تحرير المرأة .. عقم المفهوم وانتهازية التطبيق


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

درجت حركة تحرير المرأة العربية على الاحتفاء بقاسم أمين رائدًا للتحرير , واعتبار كتابه "تحرير المرأة" البيان الثوري لها , لكن مفهوم "تحرير المرأة" مر بتحولات تجاوزت فكر قاسم أمين بمراحل نظرًا لاختلاف "المرحلة" والظروف المحيطة , بالإضافة إلى الإنجازات التي تحققت .. ففي حين كان الاحتكاك الإرادي بالغرب الشرارة التي أحيت الكثير من الإشكاليات في الفكر العربي والإسلامي , وقضية المرأة إحداها , وخصوصًا واضع دستور التحرير "قاسم أمين" الذي عاش في فرنسا من 1881 إلى 1885 ووضع كتابيه "تحرير المرأة" و "المرأة الجديدة" في 1889 : 1900 متأثرًا بأنموذج باهر º عاينه في حضارة حديثة ومسيطرة .

وفي حمأة الثورة العارمة من أجل الحرية في مصر وغيرها (كانت هناك مسيرة متعثرة منذ أول مشاركة دستورية حقيقية من 1866 إلى قيام الثورة العرابية لانتزاع الحق في المشاركة في السلطة) فكان "تحرير المرأة" جزءًا من مشروع البحث عن الحرية الشاملة .. وفي لحظة الانبهار هذه يكمن تفسير التقلب الملحوظ في فكر قاسم أمين بين كتبه الثلاثة "المصريون" و "تحرير المرأة" و "المرأة الجديدة" .

في هذه المرحلة استند مفهوم "تحرير المرأة" إلى تحرير جسدها من الحَجب والحجاب º باعتبارهما ينتميان إلى التراث (نقيض العصر) في وقت كان مفهوم سائد للنهضة ينبني على القطيعة معه .

وفي حين كان "الحجب" يستمد مشروعيته من خصوصية كل من الرجل والمرأة , هذه الخصوصية التي تفرض نفسها على مجال ونوع المهام التي يمارسها كل منهما , و"الحجاب" يستمد مشروعيته من اعتبار أن الجسد حامل للذة , في ذلك الحين بدأ "تحرير المرأة" بنزع الحجاب وتجاوز الحَجب باعتباره رمزًا إلى عمق الإحساس بالسجن والقيد الذي لا يستقيم مطلقًا مع قيمة الحرية على النمط العصري .

وفي سنة 1924 دخل مفهوم "تحرير المرأة" مرحلة التنظيم حيث أسست هدى شعراوي الاتحاد النسائي بعد عودتها من مؤتمر الاتحاد النسائي الدولي المنعقد في روما سنة 1922 , ثم انعقد مؤتمر الاتحاد النسائي العربي سنة 1944 الذي لقي ترحيبًا من بريطانيا والولايات المتحدة حتى إن زوجة الرئيس الأمريكي روزفلت كانت من ضمن المؤيدين , والمميز لهذه المرحلة أن ذلك كان يتم "طوعيًا" وبترحيب خارجي .

وفي مرحلة لاحقة تحولت تلك التنظيمات إلى مراكز استطالة لسلطة الغرب داخل المجتمعات العربية .. على صورة مؤتمرات دولية تشكل وثائقها أجندة عمل التنظيمات النسائية بل والحكومات أحيانًا , وفي هذا السياق يأتي مؤتمر المرأة الأول في مكسيكو عام 1975 تحت شعار "رفع التمييز ضد المرأة" ثم مؤتمر كوبنهاجن سنة 1980 ونيروبي 1985 ومؤتمر السكان والتنمية في القاهرة 1994 وبكين 1995 , وعن هذه المؤتمرات وبالتنسيق مع قياداتها تحت مظلة الأمم المتحدة انبثقت المؤتمرات العربية حيث شهدت مصر ظهور أول قمة نسائية سنة 2000 شارك فيها تسع من زوجات الرؤساء , ثم قمة المرأة العربية سنة 2001 التي شهدت إنشاء منظمة عربية للمرأة لها استقلالها في إطار جامعة الدول العربية .

