كيف تقرأ كتب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن موضوع هذا اللقاء عن شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -، وشيخ الإسلام له مؤلفات كثيرة، وكلام كثير على المسائل في الاعتقاد وفي الفقه وفي التأصيل وفي التفسير وفي شتى العلوم الشرعية الأصلية، وكلامه - رحمه الله - وتعالى على مكانته عميق غزير كثير الفوائد جم العوائدº ولكن أكثر كلامه يحتاج إلى تبصر ونظر، يحتاج إلى من يكون عالما بالعلوم الشرعية أو طالب علم فيها حتى يفهم مراده في كلامه.

ووصف شيخ الإسلام - رحمه الله - بأنه إذا تكلم ظُن أنه لا يحسن إلا ذلك الفن، فإذا تكلم في الفقه فهو حامل رايته، وإذا تكلم في العقيدة فهو حامل رايتها، وإذا تكلم في التفسير فكأنه لا يحسن إلا التفسير، وهكذا في شتى العلوم حتى إنه قد حقق بعض مسائل نحوية ولغوية وكان قوله فيها هو الصواب - رحمه الله -.

وإذا ناظر أو تكلم مع أحد المتخصصين في فن من الفنون أفاده بأشياء لم تكن عنده، فإذا تكلم مع الفقهاء أفادهم بأشياء، وإذا تحدث مع المتكلمين أو الفلاسفة أو الصوفية أفادهم بأشياء لم تكن عندهم من العلوم، وهذا شيء مشهود له به.

وشيخ الإسلام ابن تيمية إمام أثَّر في العالم أثر في المسلمين وجدد الدين فهو مجدد المائة السابعة، وذلك لأنه نصر عقيدة السلف الصالح بمفهومها العالم ونصر ما قرره أئمة السلف بعد أن اندثر كلامهم إلا عند قليل من الناس.

لهذا نقول إن فهم كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ينبني على أشياء، وأن القارئ لكتب شيخ الإسلام ابن تيمية يحتاج إلى قراءة بعد العلم بهذه الأشياء، أما أن يكون قارئا لها وقارئا لكلامه كأنه يقرأ في صحيفة، أو كأنه يقرأ كلام مثقف، أو كأنه يقرأ كلام طالب علم عادي هذا يحدث من اللبس والخلل ما رأينا بعضه.

فكلام شيخ الإسلام ابن تيمية تميز بمزايا:

أولا: أنه كان - رحمه الله تعالى -يوجز الكلام في مسألة في موضع ويبسطها في موضع آخر، فتجده في بعض المواضع يقول: وقد بسطنا هذه المسألة في موضع آخر. ويكثر ذلك منه.

فإذن كلامه فيه اختصار الكلام على المسائل في موضع، وبسطها في موضع آخر، وما اختصر فيه يكون هو زبدة كلامه، وما طوَّل فيه يكون هو تفصيل كلامه والاستدلال له والتنظير له.

ثانيا: تميز كلامه بأنه ألَّف التآليف فيما يريد وخاصة في مسائل الاعتقاد، فجعل منها تواليف مختصرة، وجعل منها تواليف مطولة، والمختصرة كما سيأتي هي ذريعة المطولة والوسيلة إليها، فمن لم يفهم المختصرات التي ألفها شيخ الإسلام فإنه لن يعي معاني المطولات.

فله في المختصرات: الواسطية والحموية والتدمرية، وله في السلوك التحفة العراقية، وله في الكرامات قاعدة في المعجزات والكرامات إلى آخره، هذه مختصرات يؤصل فيها الكلام، ويكون هو خلاصة ما عنده من العلم في ذلك، وأما المطولات فيبسط فيها القول ويذكر أقوال المخالفين ويذكر ما يحتاج إلى ذكره من الرد عليهم.

الأمر الثالث: تميز كلامه - رحمه الله - بأنه يؤصل ويستطردº يعني تميز كلامه بتأصيل واستطراد، فالتأصيل ما يذكر فيه أصل المسألة ويذكر فيه صورتها، ويذكر فيه الحكم عليها، ثم يستطرد إما ناقلا للأقوال التي تؤيد كلامه، وإما ينقل النظائر التي تدل على أن قوله الذي ذكره صواب وأنه هو الراجح وأنه هو الذي لا يسوغ القول بغيره في بعض المسائل، وإما يكون استطر ببيان أقوال المخالفين في هذه المسألة والرد عليها.

فإذا أتى طالب العلم ونظر إلى تأصيله يقف عنده، ثم إذا نظر نظرة أخرى ووجد بداية الاستطراد يضع هنا بداية الاستطراد حتى يفرق بين كلامه في التأصيل وكلامه في الاستطراد.

وكلامه - رحمه الله - في الاستطراد إنما هو -كما ذكرتُ- لأسباب قد يكون يذكر النظائر والكلام المستطرد لا يراد منه تأصيل المسألة وإنما يراد منه التدليل على صحة الأصلº إما بتقعيد أو تنظير أو استدلال أو نُقُول أو برد على مخالف أو بيان ضعف حجة من خالف ذلك التأصيل.

لهذا ينتبه طالب العلم بأنه لا يأخذ كلامه دائما من المستطرداتº بل يأخذها من التأصيلاتº لأن الاستطراد قد يكون -كما ذكرتُ- حنى به شيئا عرض فيه لبعض ما يريد من هذه المسألة التي استطرد إليها، كنظيره لمسألة بمسألة.

مثلا خُذ كتابه اقتضاء الصراط المستقيم تجد أنه يمكن أن يُلَخَّص في صفحات يعني في أربعين خمسين صفحةº لكنه يذكر المسألة ثم يستطرد كثيرا.

كذلك في أول درء التعارض تجد أنه رد بردود مختصرة، ثم بعد ذلك استطرد بأخذ الأوجه على إبطال قانون الرازي وأتباعه باستطرادات مختلفة تبين بطلانه إما من جهة التنظير أو النقول والرد عليها كما ذكرت.

فينتبه طالب العلم أنه إذا نظر في كلام شيخ الإسلام يفرق ما بين التأصيل والتنظير، ما بين التأصيل والاستطراد، ولا يأخذ المسألة دائما من الاستطراد.

أيضا من مميزات كلامه - رحمه الله -: أن كلامه يكثر فيه المحكم والمتشابه عنده فيما يقرر محكم، وتارة في ك

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply