الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
في مسيرتنا للإصلاح، وفى طريقنا للتغيير الإيجابي، نحن أشبه ما نكون بركاب سفينة تمخر عباب البحار تتقاذفها الأمواج وهى تتجه صوب شاطئ الأمان.
وسفينة الدعوة لا تختلف عن سفينة البحار والمحيطات، كلتاهما تحتاج إلى ربان ماهر، وركاب حريصين على النجاة، وكلاهما -الربان والركاب- متعلق بالله: {وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه} الإسراء 67.
وفى حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل القائم على حدود الله، والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة ؛ فأصاب بعضهم أعلاها؛ وبعضهم أسفلها؛ فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا، ولم نؤذ من فوقنا؛ فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعا).
وكل من يخالف مخالفة، أو يرتكب محظورا، أو يحطم قاعدة، إنما يخرق خرقا في سفينة الدعوة، ويعرض الجميع لخطر الغرق.
فالذين يشهرون بالأبرياء ويلوثون سمعتهم بدون بينة، والذين يروجون للإشاعات، دون تثبت أو ترو، ومراجعة الأمر لدى أهله، إنما يخرقون خروقا في سفينة الدعوة، {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ? وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى? أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ? وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا"}النساء 83.
والذين يسيئون الظن بالمسلمين، والذين يأكلون لحوم إخوانهم بالغيبة، والذين يفسدون العلاقات بين إخوانهم بالنميمة إنما يخرقون خروقا في سفينة الدعوة، فلا نطلب النجاة لإخواننا من سجون الظالمين، بينما نخوض نحن فيهم مع الخائضين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ}الحجرات 12.
والذين يهرفون بما لا يعرفون، والذين يتسرعون في نقل الأخبار ولا يتثبتون، وينقلون ما لا يوثق بصحته، إنما يخرقون خروقا في السفينة، ولأن ننتظر حتى يأتينا قليل الصواب خير من أن نأثم بنقل كثير من الخطأ حتى وإن كنا حسنى النية.
والذين يهيجون النفوس، ويشحنون الصدور، إنما يخرقون خروقا في سفينة الدعوة، وواجب الوقت يدعونا إلى الحفاظ على الصف، وروح الأخوة، واستحضار أركان العهد مع الله، ونبل الغاية، والسعي في طمأنة القلوب، حتى نسد الخروق في سفينتنا.
والذين يفشون أسرار دعوتهم، وينشرونها على الملأ، ويهدونها لعدوهم المتربص، إنما يخرقون خروقا في سفينة الدعوة. وقد روى مسلم أن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: [أتى عليّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا ألعب مع الغلمان، فسلّم علينا فبعثني إلى حاجة فأبطأت على أمي، فلما جئتُ قالت: ما حبسك؟، قلت: بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لحاجة، قالت: ما حاجته؟، قلت: إنها سر!!، قالت: لا تخبرنّ بسر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحدا. قال أنس -لثابت- بعد مرور زمان على الواقعة: والله لو حدثتُ به أحداً لحدثتك به يا ثابت).
أما الحريصون على نجاة السفينة، فهم كل رابط الجأش، مشيع للأمل، مثبت لمن بجواره في السفينة حتى تمر العاصفة، دون أن يخرق فيها خروقا، ودون أن تنال العواصف من أخلاقه، أو تحركه من ثباته، وهو في ذلك وجل من قوله تعالى {فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا}النحل 94.
بالله عليك.. لا تخرق سفينة دعوتنا، ولا تشمت بنا أعداء فكرتنا، ولا تطفئ نار قلوب المتربصين برسالتنا، وغدا ترسو السفينة إلى بر الأمان، وما هي بأحلام، ولكنها عقيدة كل من أبحر في سفينة الدعوة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد