أردتك أسداً لا ثعلباً


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

قيل أنه كان لأحد التجار ولد وحيد، فلما بلغ أشده أعد له أحمالاً من البضائع النفيسة، و أرسله يتاجر بها، فبينما هو سائر بأحماله، و قد توسط البرية، رأى ثعلباً قد شاخ و كبر حتى عجز عن المشي ولم يعد يستطيع أن يخرج من جحره إلا زاحفاً، فقال في نفسه: ما يصنع هذا الثعلب في حياته؟ وكيف يقدر أن يعيش في هذه الصحراء المقفرة، وهو لا يقدر أن يصيد؟ وبينما هو كذلك إذ بأسد قد أقبل وفي فمه كبش، فوضعه على مقربة من الثعلب وأكل حاجته، ثم تركه، وانصرف، فأقبل الثعلب يجر نفسه إلى أن أكل ما تبقى عن الأسد، وكان ابن التاجر ينظر إليه. فقال: سبحان الله، يرسل الرزق للثعلب وهو في مكانه لا يستطيع المشي وأنا أتعب وأسافر لأرتزق وعاد وأخبر والده بالأمر، فقال الأب: إني أرسلتك تتجر وتتعب كي تكون أسداً تطعم الناس، لا أن تكون ثعلباً تنتظر أن يطعمك سواك.

رغم طرافة هذه الحكاية وربما عدم وقوعها لكن أحببت أن أجعلها مدخلا لمفاهيم ومعان بودي أن نقف عندها نتأملها جيدا لتكون واضحة في أذهاننا فنستفيد منها و نؤصلها في أنفسنا و في الآخرين.  

الأولى: لا تكن عالة على غيرك و اسع في الأرض:

لأن ابن التاجر اعتاد أن يعيش عالة على والده، يصرف عليه و يعطيه فكان أول ما تبادر إلى ذهنه أن يصنع كما يصنع الثعلب لا الأسد فرجع لوالده يحمل مفهوم التواكل لا التوكل و فرق بينها ففي الأول اعتماد على الله سبحانه وتعالى لكن بدون بذل سبب إنما مجرد تمني و الثانية اعتماد عليه سبحانه مع بذل الأسباب. وهذا المفهوم يجدر بنا أن نؤصله في أنفسنا واقعيا بعيدا عن النظريات وأن نسترشد فيه بهدي المصطفى صلى الله عليه و سلم.

الثانية: علينا أن نهجر عالم الأماني و الأحلام:

 وأن نخوض غمار الحياة، لأن المطالب العالية لا تأتي بالأمنيات بل بالتضحيات ورحم الله شوقي إذ يقول:

   و لكن تؤخذ الدنيا غلابا                             و ما نيل المطالب بالتمني

فمن كان يتوقع أن يحصل على ما يريد بمجرد أنه يعرف ما يريد أو أن يتمناه فقد أخطأ، لا بد من السعي والطلب، يذكر أنتوني روبنز في كتابه قدرات بلا حدود أنه درس الأسباب التي بذلها الكثير من القادة والمؤثرين في حياة شعوبهم أيان كانت مبادئهم سواء مبادئ اصلاحية أو تدميرية فوجد أنها وضوح الهدف والسعي الدؤوب لتحقيقه. لم يعرف أن مزرعة أثمرت بمجرد أمنيات المزارع، وهذا المبدأ ليس بجديد علينا أمة الإسلام لننتظر أنتوني ليخبرنا به بل هو أصيل في شريعتنا الغراء  كثيرا ما أمرنا الشارع به ومن ذلك قوله سبحانه و تعالى "فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ  {7} وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ { 8 }" الزلزلة، كذلك قوله جل في علاه "وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {105}" التوبة ، وقول المصطفى – صلى الله عليه و سلم 

الثالثة: الإنسان قيمته بقدر عطائه و بقدر ما يعمل:

فمن كان أسعى كان بالمجد أجدرا              ولم أجد الإنسان إلا ابن سعيه

ابحث عن العمل الذي يناسبك ولا تتهرب من المسئوليات فيكون حالك كحال النعامة التي قيل لها: احملي وانقلي، فقالت: أنا طائر. فقيل لها: طيري وامرحي، فقالت: أنا بعير.

كلمات يجب أن يكون لها مساحة كبيرة في قاموس حياتنا، قال طاغور: سأل الممكن المستحيل: أين تقيم فقال في أحلام العاجز. مع العزيمة تتصاغر العظائم و تتحقق المعجزات و تضيق دائرة الغير ممكن، بالعزيمة شيدت الحضارات وقامت الدول وبالعزيمة انتشرت الديانات والملل وبالعزيمة افترق الناس إلى رفيع ووضيع وبالعزيمة سيطر الإنسان المخلوق الضعيف على الدنيا وأقام بها حضارته، و لأبي قاسم الشابي

يعش أبد الدهر بين الحفر                          ومن لا يحب صعود الجبال

يجب على الواحد منا أن يشحذ همته ويجددها دائما، قال العقاد: "ما الإرادة إلا كالسيف يصدئه الإهمال ويشحذه الضرب والنزال"،"فإذا عزمت فتوكل على الله" آل عمران :159

وصلى الله على سيدنا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply

التعليقات ( 1 )

111

-

Charbel

11:41:56 2021-06-26

كن اسدا