بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
مفهوم "الولاء والبراء" من المفاهيم التي كثر الحديث عنه، وخاض فيه المختص وغير المختص، وأحسن تفسيره من أحسن، وأساء تفسيره من أساء، وحاول كثيرون استغلاله لتحقيق مآرب أخرى.
وهذا كله أحدث لغطاً وسوء فهم لدى المسلمين حول أمر من أمور العقيدة التي يجب أن يؤمن بها كل مسلم؛ خصوصاً في فهم ارتباطه بآيات البرِّ والإقساط والإحسان لغير المسلمين.
لذا ارتأيت أن أقدم توضيحاً مفصلاً ومبسطاً لمفهوم "الولاء والبراء" لغة وشرعاً، وهل يتعارض مع الأمر بالبرِّ والإقساط بغير المسلمين، ومن الله تعالى التيسير وعليه وحده التكلان.
"الولاء والبراء" لغة وتاريخاً وشرعاً:
* "الولاء والبراء" لغة:
(في هذا اعتمدت على المصادر التالية: "لسان العرب لابن منظور، القاموس المحيط للفيروزآبادي، مختار الصحاح لأبي بكر الرازي").
الولاء:
الولاء يعني النصرة.
الوَلاء مصدر، وهو في معنى وليّ وأولياء، والوِلاية النُّصرة، وفي أَسماء الله تعالى: الوَليُّ هو الناصِر.
البراء:
البراء يعني المفارقة والتنصُّل والتخلُّص وقطع الصلة.
بَرَاء وبَرَاءة وبُرُوءًا: تَبَرَّأ، وبَارَأَ شريكه فارقه، وتَنَصَّلَ فلانٌ من ذنبه تبرَّأ، وتخلى عن أو من الأمر تبرَّأ وانتفى منه، وبَرِئتُ إليك مِنْ فلانٍ أي تنصلت منه وقطعت صلتي به، وأبرَأني الله من المرض أي عافاني، وقال ابن الأَعرابي: "بَرِئَ إِذا تخلَّص، وبَرِئَ إذا تنزَّه وتباعد".
* "الولاء والبراء" تاريخاً:
أما تاريخ ظهور هذا المصطلح، فلم يتم الاتفاق عليه، فمنهم من نسب ظهوره إلى الخوارج، ومنهم من نسبه إلى الإمام ابن تيمية، ولم يتم التحديد بوضوح في أي زمنٍ ظهر هذا المفهوم.
* "الولاء والبراء" شرعاً:
الولاء:
يقول الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى: (الولاء محبة المؤمنين وموالاتهم).
ويقول الدكتور محمد أبو فارس: (الولاء هو الحب والنصرة والطاعة، ولا يكون هذا إلا للمسلم؛ فكما أن أولياء الشيطان يوالي بعضهم بعضًا؛ فإن أولياء الرحمن يوالي بعضهم بعضًا).
ويقول الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق: (الولاية الثابتة من كل مسلم لأخيه المسلم تشمل ما يلي: الحب، والنصرة، والتعاطف، والتراحم، والتكافل، والتعاون، وكف كل أنواع الأذى والشر عنه، وبعض هذه الأمور الإيجابية يدخل في باب الفرائض والواجبات، وبعضها يدخل في باب المستحب والمندوبات).
ويشمل "الولاء" كذلك: تولي العبد ربه ونبيه باتباع الأوامر واجتناب النواهي.
ومن أدلة "الولاء":
- }اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{ سورة البقرة:257.
- }إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَن يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ{ سورة المائدة:55-56.
- }إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ... {سورة الأنفال:72.
- }وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ{ سورة التوبة:71.
- }ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ{ سورة محمد:11.
- }إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ {سورة الحجرات:10.
- "المسلم أخو المسلم" متفق عليه.
- "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً" متفق عليه.
- "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد. إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" رواه البخاري ومسلم.
- "المسلمون كرجل واحد، إذا اشتكى عينه اشتكى كله، وإن اشتكى رأسه اشتكى كله" رواه مسلم.
البراء:
يقول الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى: (البراء بغض الكافرين ومعاداتهم والبراءة منهم ومن دينهم).
ويقول الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق: (البراء هو الموقف الواجب على كل مسلم تجاه الكفار)، ثم حدد فضيلته هذا الموقف في أربع نقاط: (أولاً: وجوب الالتزام بالإسلام كله، ثانياً: وجوب إعلان البراءة من الكافرين، ثالثاً: تحريم إعانة الكافر على المسلم، رابعًا: تحريم اتخاذهم بطانة وحاشية).
ومن أدلة "البراء":
- {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ{ سورة البقرة:256.
- {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ{ سورة آل عمران:28
- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ{ سورة آل عمران:118.
- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ{ سورة المائدة:51.
- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ{ سورة الممتحنة:1.
- {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ{ سورة الممتحنة:4.
- {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ {سورة الكافرون:1-2.
من كل ما سبق يتضح مفهوم "الولاء والبراء"، ويبقى التساؤل: هل ينافي هذا المفهوم أو يتعارض مع الآيات الآمرة بالبرِّ والإقساط وإحسان معاملة غير المسلمين؟ وهل إحسان معاملتهم يعني اتخاذ غير المسلمين أولياء من دون المؤمنين الذي نهانا الله تعالى عنه؟؟
لا تعارض أبداً بين البر والإقساط لغير المسلمين المذكور في قوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ{ سورة الممتحنة:8؛ إذ آيات "البراء" إنما هي لمن عادى الله تعالى وظاهر المسلمين في دينهم، أما من لم يفعل فليس له إلا البر والإقساط من المسلمين، وأدلة ذلك كثيرة، منها:
1- قول الله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ{ سورة الممتحنة:8.
قال الإمام القرطبي في تعليقه على الآية: (هذه الآية رخصة من الله تعالى في صلة الذين لم يعادوا المؤمنين ولم يقاتلوهم).
2- قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ
الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{ سورة المائدة:57.
وهو نصٌّ واضحٌ في أن المطلوب معاداتهم هم من اتخذوا ديننا هزواً ولعباً.
3- قول الله تعالى: {سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوَاْ إِلَى الْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوَاْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ
ثِقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَـئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً{ سورة النساء:91.
فنحن نقاتل من لم يُلقِ إلينا السَّلَم "الصلح" لا كل غير مسلم.
4- قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلآئِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ{ سورة المائدة:2.
قال الإمام القرطبي في معنى: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ{: (وقال أبو عبيدة والفراء: معنى "لا يجرمنكم" أي لا يكسبنكم بغض قوم أن تعتدوا الحق إلى الباطل، والعدل إلى الظلم).
5- قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ{ سورة المائدة:8.
"قال الإمام القرطبي: ({وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ{ على ترك العدل وإيثار العدوان على الحق)؛ ثم قال: (ودلت الآية أيضا على أن كفر الكافر لا يمنع من العدل عليه)؛ إذ العدل فرض واجب علينا، حتى مع من نبغضه ممن عادانا وقاتلنا من الكفار.
6- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا دعوة المظلوم، وإنكان كافراً، فإنه ليس دونها حجاب" رواه الإمام أحمد وصححه السيوطي.
ويعلق الإمام المناوي على الحديث بقوله: (إن دعوته إن كان مظلوماً مستجابة وفجوره على نفسه).
7- يقول الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى: (وليس معنى بغضهم وعداوتهم أن تظلمهم أو تتعدى عليهم إذا لم يكونوا محاربين ، وإنما معناه أن تبغضهم في قلبك وتعاديهم بقبلك ولا يكونوا أصحابا لك ، لكن لا تؤذيهم ولا تضرهم ولا تظلمهم فإذا سلموا ترد عليهم السلام وتنصحهم وتوجههم إلى الخير كما قال الله عز وجل: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ{ الآية.
وأهل الكتاب هم اليهود والنصارى وهكذا غيرهم من الكفار الذين لهم أمان أو عهد أو ذمة لكن من ظلم منهم يجازى على ظلمه، وإلا فالمشروع للمؤمن الجدال بالتي هي أحسن مع المسلمين والكفار مع بغضهم في الله للآية الكريمة السابقة، ولقوله سبحانه: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ{؛ فلا يتعدى عليهم ولا يظلمهم مع بغضهم ومعاداتهم في الله، ويشرع له أن يدعوهم إلى الله ويعلمهم ويرشدهم إلى الحق لعل الله يهديهم بأسبابه إلى طريق الصواب، ولا مانع من الصدقة عليهم والإحسان إليهم لقول الله عز وجل: {لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ{).
8- يقول الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق حفظه الله تعالى: (ومن الأمور التي لا تنقض أصل البراءة من الكفار أيضا مجاملة الكافر المعاهد والذمي والمستأمن والإحسان إليه والأصل في هذا هو قوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ{(الممتحنة: 8) ويدخل في البر بهم عيادة مرضاهم، واتباع جنائزهم، وقبول هداياهم والإهداء لهم، وتهنئتهم في الأفراح، وتعزيتهم في الأحزان، ومساعدة فقرائهم والمحتاجين منهم، وزيارتهم في منازلهم، وقبول دعوتهم، والدعاء لهم بالهداية، ونحو ذلك، وهذا مما أجمع عليه المسلمون ولا مخالف لذلك ممن لهم رأي يُعتَدُّ به).
والحقيقة أن قول فضيلته حفظه الله تعالى: (وهذا مما أجمع عليه المسلمون ولا مخالف لذلك ممن لهم رأي يُعتَدُّ به) هو قولٌ فصلٌ يسدُّ الطريق أمام كل فهمٍ خاطئ، ويغلق الباب في وجه كل من يبغي سوءًا.
ليس هناك أدنى تعارض بين عقيدة الولاء والبراء والأمر بالعدل والبر والإحسان وأداء الحقوق لغير المسلمين، بل للدنيا كلها؛ فالأمران يخرجان من مشكاة واحدة، فالمصدر الذي جاءت منه النصوص التي أمرت بالمولاة والمعاداة هو ذاته المصدر الذي جاءت منه النصوص التي أمرت بالعدل والبر والإحسان وأداء الحقوق إلى أصحابه.
هذا -باختصار- هو "الولاء والبراء" في ديننا بوضوحٍ وجلاء، ولا تعارض أبداً بينه وبين العدل والإقساط والبر، بعيداً عما يفهمه الفاهمون، ويتوهمه المتوهمون، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد
التعليقات ( 1 )
مقال رائع أجاب عن تساؤلات ويرد على شبهات
-محمد أحمد
01:45:07 2017-04-04