وإذا كان مفهوم "تحرير المرأة" لدى قاسم أمين ركز على الحجاب وتعدد الزوجات والطلاق ونحوها , فإنه أصبح أكثر تبلورًا نتيجة الاطلاع العميق على حركة التحرر الغربية والتشبع بأفكارها , خصوصًا من خلال الانخراط في التنظيمات الدولية والإقرار بمرجعية ما يصدر عنها من بيانات وتوصيات , بحيث أصبح جوهر فكرة "تحرير المرأة" يكمن في مطلب السيطرة دون الرجل أو في العلاقة مع الرجل بحيث تركز المؤتمرات على المرأة "الفرد" (أنا أولاً) و(حقوقنا الآن) الشعار الذي اتخذته سابقًا المنظمة القومية للمرأة التي أسستها رائدة التحرر "بيتي فريدان" في أمريكا وذلك في مقابل أولويات الأسرة والأطفال.. ومن ثم اعتبرت وثيقة بكين أن "الأمومة" (الدور الذي كانت تطمح إليه المرأة لتصبح رمزًا للعطاء وتستمد منه سلطتها وسطوتها) دور "نمطي" تقليدي (بمعنى الازدراء) º لأنه مرتبط بالخضوع للرجل .

وإذا كانت المرحلة السابقة اقتصرت على الدعوة الفكرية (بدءًا من قاسم أمين) ثم التوصيات "غير الملزمة" (مع مؤتمرات الأمم المتحدة) فإن المشروع دخل طورًا جديدًا مع تبني بعض الأنظمة العربية والإسلامية له في محاولة استعجال تطبيقه بالدفع تجاه الحل السياسي من أعلى , وفي هذا السياق تأتي تعديلات قوانين الأحوال الشخصية بدءًا من مصر , ثم مشروع قانون "الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية" ـ كما سُميَ ـ في المغرب وعدد من الدول , وأخيرًا ـ وليس آخرًا ـ تعديل قانون الأحوال الشخصية في تركيا الذي أنهى سيادة الرجل على الأسرة وفرض مطالب "تحرير المرأة" كاملة وبدأ تنفيذه مطلع سنة 2002 .

في هذه المرحلة نجد أن المفهوم انتقل من مجرد "الثورة الفكرية" ليصبح "مطلبًا اقتصاديًا" وسياسيًا باعتباره ركنًا في "التنمية" ليتناسب مع توجهات مجتمع السوق والقيم الرأسمالية , وبهذا يصبح مفهوم الإلحاح على موضوع "عمل المرأة" ومنح القروض المالية من البنك الدولي للمرأة العاملة , الأمر الذي يبين تحول وسائل تنفيذ مشروع التحرير من مجرد بث الأفكار إلى التوصيات والتنظيمات ثم محاولة الفرض الحكومي الرسمي .

ـ التنظيمات النسائية.. قراءة نقدية:

إنه من اللافت للنظر تزايد النشاط النسوي في العالم العربي وتأسيس الكثير من التنظيمات النسوية (الحكومية وغير الحكومية) في البلد الواحد º فمثلاً وجد في الأراضي الفلسطينية (كما تسمى) ـ حسبما ذكر بحث موَّله برنامج الأمم المتحدة للتنمية عن المنظمات النسوية ـ أكثر من (174) منظمة حتى عام 1993 , وبعد اتفاق أوسلو في العام نفسه بدأت وتيرة النشاط النسوي في التزايد بشكل فاق التوقعات , حتى إنه ربما تجاوز غيره من الأنشطة الاجتماعية والسياسية الأخرى .. وكذلك الأمر في كثير من الدول العربية هذا فضلاً عن المنظمات الحكومية والاتحادات النسائية المرتبطة بالتنظيم العالمي للمرأة , ومن المثير للجدل .. الدعم الأوروبي والدولي السخي لهذه التنظيمات والأنشطة وتمويل صندوق المرأة التابع للأمم المتحدة لها ! وعلى سبيل المثال حصلت التنظيمات النسوية في الأراضي الفلسطينية على 5% من إجمالي المعونات الدولية المخصصة للأراضي الفلسطينية (حسب تقرير 1997) فيما لم يخصص للمجال الزراعي والصناعي إلا أقل من 1.2 % منها .

ومن الجدير بالذكر أن أي تمويل إنما يتم لأهداف محددة وله شروطه ومحدداته السياسية والثقافية , ومن ثم تخضع الأولويات لتحديد الجهات المانحة ماليًا والضاغطة سياسيًا وثقافيًا , كما أنه يتعين الالتزام بتلك الأولويات لضمان استمرار التمويل .. ومن جهة أخرى فإن التنظيمات الحكومية تخضع لأولويات النظام السياسي ووفق خلفيته الفكرية والأيدلوجية .

هذه الاعتبارات تجعل التنظيمات وما يصدر عنها من مؤتمرات وأنشطة تختلط فيها المواقف الثقافية والحضارية بالسياسية إلى حد كبير º مما يُحدث إشكاليات كبيرة على المستوى الثقافي والاجتماعي والديني º لأنه لا يمكن لنا أن  نستعير / نستنسخ جزءًا من نمط حياة قائم في بناء حضاري وثقافي معقد (الغرب هنا) من دون إدراك مكملات هذا الجزء , وتبعات ومشاكل هذا الاستنساخ على مجتمعاتنا º ما يسفر عن فجوات تفرضها خصوصية المجتمعات العربية المتعددة ثقافيًا , والمتفاوتة وعيًا وتمسكًا بالقيم الدينية (المتيقنة أو الموهومة) .

فمثلاً , إن التوجه الحكومي في اليمن لدمج المرأة في العملية الاقتصادية لا يبتعد كثيرًا عن "التوجه العالمي" والتنسيق مع جهات خارجية أو "الخضوع" لمطالب سياسية دولية بخصوص هذا الشأن .. والأهم من ذلك هو أن هذا التوجه الذي ينشغل "كلية" بالتساوق مع التوجه العالمي لا يهتم كثيرًا بخصوصية المجتمع اليمني والذي يفرض سلم أولويات يختلف عن غيره º فأبرز ما نلحظه في هذا التوجه أنه لا يهتم "الاهتمام المطلوب" بتعليم المرأة في مجتمع ترتفع فيه نسبة الأمية بشكل مقلق , خاصة بين صفوف النساء , فالإمعان في مطلب "اللجنة الوطنية للمرأة" اليمنية (وهي هيئة حكومية تأسست قبل نحو خمسة أعوام) الذي ينص على (توفير فرص التعليم وخصوصًا الثانوي لجميع النساء , وتشجيع الإناث على الاستمرار في مواصلة دراستهن لما بعد المرحلة الإلزامية وعدم الاكتفاء بمستويات متدنية من التعليم لزيادة فرص مشاركة المرأة في سوق العمل بتوفير حوافز مادية وعينية) .. هذا الإمعان يبين أن مطلب تعليم النساء ينحصر في هدف محدد جاء "مكملاً" للتوجه العام نحو إدماج المرأة في العملية الاقتصادية , بمعنى أن الاهتمام بالتعليم لغرض إشراك المرأة في سوق العمل "فقط" , الأمر الذي يؤكد ما قلناه قبلُ من قفز التنظيمات النسوية على البعد الثقافي والفكري (باعتباره كان يمثل مطلبًا مبدئيًا مع قاسم أمين ومعاصريه) , لتحقيق مطالب سياسية واقتصادية من دون الالتفات إلى الفوارق التي تعيشها تلك المجتمعات .

وكذلك الأمر بالنسبة للتنظيمات النسوية الفلسطينية التي تنشغل بقضايا الزواج المبكر والتعدد ونحوها .. في حين لم نجد تنظيمًا نسائيًا يهتم بالمقاومة والعنف الإسرائيلي !

يأتي ذلك في سياق عولمة نموذج المرأة الغربية من خلال سعي الأمم المتحدة والتنظيمات المنضوية تحتها والخاضعة لها إلى فرض منظومة من القيم الغربية على أنها قيم إنسانية عالمية , وتطالب بها كل المجتمعات وتعتبرها هدفًا يستحق النضال من أجله .. وهذا من شأنه أن يجعل قضايا المرأة (وفق تصور التنظيمات النسوية) جزءًا من مشروع "العولمة" على اعتبار أن لها تداعيات وتأثيرات تتجاوز حدود الجغرافيا والهويات وتهميش كل المرجعيات الدينية والثقافية لصالح مرجعية الفلسفة الغربية .. وهذا يعيدنا من جديد إلى أزمة العلاقة مع الغرب والحداثة , وإشكالية الهوية والمرجعية .

 ولو عدنا نتأمل القضايا التي تلح عليها كل المؤتمرات على مدار القرن الماضي لوجدناها تنحصر في مطلبين رئيسين :

الأول : حق المرأة في إثبات الوجود والمشاركة في فعاليات الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والفكرية والاجتماعية وغير ذلك  في  محاولة لإعادة صياغة العلاقة "المتخلفة" (بمعيار المقارنة مع الغرب) التي تقوم على "اقتسام" النشاط الإنساني بين الرجل والمرأة , وتجعل لكل منهما مجالاً خاصًا , مكانًا ونوعًا .. هذه الصياغة  الجديدة استدعت الكثير من القضايا مثل "القوامة" و"عمل المرأة" , ما استدعى "حق المرأة" في التشريع القانوني وممارسة أدوار قيادية سياسية وغيرها , وما تفرع  عن ذلك من إشكالات شغلت نقاشًا  طويلاً من الخطاب الثقافي والسياسي .. هذه المشاركة مع الرجل كانت كفيلة بإعادة صياغة "العلاقة"  بين الرجل والمرأة من منظور "حديث" و "واقعي" بعد أن كان ذلك الاحتكاك استثنائيًا وفي نطاق ضيق جدًا , وبعد أن كان الرجل هو المسؤول عن الدور القيادي في البيت وخارجه .

و"الحقوق" هذه تستدعي  ضرورة مبدأ "المساواة" الذي شغل مساحة كبيرة من المؤتمرات المتوالية ثم من التشريعات في بعض  الدول العربية والإسلامية كتركيا ومصر والمغرب وغيرها.. والإقرار بهذا المبدأ  كفيل بإعادة صياغة خارطة العلاقة بين الرجل والمرأة في  البيت وخارجه , ومن أبرز القضايا التي تحضر هنا "القوامة" , وبالتالي تأثيراتها على تنظيم شؤون الأسرة وتربية الأولاد , وحق الطلاق , وسفر المرأة وعملها من دون إذن الزوج , والتساوي في الميراثº بل اقتسام الممتلكات بالتساوي بعد الانفصال أو الوفاة , وغير ذلك مما قد يعود بالنقض على  مسلّمات دينية ونصوص صريحة .

إن توسيع مشاركة المرأة في الاقتصاد من خلال تأمين فرص العمل بالاستناد إلى مفهوم "المساواة" وكذا باقي المجالات .. من شأنه أن يغير كثيرًا من ملامح الخارطة الاجتماعية والثقافية للأسرة العربية º لنجد أنفسنا أمام "نمط" مختلف , يثير كثيرًا من الإشكالات التي سنستوردها من "النموذج المثال" الذي نحاكيه , من دون تَبيِئَة هذا الاقتباس نفسه (قد رأينا بعض هذه البوادر من خلال أَنثنة الإعلام العربي عامة) º فتأمين فرص العمل لكل امرأة (من المهم هنا تَذَكر عجز الحكومات عن القضاء على  البطالة بتوفير فرص عمل للرجال) من شأنه أن  يرفع ـ إلى حد كبير ـ من نسبة البطالة في مجتمعات "نامية" كمجتمعاتنا , كما من شأنه أن يضع بثقله على قوانين وأعراف "الزواج" ليعاد ترتيبها وفق الوضع الجديد (بطالة الرجل وفقره , وخلق نساء رأسماليات) وربما نصل إلى أن تدفع المرأة المهر كما في كثير من ولايات الهند , أو أن يعول كل من الزوجين نفسه كما في الغرب .

المطلب الثاني :

تركز حول "حرية" المرأة في ممارساتها ونشاطاتها .. والحرية هنا تعني الانعتاق من أي سلطان (وفق التصور الغربي) º وإذا كان المطلب الأول يركز على "الحقوق" بوصفها نشاطًا , فإن الثاني يركز على "الحرية" بوصفها قيمة لا بد أن تحضر في كل النشاطات التي تمارسها المرأة .

وتحت هذا المطلب تندرج كثير من القضايا الشائكة أبرزها حرية المرأة في التصرف بجسدها (الحرية الجنسية , والتحكم بالحمل وبجنس الجنين , والإجهاض , وتشكيل الجسد كما تشاء أو هكذا تتصور) في مقابل منع التعدد , وهو ما ركزت المؤتمرات وخاصة مؤتمر السكان ووثيقة بكين .. يأتي هذا في زمن ازدهرت فيه فنون صناعة الجسد وفنون الاهتمام باللذة الجنسية ومستلزماتها (الإعلان , التجميل , الموضة , العطور , الملابس الداخلية والخارجية , الإكسسوارات , مسابقات الجمال , عروض الأزياء , فنانات ذوات أجساد ..) , وأصبح فيه الجنس والجسد هما الثقافة السائدة (في النموذج المثال الذي يراد عولمته) بالتحالف مع العقل المادي الساعي لتعظيم اللذة والربح وتقديمهما على كل هدف آخر , بعد أن كان الجنس والجسد يخضعان للثقافة السائدة التي يساهم في تشكيلها الدين والعرف الاجتماعي .

ومن المهم هنا أن الحرية الجنسية لا تقتصر على العلاقة الطبيعية (ذكر وأنثى) بل تتسع لتشمل اشتهاء المماثل والدخول معه في ممارسة فعلية ربما تؤدي إلى الاكتفاء به عن الشريك الطبيعي , الأمر الذي سيصل إلى الاعتراف به قانونيًا كما في ألمانيا مثلاً , بالرغم من وجوده بكثرة في أمريكا وفرنسا والسويد والكيان الصهيوني وغيرها .

إن الإشكالية الجوهرية التي تنشأ عنها كل هذه الإشكاليات هو تَعَمّد التنظيمات النسوية العربية (حكومية وغير حكومية) تجاوز النسق الثقافي والديني الخاص بنا , وتَبنّي النموذج الغربي للمرأة لتحقيق مكاسب خاصة بتأثير الإرهاب أو الإغراء الدولي , وتحدي معتقدات ومفاهيم الجماهير التي تبقى على الدوام مشدودة إلى ثوابت دينية (سواء متيقنة أم مظنونة أو موهومة) فضلاً عن نسقها الثقافي الذي يتميز بكثير من الخصوصية والتحفظ إزاء نقيضه الغربي الذي تلح نخبنا (الثقافية والسياسية) المنتمية إلى ثقافته على فرضه وتعميمه .

إن غياب المؤتمرات والتنظيمات النسوية العربية عن الاهتمام بشكل رئيس بموضوعات التربية والأسرة والعنوسة (سجلت بعض الإحصائيات أن في مصر 9 ملايين عانس) وصورة المرأة في وسائل الإعلام (خاصة أن هذه المؤتمرات لها صفة رسمية بمعنى أنها قريبة من مواقع القرار) وعن قضايا مشاكل الدعارة والبغاء المتنامية في العالم العربي , وعن خطاب المجلات النسائية الاستهلاكي , الذي ينشغل كلية بجماليات الفن لصناعة أجساد وفق المقاييس المحددة مسبقًا للجسد المثال في عالم يشكل فيه الجسد الأنثوي كل مقتضيات التوظيف في عالم المال º لأن قطاع الإنتاج لا يرى في المرأة سوى جسد , ومن ثم يشترط ـ في الدرجة الأولى ـ جمال الهيئة في معظم المهن التي تشغلها المرأة ليكون الجسد هو أداة التواصل بين المالك والزبون , إن غياب كل ذلك عن أجندة التنظيمات يؤكد اغترابها عن المطالب الحقيقية للمرأة لاستلابها لمرجعية مختلفة كليًا عن مرجعية مجتمعاتها , كما يؤكد على البعد الاقتصادي في "تحرير المرأة" .

هذا العبث الذي يصر على تغيير ملامح حياتنا يجعل من أولوياتنا الحالية العودة إلى قضية المرأة وإعادة تأهيلها ومعالجة مشاكلها من سياق واقعها وثقافتنا ومرجعيتنا الدينية , والتأكيد على صناعة كوادر نسائية قادرة على العطاء والإبداع في المواقع الفكرية والاجتماعية وغيرها º فقد تسبب تجاهلنا لمشاكل المرأة وغيابها أو تغييبها (بفعل عادات وتقاليد واجتهادات غير واعية) بإتاحة المجال لكثير من الاختراقات , وحدوث هذه التشوهات والالتباسات التي نعايشها.. وغني عن القول : إن الحل لمشاكل المرأة لا يكون بالقوانين والقرارات "الرسمية" أو بتسييسها º لأنها مشاكل ثقافية واجتماعية منبنية على الوعي الديني والثقافي والاجتماعي .

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply