إلى من لم يعرف قدر الصحابة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وبعد ,,,

 

فهذه رسالة موجهة لمن لم يعرف قدر الجيل الأول قدر جيل الصحابة - رضي الله عنهم - فلعل قراءة لمرة واحدة لهذه الرسالة تنبئك عن مكانتهم.

 

ما جاء في فضل الصحابة من القرآن، وتحريم سبهم بنص الكتاب:

 

قال - تعالى -: ((لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا)) [الفتح: 18].

 

أخرج مسلم في صحيحه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد، الذين بايعوا تحتها)).

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والرضا من الله صفة قديمة، فلا يرضى إلا عن عبد علم أنه يوافيه على موجبات الرضا، ومن يرضى الله عنه لم يسخط عليه أبدا، فكل من أخبر الله عنه أنه رضي عنه فإنه من أهل الجنة.

 

وقوله - تعالى -: ((محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل …)) [الفتح: 29].

 

قال ابن كثير: ومن هذه الآية انتزع الإمام مالك - رحمة الله عليه - تكفير الذين يبغضون الصحابة - رضي الله عنهم - قال: لأنهم يغيظونهم ومن غاظ الصحابة فهو كافر بهذه الآية.

 

قال ابن الجوزي: وهذا الوصف لجميع الصحابة عند الجمهور (زاد المسير).

 

وفي قوله - تعالى -: ((للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون …. والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا إنك رؤوف رحيم)) [الحشر: 8 ـ 10].

 

عن سعد بن أبي وقاص  - رضي الله عنه - قال في تلك الآيات: الناس على ثلاث منازل: فمضت منزلتان، وبقيت منزلة واحدة: فأحسن ما أنتم كائنون عليه أن تكونوا بهذه المنزلة التي بقيت يقول: أن تستغفروا لهم.

 

أخرج مسلم عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: ((أُمروا أن يستغفروا لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسبوهم)).

 

عن مجاهد ابن عباس قال: لا تسبوا أصحاب محمد، فإن الله قد أمر بالاستغفار لهم، وقد علم أنهم سيقتتلون.

 

وقال - تعالى - : ((تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون)) فنحن أمرنا بالاستغفار لهم، ولم نؤمر بالحكم عليهم، ولا نسأل عما شجر بينهم.

 

وقال - تعالى - : ((لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى)) والحسنى: هي الجنة.

 

قال ابن حزم عن هذه الآية قاطعا بأن الصحابة جميعا من أهل الجنة لقوله - عز وجل -: ((وكلا وعد الله الحسنى)).

 

وقال - عز وجل - : ((والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان - رضي الله عنهم - ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار)).

 

وقال أيضا: ((لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم)).

 

قال - صلى الله عليه وسلم - : ((أكرموا أصحابي فإنهم خياركم)).

 

وفي رواية: ((احفظوني في أصحابي)).

 

دلالة السنة على تحريم سب الصحابة:

 

لقد دلت السنة النبوية المطهرة على تحريم سب الصحابة والتعرض لهم بما فيه نقص وحذر النبي - صلى الله عليه وسلم -  من الوقوع في ذلك لأن الله - تعالى - اختارهم لصحبة نبيه ونشر دينه وإعلاء كلمته.

 

جاءت النصوص النبوية القطعية بتحريم سبهم وتجريحهم أو الطعن فيهم والحط من قدرهم ومن تلك النصوص:

 

(1) ما رواه الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: ((لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفة)).

 

(2) روى الحافظ الطبراني بإسناده إلى عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((لا تسبوا أصحابي، لعن الله من سب أصحابي)).

 

(3) وروي أيضا بإسناده إلى ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة و الناس أجمعين)).

 

(4) روى الإمام أحمد وغيره من حديث سعيد بن زيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق)).

 

(5) روى الشيخان من حديث ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم -  قال: ((سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)).

 

(6) روى أبو القاسم الطبراني من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ساب الموتى كالمشرف على الهلكة)).

 

(7) فقد روى الحافظ الطبراني من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا ذكر أصحابي فأمسكوا، وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا وإذا ذكر القدر فأمسكوا)) أي إذا ذكر أصحابي بما شجر بينهم في الحروب فأمسكوا وجوبا عن الطعن فيهم.

 

(8) فقد روى الإمام أحمد بإسناده إلى جابر بن سمرة، قال: خطب عمر الناس بالجاذبية، فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام في مثل مقامي هذا فقال: ((أحسنوا إلى أصحابي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)).

 

من كلام السلف في تحريم سب الصحابة:

إن النصوص الواردة عن سلف الأمة وأئمتها من الصحابة ومن جاء بعدهم من التابعين لهم بإحسان التي تقضي بتحريم سب الصحابة، والدفاع عنهم كثيرة جدا، منها:

 

(1) ذكر ابن الأثير عن رزين من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: ((قيل لعائشة: إن ناسا يتناولون أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أبا بكر وعمر، فقالت: وما تعجبون من هذا؟ انقطع عنهم العمل فأحب الله أن لا ينقطع عنهم الأجر)).

 

(2) روى أبو عبد الله بن الحسن بن علي أنه قال: ((ما أرى رجلا يسب أبا بكر وعمر تيسر له توبة أبدا)).

 

(3) قال عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي: ((من شتم أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - فقد ارتد عن دينه وأباح دمه)).

 

(4) وقال بشر بن الحارث: ((من شتم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو كافر وإن صام وصلى وزعم أنه من المسلمين)).

 

(5) وقال أبو بكر المروزي: ((سألت أبا عبد الله عمن شتم أبا بكر وعمر وعثمان وعائشة - رضي الله عنهم- فقال: ((ما أراه على الإسلام)).

 

حكم ساب الصحابة وعقوبته:

اختلف أهل العلم في الحكم والعقوبة التي يستحقها من سب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو جرحهم هل يكفر بذلك وتكون عقوبته القتل، أو أنه يفسق بذلك ويعاقب بالتعزير:

(1) ذهب جمع من أهل العلم إلى القول بتكفير من سب الصحابة - رضي الله عنهم - أو انتقصهم وطعن في عدالتهم وصرح ببغضهم وأن من كانت هذه صفته فقد أباح دم نفسه وحل قتله، إلا أن يتوب من ذلك ويترحم عليه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: ((وقد قطع طائفة من الفقهاء من أهل الكوفة وغيرهم بقتل من سب الصحابة وكُفر الرافضة)) وقد استدل أصحاب هذا القول بأمور منها:

أ ـ أن سب الصحابة وانتقاصهم والطعن فيهم إيذاء لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وانتقاص له وحط من مكانته - عليه الصلاة والسلام - لأنهم أصحابه الذين رباهم وزكاهم وذكرهم بخير وأوصى بهم خيرا ومن المعلوم أن إيذاء النبي كفر فيكون سب أصحابه كفر.

ب ـ إن الطعن في الصحابة والتجريح لهم مفاده إبطال جميع أحكام الشريعة الإسلامية إذ هم نقلتها والمبلغون لها.

ج ـ إن الطعن في الصحابة يؤدي إلى إنكار ما قام عليه الإجماع ((قبل ظهور المخالف من فضلهم وشرفهم ومصادمة المتواتر من الكتاب والسنة الداليين على أن لهم الزلفى من ربهم)).

د ـ ما رواه الشيخان في صحيحيهما من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه – عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار )) ورويا أيضا: من حديث البراء بن عازب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في الأنصار: ((لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق، ومن أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله)).

(2) ذهب فريق آخر من أهل العلم إلى أن ساب الصحابة لا يكفر بسبهم بل يفسق ويضلل ولا يعاقب بالقتل، بل يكتفي بتأديبه وتعزيره تعزيرا شديدا يردعه ويزجره حتى يرجع عن ارتكاب هذا الجرم الذي يعتبر من كبائر الذنوب وفواحش المحرمات، وإن لم يرجع تكرر عليه العقوبة حتى يظهر التوبة.

واستدلوا لما ذهبوا إليه بأمور منها:

أ ـ ما رواه الشيخان من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لخالد بن الوليد وقد سب عبد الرحمن بن عوف: ((لا تسبوا أصحابي … الحديث)).

ووجه الدلالة من هذا الحديث أن سب الصحابة وقع على عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسمع ذلك، فلم يقل أن الساب كافر ولا أهدر دمه وإنما اكتفى بالنهي عن ذلك.

ب ـ إن الله - تعالى - ميز بين مؤذي الله ورسوله ومؤذي المؤمنين فجعل الأول ملعونا في الدنيا والآخرة، وقال في الثاني: ((احتمل بهتانا وإثما مبينا))، ومطلق البهتان والإثم ليس موجب للقتل وإنما هو موجب للعقوبة في الجملة، فتكون عليه عقوبة مطلقة،ولا يلزم من العقوبة جواز القتل، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ((لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، أو زنى بعد إحصان، أو رجل قتل نفسا فيقتل بها)).

إن سب الصحابة جريمة من أبشع الجرائم قد يصل الشتم في بعض صوره في حقهم إلى درجة الكفر والخروج من الدين، وإليك أقوال العلماء في ذلك:

قال النووي في شرح مسلم: واعلم أن سب الصحابة حرام من فواحش المحرمات سواء من لابس الفتن منهم وغيره لأنهم مجتهدون في تلك الحروب متأوّلون، قال القاضي عياض: سب أحدهم من المعاصي

الكبائر، ومذهبنا ومذهب الجمهور أنه يعزر ولا يقتل، وقال بعض المالكية: يقتل.

وقال الحافظ ابن حجر في الفتح بعد أن ذكر قول عياض: وخص بعض الشافعية ذلك ويعني القتل، بالشيخين والحسنين. وكذا من كفر من صرّح الرسول - صلى الله عليه وسلم - بإيمانه أو تبشيره بالجنة إذا تواتر الخبر بذلك عنه لما تضمن من تكذيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

وذهب الإمام أحمد: فيمن سب الصحابة إلى: ضربه ضربا مبرحا، وقال: ما أراه على الإسلام.

وقال: لا يجوز لأحد أن يذكر شيئا من مساويهم ولا يطعن على أحد منهم بعيب ولا نقص فمن فعل ذلك فقد وجب تأديبه وعقوبته، ليس له أن يعفو عنه بل يعاقبه ويستتيبه فإن تاب قبل منه، وإن ثبت أعاد عليه العقوبة وخلده في الحبس حتى يموت أو يراجع.

وقال: ما لهم ولمعاوية؟

وقال: إذا رأيت أحدا يذكر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسوء فاتهمه على الإسلام.

ونقل اسحق بن راهويه القول عن أهل العلم: ومن سب السلف فليس بكفء ولا يزوج، ومن رمى عائشة - رضي الله عنها - بما برأها الله منه فقد مرق من الدين ولم ينعقد له نكاح على مسلمة إلا أن يتوب ويظهر توبته.

فكيف بعد هذا كله يتجرأ مسلم يؤمن بالله - تعالى - وباليوم الآخر على سب الصحابة والانتقاص منهم؟

ونحن نبرأ إلى الله - تعالى - من كل من يتطاول على أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - بأي نوع من أنواع الانتقاص، ونحن نتقرب إلى الله - تعالى - بحبهم ونسأله سبحانه أن يجعلنا من الذين قال فيهم: ((والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم)).

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

المراجع:

1ـ عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام - رضي الله عنهم - . تأليف: د. ناصر بن علي عائض الشيخ.

2 ـ سيرة الخلفاء الراشدين. تأليف: د. سليمان معرفي

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply