صديقي يتمنى الموت


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

التقيتُ مساء اليوم شابًّا فقيرًا، بلَغ من فقره أنْ بدَت فقارُه؛ وهذا هو سبب تسمية الفقير .

كان مريضًا قبل أيام... قابلتُه اليوم، فنظر في وجهي، ثمَّ قال: يا وليد، الحياة همٌّ وغمٌّ .

أتمنَّى الموت؛ فهو خير من الحياة .

كنتُ متكئًا، فجلستُ، وأمعنتُ فيه النَّظر وأنعمتُه، قائلًا: لماذا يا حبيبي؟! تمنِّي الموت ليس حلًّا للخلاص مما أنت فيه.

عزيزي، إنَّ الدنيا ليسَت بدار مكافأة؛ وإنَّما دار عمل ومدافعة.

الحياة ليسَت بالمال، ولا بالجمال... الحياة ليست ماديَّة جسمانيَّة؛ وإنَّما هي روحانيَّة إيمانيَّة.

ألم تَسمع إلى خبَرِ العالِم "أبي قلابة عبدالله بن زيد الجرمي البصري" رحمه الله الذي تقطَّعَت أطرافُه، ولم تبقَ جارِحة فيه إلا أصيبَت! ثمَّ هو دائم الحمد لله.

دخل عليه أحد النَّاس، فلمَّا رآه على حالَته تلك مع لَهجه بذِكر الله، قال له: علامَ تَحمد الله؟

ابتسم، ثمَّ قال: نِعم الله كثيرة عليَّ، ولو لم يكن منها إلَّا أن رَزقني لسانًا أحمده به، لكفى!

يا صديقي، (كن جميلًا، تَرَ الوجود جميلًا)، لماذا تتمنَّى الموت؟.

هل أنت مستعد له؟.

قال: لا، ولكن: رحمة الله عظيمة، وأنا لستُ فاجرًا، كما تَعرف يا وليد؟.

قلتُ له: قال عليه الصلاة والسلام: ((لا يتمنَّينَّ أحدكم الموتَ لضرٍّ نزل به))، والضرُّ: شامل، سواء كان مرضًا أو فقرًا، أو غيره، فكلها أضرار وأوضار.

يا صديقي، أتظن أنَّك وحدَك من تشكو الفقرَ والفاقة؟.

لا، انظر إلى أدبار الصَّلوات، في مساجدنا، كيف ترى النَّاس، هذا حاملٌ ابنَه، وذاك ابنتَه، وذياك والده!

يشكون الفاقةَ والحاجة! أحالُهم أفضل منك؟.

أخي، كلُّنا نشكو ونتألَّم، ونهتمُّ ونغتمُّ ونحزن، وتمرُّ بنا المنغصات والمنقصات، ولكن نحمد اللهَ على كلِّ حال، ولنا أسوة وقدوة في نبيِّنا عليه الصلاة والسلام، والصَّحبِ الكرام، كيف عاشوا، وكيف كانوا؟

يا رفيقي، أتظن أنَّ التجَّار والموسرين هم في خلاء وجلاء وحلاء؟!

كلَّا، والله، إنَّهم يعيشون في مرارات وحرارات، وإن كانوا قد قُضيَت لهم الحاجات! فهم لا يَخلُون من منغِّصات الحياة، من نوع آخر، وهكذا (النَّاس في نقص).

وأذكِّرك بحيٍّ راقٍ، مَرَّ بجواره فقيرٌ وغنيٌّ، قال الغني للفقير: آه، كم في هذه "الفِلَل" من آهاتٍ وآحات!

يا أخي، انظر للطير، كيف يتغنَّى ويغرِّد ويَشدو، وعمره بعض يوم، ولا يملك قوتًا أو ماء، وبينما هو يشجينا بتغريدِه، إذ جاءه نسرٌ أو صقر، فاختطفه، وأكلَه، وانتهَت حياتُه، وهكذا إخوته يعلمون مصيرَهم، ولكنَّه (صراع البقاء)، أفيكون عصفور أقوى وأعزم وأحزم منَّا؟!.

فما كان منه بعد هذا الكلام، إلَّا أن انبلجَت أسنانُه، وأبرقت أساريرُه، وذهب عنه التقطيب، وشعر بالتطييب، ثمَّ قال: صدقت يا أخي، أنا أحبُّ الحياة، وسأعمل فيها بطاعةِ الله، وأَرضى بقِسمة الله.

فحيَّيتُه، وودعتُه، داعيًا له بالتوفيق والسلامة.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply