رواه مسلم، فترى المتكبر، وإن كانت عاطفته جيدة نحو الملتزمين إلا أن مرضه القلبي يمنعه من مخالطتهم، ويعيقه عن سؤالهم فيما يجهله، وعلى هذه الحال كيف سيرتقي بالتزامه؟!

 

الأنانية، وحب الذات:مثل هذه الخصلة المقيتة تمنع من صفاء الإخاء، وتشحن في النفوس الضغائن، فيحصل الجفاء، وهذا يصعب على النفس، وقد يؤدى هذا الأمر بالشاب الملتزم المبتدئ إلى اعتزال الملتزمين والابتعاد عن مجالسهم. ولو عالج هذا المرض في نفسه ابتداءً لما بلغ ما بلغ إليه.

 

الكذب والخداع: لا أجد في بيان خطورة الكذب أبلغ من بيانه r، فلقد قال - عليه الصلاة والسلام -:\'...وَإِنَّ الكَذِبَ يَهدِي إِلَى الفُجُورِ وَإِنَّ الفُجُورَ يَهدِي إِلَى النَّارِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكذِبُ حَتَّى يُكتَبَ عِندَ اللَّهِ كَذَّابًا\' رواه البخاري ومسلم. فالكذب أيًا كان حجمه له عاقبته الوخيمة على الشاب الملتزم المبتدئ فضلاً عن غيره ومن أمثلة الكذب، أن يظهر المبتدئ أمام إخوانه في الله على أنه غني من الأغنياء، أو متفوق من المتفوقين، أو يظهر للغير أنه قائم بواجباته الأسرية مع والديه، أو تجده يعطي انطباعًا عن نفسه أنه قوي الالتزام، أو ذو علم شرعي، فينخدع به أحبابه ويتعاملون معه بحسب ظاهره الكاذب، ثم لا يلبث أن يسقط قناعه ويظهر ضعفه وجهله، ولو أنه أعلن حقيقته وتواضع لغيرهº لنصحه إخوانه، وكملوه وجبروا نقصه وهو المستفيد الأول. أما المظهرية الكاذبة فيعيش معها الرضي والغرور لأيام أو شهور، ثم تنكشف له الأوراق بأنه هو الخاسر الوحيد.

 

وشوائب النفس كثيرة وبقاؤها يعنى وجود بذرة سوء قد تنمو فتحطم الإيمان وتزلزله، أما تصفية النفس عن شوائبها ونزعها من أصلها فيعني الراحة والإطمئنان والثبات على الالتزام.

 

 

 

 أما أسباب المعاصي فلا شك في خطورتها على الملتزم ولو كان من غير المبتدئين ولذا ينبغي التخلص منها وتجنب سبلها، ومن أمثلة ذلك:

* تجنب مجالسة رفقاء السوء.

 

* التخلص من آلات اللهو.

 

* التخلص من المجلات الهابطة، والصور الفاتنة، والأفلام السيئة.

 

* مقاطعة الأماكن التي تذكر المرء بذنوبه، ومعاصيه السابقة.

 

* التخلص من الروايات والدواوين الهابطة.

 

* تجنب فتنة النساء.

 

* الابتعاد عن الكتب الفكرية الملوثة بالتغريب والتخريب.

 

* تجنب الخلوة التي تثير الوساوس، وتحرك الغرائز.

 

ومما يعين في تجنب أسباب المعاصي أمور:

* مرافقة الصحبة الصالحة.

 

* الانشغال بالواجبات الشرعية، أو المباحات النافعة.

 

* النظر في آثار المعاصي على أهلها، وفي ذلك رسائل منها:\'آثار المعاصي\' للشيخ محمد العيثمين.، و\'المعاصي وأثرها على الفرد والمجتمع\' لـ حامد محمد المصلح.

 

* التنبه لمكائد الشيطان وسبل إغوائه، ومن الرسائل الجامعة في هذا الموضوع: \'تلبيس إبليس\' لابن الجوزي. \'مكائد الشيطان\' لـ عبد الحميد البلالي.

 

الجانب الثاني: تربية النفس وتزكيتها: على ما يرضي الله، ومفارقة الهوى، قال ابن حزم - رحمه الله -: \'قول الله - تعالى -:} وَأَمَّا مَن خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفسَ عَنِ الهَوَى[40]فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأوَى[41]{\'سورة النازعات\'. جامع لكل فضيلةº لأن نهي النفس عن الهوى هو ردعها عن الطبع الغضبي، وعن الطبع الشهواني، لأن كليهما واقع تحت موجب الهوى، فلم يبق إلا استعمال النفس للنطق الموضوع فيها، الذي به بانت عن البهائم والحشرات والسباع\'.

 

والشاب الملتزم يتكامل في تربية نفسه، فلا يهتم بجانب، ويلغي الجوانب الأخرى، فجوانب التربية مكمل بعضها بعضًا.

 

جوانب التربية:

أولاً: التربية الإيمانية: ونعنى بهذه التربية: أن يداوم العبد على تقوية صلته بالله، فيعمل على مرضاة الله في كل وقت بما هو مقتضى ذلك الوقت ووظيفته، وخير مثال لذلك: ما جاء عن أبي بكر - رضي الله عنه -، فَعَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -:\' مَن أَصبَحَ مِنكُم اليَومَ صَائِمًا\' قَالَ أَبُو بَكرٍ, - رضي الله عنه -أَنَا قَالَ:\' فَمَن تَبِعَ مِنكُم اليَومَ جَنَازَةً\' قَالَ أَبُو بَكرٍ, - رضي الله عنه -أَنَا قَالَ:\' فَمَن أَطعَمَ مِنكُم اليَومَ مِسكِينًا\' قَالَ أَبُو بَكرٍ, - رضي الله عنه -أَنَا قَالَ:\' فَمَن عَادَ مِنكُم اليَومَ مَرِيضًا\' قَالَ أَبُو بَكرٍ, - رضي الله عنه -أَنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -:\' مَا اجتَمَعنَ فِي امرِئٍ, إِلَّا دَخَلَ الجَنَّةَ\' رواه مسلم. وبحسب قوة التربية الإيمانية في قلب الملتزم يعيش الحياة الطيبة..هذا وعد الله ولن يخلف الله وعده، قال - تعالى -:} مَن عَمِلَ صَالِحًا مِن ذَكَرٍ, أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ[97] {\'سورة النحل\'.

وبحسب صدق التربية الإيمانية يجد المرء حلاوة الإيمان، فَعَن النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:\' ثَلَاثٌ مَن كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الإِيمَانِ أَن يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَن يُحِبَّ المَرءَ لَا يُحِبٌّهُ إِلَّا لِلَّهِ وَأَن يَكرَهَ أَن يَعُودَ فِي الكُفرِ كَمَا يَكرَهُ أَن يُقذَفَ فِي النَّارِ\' رواه البخاري ومسلم. ولذلك نجد من أقوال السلف ممن عاشوا هذه التربية ما يشحذ الهمم لسلوك هذا السبيل، والمصابرة على مشقته في أول الأمر وآخره. ولذا، لا عجب أن يطلق بعض الأئمة على التربية الإيمانية أنها \'جنة الدنيا\'.

 

* قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: \'إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة\'.

 

*وقال ابن القيم - رحمه الله -: \'وكان بعض العارفين يقول: لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف\'، وقال آخر: مساكين أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها، قيل: وما أطيب ما فيها؟ قال: محبة الله - تعالى - ومعرفته وذكره.. وقال آخر: إنه لتمر بالقلب أوقات يرقص منها طربًا، وقال آخر: إنه لتمر بي أوقات أقول إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب- ثم قال ابن القيم بعد ذلك-: والخوف والرجاء والتوكل والمعاملة بحيث يكون هو وحده المستولي على هموم العبد وعزماته وإرادته، هو جنة الدنيا والنعيم الذي لا يشبهه نعيم، وهو قرة عين المحبين، وحياة العارفين\'.

 

والتربية الإيمانية تكون بأمور عديدة، من أهمها:

* مجاهدة النفس على إخلاص العمل.

 

* استشعار الخوف من الله.

 

* استشعار مراقبة الله.

 

* المحافظة على الفرائض.

 

* لبكاء من خشية الله.

 

* المداومة على تلاوة القرآن، وتحديد ورد يومي في ذلك.

 

* الدعاء والتضرع.

 

* قيام الليل وذكر الله خاليًا.

 

* الحافظة على السنن الرواتب.

 

* الحرص على صيام النافلة.

 

* المكث في المسجد وبين الصلوات.

 

* النظر في أحوال الصالحين وسير المتقين.

 

* الإطلاع على الرقائق:أحوال أهل الجنة، عذاب أهل النار، القيامة الصغرى والكبرى، الزهد في الدنيا.

 

* الصدقة وكفالة اليتيم.. إلى غير ذلك من أعمال جليلة يضيق المقام عن حصرها.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply