مناهج البحث وتقنياته


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إن أي موضوع لا يمكن دراسته يشكل منطقي، ومعقول، في غياب تصور، أو رؤية معينة. وأنه كلما اختلفت هذه التصورات، بين الباحثين. كلما كانت النتائج مختلفة، حتى وإن كانت الفرضيات، والمنطلقات، أو المعطيات الأولية، واحدة وهذا لا يعود إلى سوء استخدام المنهج أو الجهل بتقنيات ووسائل البحث من قبل بعض الباحثين وإنما إلى اختلاف الرؤية والتصور. فالتصور إذن هو حجر الزاوية في أي بحث حتى وإن كان خفيا غير معلن عنه، وحتى إن لم يخضع للتجربة العلمية الدقيقة. أما تقنيات البحث الأخرى، ووسائله، وأدواته، وطرقه فهي عوامل ضرورية، مساعدة، يستغلها الباحث لإنجاز بحثه وتوجيهه الوجهة الموضوعية السليمة، فهي إذا بمثابة معالم يهتدي بها الباحث حتى لا يخرج عن التصور الذي انطلق منه. هناك عدة طرق، وتقنيات علمية، لجمع المعلومات الضرورية لكل بحث، ارتأيت أن أشير إلى بعضها، نضرا لقلة المراجع في هذا المجال، وعدم اكتراث الباحثين بالتقنيات العلمية، عند القيام بأي بحث علمي. ولقد لاحظت كثيرا من البحوث، -خصوصا الميدانية منها- التي كتبها بعض الطلبة في السنة النهائية، أو الأساتذة عند إقرارهم في المناصب الإدارية، على الرغم من أهميتها. لا تستند على منهجية علمية أو تقنية واضحة، الشيء الذي يفقدها الصبغة العلمية. لأن تقنيات البحث، هي التي تعصم الباحث من الوقوع في الزلل، والأخطاء (كما ذكرت) وتعطي للبحث الأهمية العلمية. وإلا تحول البحث إلى مجرد وجهة نظر وعند ذلك يضيع كل مجهود الباحث. لا بد من الإشارة في البداية إلى أن كل البحوث تشترك على الأقل في مرحلتين هما:

(1)المرحلة الافتتاحية، وهي بدورها تشتمل على مرحلتين ضروريتين هما: مرحلة التحضير الفكري، ومرحلة التحضير المادي.

(2)تحديد مجال البحث، وفي هذه المرحلة لابد (1) من اختيار، وتحديد الموضوع بعناية(2) ضرورة صياغة الفرضيات (3)تحديد خصائص العينة لمجتمع الدراسة، أو ميدان الدراسة.

 

 تحديد الموضوع:

إن العملية الأولى لتحديد الموضوع، تتطلب منا تحديد إشكالية البحث، و وصفها بوضوح، كخطوة أساسية، باعتبارها القضية التي تشغلنا، والتي نريد معالجتها. لأنه لا يمكن أن نتصور بحث بدون إشكالية. على شرط أن تكون صالحة للبحث، والدراسة. وتضيف إلى معارفنا شيئا جديدا، ومفيدا. دون أن ننسى تعريف المصطلحات، والمفاهيم الواردة في صياغة الإشكالية. يقول بول باسكون عن الإشكالية: [يمكن تلخيصها في مرحلتين متلاحقتين: (1) التساؤل: وهو العملية التي يتحول بها موضوع البحث إلى جملة من الأسئلة الدقيقة الواضحة. تبدأ من السؤال العام الذي يطرحه البحث، ثم تتدرج بعد ذلك إلى الأسئلة الفرعية.

(2)اختيار المؤثرات، وهي المؤشرات، أو الدلالات والوقائع، التي يمك ملاحظتها، وتحديدها، أو قياسها بخصوص كل المتغيرات التي برزت في تساؤلنا] (بول باسكون إرشادات عملية لإعداد الرسائل والأطروحات الجامعية ترجمة أحمد عارف 1981)

 

(2)الفرضيات: يمكن اعتبار هذه المرحلة، من أهم مراحل خطوات البحث العلمي. لأنها عبارة عن حل مبدئي يتخيله الباحث لكشف العلاقة الموجودة بين عناصر، ومتغيرات الظاهرة، موضوع الدراسة. كما أنها تقدم لنا كثيرا من المعطيات، والمعلومات التي قد تتحقق في نهاية الدراسة، أو لا تتحقق. إن وضع الفرضية هو من صنع الباحث، وهي عملية ذات قيمة إبداعية، تدل على فطنة وخبرة الباحث، ومدى استيعابه وفهمه للإشكالية التي يدرسها، وللواقع الذي تنتمي إليه. حتى يتجنب إضاعة الوقت، في فرضيات عقلية، بعيدة عن الواقع. وهناك ملاحظات لا بد من الإشارة إليها وهي:

(1) يجب مراعاة العناصر، والمتغيرات والعلاقات الموجودة بينها في الظاهرة، عند صياغة الفرضية.

(2) أن تكون الفرضية قابلة للتأكد من صحتها، أو عدم صحتها. [أي قابلة للدراسة، والاختبار، والتجريب. على خلاف الفرضيات الميتافيزيقية، والأخلاقية، الغير قابلة للتحقق.

(3) لابد أن تكون الفرضية مرتبطة، ومنسجمة مع النظريات العلمية السابقة، التي أكدها العلم، و أصبحت بمثابة بديهة،. حتى لا يضيع الوقت في أمر، قال فيه العلم كلمته الأخيرة، وحتى يستفيد من الحقائق المكتسبة.

(4) من الخطأ الشائع أن توضع الفرضية في شكل سؤال. بينما الصحيح، أن تكون الفرضية مثبتة، ومنفية، في نفس الوقت. لأنها ستصبح قانونا، إذا تأكدت صحتها. مثال ذلك {تراكم المواد، وضغط تاريخ الامتحان، يؤدي إلى الانقطاع المبكر عن الدراسة}. {تراكم المواد وضغط تاريخ الامتحان، لا يؤدي إلى الانقطاع المبكر عن الدراسة..}وبعد ذلك فالدراسة هي التي ستؤكد صحة الفرضية أو نقيضها.

 

(3) العينة: إن الباحث، لا يستطيع أن يقوم بمسح للواقع، أو المجتمع ككل.ولذلك يلجأ إلى طريقة العينة الممثلة، والمحددة، لمجتمع الدراسة حتى يتمكن بعد ذلك من تعميم نتائج دراسته على المجتمع. فهي طريقة مختصرة للبرهنة على الفرضية، وإثباتها. على شرط أن تتاح الفرصة المتكافئة لكل وحدات الظاهرة المدروسة، لأن تكون ضمن العينة. دون إغفال أو تحيز. وهذا لا يمكن، إلا إذا تم سحب العينة بطريقة علمية، سليمة، وموضوعية. فمثلا إذا أراد الباحث معرفة آراء آباء، و أولياء التلاميذ، في عدم اهتمامهم أبنائهم بالمطالعة، فلا يمكنه أن يدرس كل آباء، وأولياء التلاميذ، لأن ذلك يأخذ وقتا طويلا، ومالا كثيرا، وجيشا من الباحثين، والمساعدين. وهذا لا يتاح إلا للدولة. ومن ثم فعلى الباحث، واختصارا للوقت، والجهد أن يختار عينة ممثلة، تمثيلا صحيحا، للآباء، والأولياء في مدينة معينة ويأخذ رأيهم في عدم اهتمام التلاميذ بالمطالعة. وبذلك يتسنى له معرفة العوامل الأساسية والثانوية الكامنة وراء عدم الاهتمام بالمطالعة. هناك أنواع من العينة نقتصر على ذكر نوعين باعتبار هما أكثر شيوعا:

(1) العينة العشوائية: على الباحث أن يعد لائحة بأسماء كل الآباء، والأولياء. واضعا رقما أو حرفا أمام كل فرد في القائمة، ثم يأخذ رقما من الجدول العشوائي (الموجود غالبا في كتب الإحصاء)، فيكون صاحب هذا الرقم، أول فرد من أفراد العينة، ثم يتابع العملية، وعند كل سحب، لابد أن يرجع إلى الجدول العشوائي. إلى أن ينتهي حجم النسبة التي حددها مسبقا، والتي قد تكون مثلا عشرة بالمائة(10/100) أو(15/100)... وبهذه الطريقة تتأكد موضوعية اختيار العينة.

(2)العينة المنظمة ذات البداية العشوائية: هذه الطريقة في اختيار العينة لا تكلفنا إلا قائمة بكل أفراد مجتمع الدراسة، وتحديد ما يسمى (بالبعد الثابت) و (الرقم المبتدئ المختار بصورة عشوئية). وهي طريقة أكثر إيجابية، لأنها تختصر وقت وجهد الباحث. وتحقق الدقة، والموضوعية في اختيار العينة.

 

(4)الملاحظة: هي مشاهدة الظواهر قصد عزلها، وفك ارتباطها، بغيرها من الظواهر الأخرى. حتى يمكن تحويلها إلى ظواهر علمية، قابلة للدراسة. ويمكن أن نميز بين ملاحظتين: عامة وهي ملاحظة عادية، تلقائية، لا تهتم بعزل الظواهر. و علمية، وهي بمثابة تجربة مصطنعة يتحكم فيها الباحث. ويمكن له أن يعدل من شروطها، بما يراه مناسبا لدراسته، حتى يتسنى له الرصد الدقيق للوقائع الجزئية المكونة للظاهرة المدروسة، ودراستها عن طريق الحواس المجردة، أو المسلحة. على شرط، أن يكون حذرا من أخطاء حواسه، وأن لا يتأثر باهتماماته الخاصة، واتجاهاته الفكرية، وأن يتحرر كليا من رواسب العادات، والتقاليد، والأهواء الشخصية، ولا يسقط حالاته النفسية الشعورية على الملاحظة، فيقع في شر الأخطاء، والأوهام، وتضيع منه جوانب أخرى من الظاهرة، موضوع الدراسة، فتنفلت منه الموضوعية. و بواسطة الملاحظة، يتم التحقق من الفرضية. والملاحظة بصفة عامة، لا يمكن أن يستغني عنها منهج من المناهج، سواء كان المنهج ألوصفي التحليلي، أو الكشفي، أو التجريبي وتستخدم في علم الاجتماع، والأنتربلوجيا، وعلم النفس، وعلم الاقتصاد، وعلم الإدارة، والعلوم الحقة... لابد من الإشارة إلى أن هناك أنواع من الملاحظة:

(1) الملاحظة العرضية الغير مقصودة، المرتبطة بالمعرفة الحسية، و التي لا تهدف إلى كشف حقيقة علمية معينة، وهي بمثابة مشاهدة يومية عادية، أو إدراك منفعي لا يتجاوز الحس. إلا إذا تحولت عن طريق الصدفة، إلى ملاحظة مقصودة. يستغلها الباحث للوصل إلى تأكيد حقيقة علمية. مثال ذلك ملاحظة بافلوف العرضية التي قادتة إلى فعل الانعكاس الشرطي، وملاحظة نيوطن التي قادته إلى قانون الجاذبية، وقانون العطالة.

(2)الملاحظة المنظمة، أو البسيطة: وهي التي يستخدمها الباحث في مجال بحث محدد، أو مشروع معين، دون اللجوء إلى أدوات القياس الدقيقة، ودون المشاركة الفعلية للباحث، وهي تفتقد إلى الضبط العلمي الصارم، لأن الباحث قد يقحم مشاعره، وأفكاره الخاصة على المبحوثين. الشيء الذي قد يؤدي إلى إضعاف درجة الموضوعية في البحث. فتكون النتيجة كما يريدها الباحث، لا كما يجب أن تكون. على خلاف الملاحظة بالمشاركة، أي مشاركة الباحث الفعلية للمبحوثين. على شرط أن يكون مقبولا داخل مجتمع الدراسة، اجتماعيا، ونفسيا. فإنها تمكن الباحث من الحصول على معلومات كافية، ودقيقة، وسليمة لموضوع دراسته. وتمكنه من خدمة أهداف بحثه، وتكسير الحاجز الذي يوجد بينه، وبين المبحوثين، وبذلك يكسب ثقتهم، ويضمن تعاونهم معه.

(3) الملاحظة المسلحة: وهي ملاحظة مجهزة، علمية، تعتمد على أدوات القياس، والتجريب العلمي، (كالميكرو سكوب، وتيلي سكوب والمجهر الإلكتروني وآلات التصوير عن بعد، وآلات التسجيل والمراقبة من وراء الزجاج الشفاف... )ويستخدمها الباحث عند دراسته لظاهرة علمية يحددها مسبقا، ويعزلها، عن غيرها من الظواهر المرتبطة بها، حتى يكون في وضع يسمح له بمراقبتها. وهذه الملاحظة قد يصعب تطبيقها في مجال العلوم الإنسانية، ولاجتماعية، على خلاف تطبقها في علم الفيزياء، وعلم الفلك، وعلم التشريح وعلم البيولوجيا، وعلم الجيولوجيا، فغالبا ما يؤتي أكله. فمثلا استطاع جاليليوأن يتوصل إلى كروية الأرض، ودورانها حول الشمس، وحول نفسها، عن طريق الملاحظة، والمراقة المسلحة بالمنظار، الذي صنعه لهذا الغرض. كما استطاع أن يتوصل إلى قانون تساقط الأجسام. قد تعترض الملاحظة العلمية عوائق، وصعوبات، ترجع كما أتصور، في الغالب إلى الباحث نفسه، أو إلى الأدوات التي يعتمد عليها، فمثلا قد يعتقد الباحث، أن الظل ساكنا، بينما هو في الواقع غير ذلك، وقد يعتقد أن السراب ماء، وأن العصا المغموسة في الماء منكسرة... ومن ثم لا بد للباحث أن يكون مسلحا بمنهج الشك، حتى لا يعرض نفسه للأخطاء التي تفسد دراسته.

 

(5)وسائل تسجيل الملاحظة والبيانات: هناك ثلاث وسائل أساسية في تسجيل جميع التفاصيل، التي تم التوصل إليها عن طريق الملاحظة، سواء كانت هذه التفاصيل أمور عادية، روتينية، أم جديدة، غير مألوفة. لأنها ستصبح بدورها، مع مرور الزمن، مألوفة، وذات قيمة، لدى الباحث. ومن ثم وجب تسجيلها، والعناية بها حتى لا تفقد أهميتها.

(أ) المقابلة: هي منهج، يعتمد على مواجهة الآخر، قصد معرفته، وسبر أغواره، وضمان أخذ أكبر حجم من المعلومات التي تهم البحث منه. وهذا لا يتأتى إلا إذا أخضعنا المقابلة للشروط التالية:

(1) تقديم البحث مع تعريفه وإعطاء معلومات عنه، وذكر أهميته.

(2) ذكر منفعة البحث بالنسبة للمبحوث

(3)الالتزام بقاعدة عدم إفشاء السر.

(4) أن لا يتقمص الباحث شخصية المخبر، أو رجل الشرطة.

(5) أن لا يكترث برفض المبحوث للإجابة عن الأسئلة، فهو أمر طبيعي، وعادي.

(6) أن يكون متأدبا في لهجته مع المسئول ومخاطبته له.

(7) أن يلتزم بموضوع البحث، فلا ينتقل من موضوع لآخر، وأن لا يستسلم للاستطراد.

(8) أن يكون يقضا، منتبها، دون أن يكثر من الكلام، أو الثرثرة لا بأس من الإشارة إلى أن هناك أنواع مختلفة من المقابلة منها:

(1)المقابلة القياسية: وهي التي يتقيد فيها الباحث بأسئلة محددة مسبقا، يطرحها على المسئول، ولا يسمح لنفسه الخروج عنها، أو عن نطاق موضوع بحثه.

(2)المقابلة الغير قياسية: وهي خلاف المقابلة القياسية، يكون الباحث حرا في صياغة الأسئلة، وطرحاها، واستبدالها عند الحاجة، شريطة تقيده، وعدم خروجه عن الموضوع.

(3)المقابلة شبه القياسية: وفيها يمزج الباحث بين المقابلة القياسية، والغير قياسية فهو يتقيد بمجموعة من الأسئلة المحددة، وفي نفس الوقت يسمح لنفسه بطرح أسئلة أخرى، لم تكن مبرمجة مسبقا. إذا رأى أن لها صلة بالموضوع ومفيدة له.

(4)المقابلة المركزة: في هذه المقابلة يعطي الباحث لنفسه الحرية المطلقة في طرح الأسئلة المهيأة مسبقا، أو المستخرجة من أجوبة المبحوث، دون أن يتقيد بأسلوب طرح الأسئلة المتعلقة بالظاهرة المدروسة طبعا.

 

(ب) الاستبيان:

هو طريقة علمية لجمع المعلومات إما عن طريق تقديم الأسئلة المكتوبة بواسطة الباحث نفسه، أو عن طريف مساعديه، أو عن طريق البريد العادي، أو الإلكتروني. فهو لا يحتاج إلى مهارة في توزيع الاستبيانات، وغير مكلف من الناحية المادية، ويشجع المبحوث الخجول، على الإجابة بصراحة، ودون حرج، وبحرية كاملة، لعدم حضور الباحث معه. كما أن هذا المنهج يمكن الباحث من توزيع البيانات على العدد الذي يريد من المبحوثين، وبالتالي يحصل منهم على معلومات كثيرة. يعتمد الاستبيان في جمع البيانات على الأسئلة المكتوبة، التي تستهدف إجابات عن الحالات التي يقصدها لباحث في موضوع بحثه، ومن ثم ينوع الباحث أسئلته، والتي يمكن أن نلخصها في ثلاثة أنواع:

(1)أسئلة مفتوحة: وهي التي لا يقيدها الباحث بإجابات معينة، و غير ملزمة للمبحوث. و تترك له الحرية في الإجابة، والتعبير عن رأيه، واتجاهه، وباللغة التي يريدها، ويتقنها. وبهذا يضمن صدقه، وتعاونه، مع تنوع الإجابات، وواقعيتها. وإن كان هذا النوع يطرح صعوبات للباحث، عند تفريغ البيانات، وحصرها، وتبويبها في خانات معينة، من أجل دراستها. مثال ذلك: {كيف تعالج قضايا الأمن لو كلفت بوزارة الداخلية؟} أو{لو حصلت على مليار دولار ماذا تفعل به؟}... وفي هذه الحالة غالبا ما تكون الإجابات عبارة عن إنشاءات مفصلة، ومتنوعة على حسب المبحوثين. ومن ثم على الباحث أن يختار الإجابات المهمة، والتي تعبر عن الفرضيات التي وضعها مسبقا، والتي يعتقد أنها تجيب عن تساؤلاته، حتى يتمكن من تسهيل عملية تفريغ البيانات في الجدول الإحصائي وتحليلها.

(2)أسئلة ذات البدائل: في هذا النوع من الأسئلة يتكفل الباحث بوضع إجابات محددة، كبدائل لكل سؤال، وما على المبحوث إلا أن يختار الجواب أو الأجوبة التي تناسب حالته. مثال ذالك: {على أي أساس تختار أصدقاءك؟ (على أساس الأخلاق) (السن) (المستوى التعليمي) (الجوار) (اختيار الوالدين) (الفصل الدراسي) (منفعة معينة)....... ومن مزايا هذه الأسئلة الاستبيانية، أن الإجابة عنها تكون محددة، وسهلة، كما أنها سريعة التحليل، وذات كلفة قليلة، ويمكن تحليلها إحصائيا، عن طريق الحاسوب، وإن كانت غالبا ما تعكس رأي الباحث الأمر الذي قد يجعل الذاتية، تطغى على الموضوعية.

(3) أسئلة مغلقة: هذا النوع من الأسئلة سهل، وواضح ومطلوب، في المواضيع المعقدة، ويجبر المبحوث على الالتزام بجواب معين، عندما لا يجد له بديلا. كما أنه يعمل على ربط المبحوث، بمادة الموضوع، والتركيز عليه. وغالبا ما تكون الإجابة عنه ب (نعم) أو (لا) مثال ذلك: {ما هو سبب الانقطاع المبكر عن الدراسة؟} {طول المقرر؟} [نعم لا] {ضغط تاريخ الامتحان؟} [نعم لا] {سبب آخر؟} [أذكره] في كل أنواع الأسئلة الثلاثة التي ذكرناها، لا بد للباحث أن يلتزم ببعض الشروط في وضع أسئلته منها:

(1)ضرورة ارتباط الأسئلة بموضوع الدراسة، وإشكالياته.

(2)لا بد أن يختار نوع الأسئلة التي تناسب البحث، من حيث كونها مفتوحة، أو مغلقة، أو ذات بدائل.

(3) ضرورة وضوح الأسئلة، وسهولتها.

(4) الابتعاد عن الأسئلة البوليسية، أو التي تلح على المعلومات الشخصية، والمحرجة.

(5) لابد من مراعاة التسلسل، الزمني، والمنطقي، عند طرح الأسئلة (-) تجنب الأسئلة التي قد تحيل إلى الحقائق، والمعارف، أو المعلومات، التي يمكن الحصول عليها من مصادر أخرى.

 

(ج) الاختبارات أو الطرق التجريبية: إن المنهج التجريبي بصفة عامة، لا يمكنه الاستغناء عن مراحل حددها \"كلود برنار\" في عبارته: {الحادث يوحي بالفكرة، والفكرة تقود إلى التجربة، وتوجهها، والتجربة، تحكم بدورها على الفكرة. } و من الجدير بالذكر، الإشارة، إلى أن جاليلي، فسر ظاهرة سقوط الأجسام، والتي أصبحت تعرف فيما بعد، بقانون سقوط الأجسام، باتباع مراحل المنهج التجريبي الأربعة وهي:

(1)الملاحظة.

(2)صياغة الفرضية.

(3)التجربة.

(4) وضع القانون. إن المنهج التجريبي إذا، ما هو إلا عبارة عن إرجاع الفكرة إلى الواقع. أي أن العالم يصنع واقعا مصغرا شبيها بالواقع الطبيعي، يسمح بتكرار الحادث، يعرض عليه الفكرة [أي الفرضية] ليتأكد من صحتها، أو عدم صحتها. ونظرا للمزايا العديدة التي يتميز بها المنهج التجريبي، والنتائج الباهرة التي توصل إليها العلماء عن طريقه، في ميدان المادة. ارتأى علماء الاجتماع والأنتروبولوجيا، وعلماء النفس والتربية، وعلماء الإحصاء... تبني هذا المنهج، واستخدامه، عندما يريدون اختبار الفرضيات، ومعرفة مدى صحتها، ومدى تأثير العامل المستقل، في تشكيل وتكوين، موقف اجتماعي معين، أو اتجاه فكري، أو سياسي في مرحة معينة، أو قياس واختبار الذكاء، والتحصيل، والميول المعرفية، والمهنية عند الطلبة، واختبار الشخصية، والقيم، والجوانب الانفعالية. أو معرفة علاقة العامل المستقل، بالعامل المعتمد، ومدى التداخل بين مختلف العوامل المسببة للظاهرة موضوع الدراسة. يعمد الباحث إلى تعريض عينة من أفراد الجماعة، إلى تأثير معين لمعرفة مدى تأثيرها، على الجماعة، وهذا ما يسمى بالعامل المستقل، أو المؤثر. ثم بعد ذلك يختار الباحث جماعة أخرى، تحمل نفس المواصفات، والصفات، التي تحملها جماعة الاختبار، أو التجريب، وتسمى بالجماعة الضابطة، ويناظر بينهما. على شرط أن يتم اختيار المجموعتين، على أسس الطريقة العشوائية، التي سبقت الإشارة إليها في مجال العينة. مع تسجل صفات الجماعة التجريبية، والجماعة المناضرة، قبل تعرضها للعامل المستقل، وبعده، في نفس الفترة الزمنية. لأن تغير الزمان، وتباعد فترات القياس، قد يؤدي إلى تفاعل الزمن، مع العامل المؤثر الشيء الذي يؤدي بدوره إلى تغيير مواصفات الجماعة التجريبية، فتفقد التجربة أهميتها، وموضوعيتها وبالتالي مصداقيتها. كما أن تغير الباحث، أو طريقة البحث ألاختباري يكون له أثر سلبي على المبحوثين، وعلى التجربة نفسها. هناك أنواع من الطرق التجريبية، التي قد يعتمدها الباحث، في دراسته الميدانية لتحديد، ومعرفة العامل المستقل، والعوامل المتغيرة، أو المساعدة، ومدى درجة تأثير كل منها على الجماعة. فقد يكتفي مثلا الباحث بجماعة واحدة، أو فرد واحد باعتباره، يمثل حالة اجتماعية معينة، أو خاصة، يخضعه للتجربة، وللعامل المستقل مرة واحدة، ويسجل جميع البيانات، والمعلومات المتعلقة بالجماعة أو الفرد، دون استخدام الجماعة المناضرة، أو الضابطة. لأن ما يهم الباحث، هو معرفة الصفات الثابتة، والدائمة، التي تتصف بها الجماعة، أو الفرد، موضوع الدراسة، دون غيره. وقد يقوم الباحث باختبار قبلي، وبعدي، على جماعة واحدة. إذ يسجل كل الصفات التي تتصف بها الجماعة، قبل إخضاعها للعامل المستقل، وبعد عرضها عليه، ليعرف التغيرات التي يمكن أن تطرأ على الصفات المتعلقة بالجماعة، وأوجه تشابهها، واختلافها، ودور العامل المستقل في ذلك. فيتمكن من إجراء المقارنة، ويبرهن في نفس الوقت، على إثبات الفرضية، أو نفيها. يمكن للباحث أيضا، أن يستخدم الاختبار القبلي، والبعدي، مع جماعة ضابطة. وذلك بسحب عينتين. إحداهما تمثل الجماعة التجريبية، والأخرى الجماعة الضابطة، ثم يسجل العوامل الثانوية، المتغيرة عند الجماعتين، وبعد ذلك يقوم بتعريض الجماعة التجريبية، للعامل المستقل ليتبين له مدى تأثيره عليها. وهذا ما يسمح له بالقيام بمقارنة بين العوامل المتغيرة عند الجماعتين. ومن الجدير بالإشارة، أن الباحث كلما زاد في عدد الجماعات، كلما زادت عنده حالات المقارنة، بين هذه الجماعات. الشيء الذي يمكنه من معرفة تطابق، أو عدم تطابق، هذه المقارنات التي قام بها، من أجل معرفة صدق الفرضية السببية، أو عدم صدقها.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply