المعهد العلمي السعودي بمكة المكرمة


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

 

إضاءة تاريخية:

اقترن اسم مكة المكرمة وتاريخها بالعلم والمعرفة منذ إشراقة الوحي السماوي بالأمر بالتماس صوت المعرفة (اقرأ) وحين أضاء إشعاع شمس الإسلام شرع المسجد الحرام يجمع بين دوري العلم والعبادة؛ فانتشرت حلق التعليم في أروقة وباحات الحرم الشريف مواكبة تجمعات الكتاتيب التي كانت تؤدي دور التعليم الأولي وإعداد النشء لاكتشاف وتلمس بوابة المعرفة .

وهكذا فـقـد تواكب حضـور وانتشــار مـدارس العـلـم حول البيـت العـتيق ، وفي دور العـلمـاء والرُّبط (= الأربطة) والمساجد والزوايا وتوالى توافد أئمة وعلماء الإسلام وطلبة العـلم إلى البلد الأمين وتشكلت تكوينات مدارس العلم المكية من المشيخات والأسر العلمية التي أطلعت أجيالاً من العلماء و (العالمات) وأهل العلم على امتداد الزمن المكي في تاريخ العلم والتعليم والثقافة الإسلامية .

 

المدارس النظامية بالبلد الحرام:

وعندما انجلى ظهور المدارس النظامية في القرن الرابع الهجري في الأمصار والمراكز العلمية الإسلامية أخذت البادرة بأريحية الخلفاء والولاة والأمراء والمحسنين والمحسنات نحو إنشاء المدارس الدينية في بلد الله الحرام منذ أواخر القرن السادس الهجري؛ فأسفر وجه أولى هذه المدارس وهي مدرسة الزنجيلي عام (579هـ)، فمدرسة طاب الزمان الحبشية (580هـ)، ومدرسة العفيف الأرسوفي (591ه)، وسلسلة من نحو ثلاثين مدرسة توالت أصباح ظهورها امتدادًا إلى القرن الثالث عشر الهجري مختتمة بمدرستي (المحمودية) و (الداودية) على أن تجليات نشأة المدارس النظامية المنهجية الحديثة كانت من بوادر التعليم الأهلي فولدت هذه المدارس الرائدة: الصولتية (1292هـ)، والفخرية (1296ه)، ودار الفائزين (1304هـ)، ومدرسة محمد حسين خياط الخيرية / 1326هـ (التي صارت المدرسة التحضيرية الهاشمية، ثم المسعى، ثم الرحمـانـيـة الحاليــة)، والفــلاح المكـيــة (1330هـ) ومدرسة الماحــي (1339ه)، والتـرقـي العلميـة (1342هـ)، ومدرسة عبد الله خوجة النجاح الليلية لمحو الأمية وتعليم الكبار (1350هـ) وغيرها مما تناولته المراجع، وتناولناه في مقالات عديدة وفي بحث تاريخي موثق .

 

على مر العهود الثلاثة بمكة المكرمة:

وثمة مدارس حكومية عديــدة تقاسمتهــا العهود الثلاثة: العثمــاني التركي، والهاشمي، والسعـودي، أدت أدوارًا تعليميــة ريــاديــة -مناسبــة أو متفــاوتــة- مثــل المــدارس الرُّشــديــة التركــيــة في: جــدة (1291هـ)، وفي المدينــة (1293هـ)، وفي مكـة وينبــع (1302هـ) وفي الأحساء (1319ه)، وفي الطائــف (1327ه)؛

ومثل مدرستــي: برهــان الاتحـــاد والصناعيـــة بمكــة (1328هـ)، والمدارس التحضيرية الهاشمية التي أنشئت (1335ه) في مكة وجدة والمديـنة والطائف وينبع،

والمدرستين الهاشميتين: الراقيــة والعاليــة بمكـة (1335هـ) ومثل هذه المدارس التحضيرية والمتخصصة التي قامت في مكة عام (1335ه): مدرسة حارة الباب (الفيصلية حاليٌّا)، ومدرسة المعلاة (السعودية حاليٌّا)، ومدرسة الشامية (العـزيزية = الملك عبد العـزيز الآن)، والمدرسة الحربية، والمدرسة الصناعية، والمدرسة الزراعية غير أن التطور النوعي لمستوى التدرج التربوي للتعـليم ما فوق الابتدائي (= الثانوي) -باستثناء المدرسة الهاشمية العالية (1335هـ - 1342هـ) -لم يكن ذا حضور تربوي إلا في (الصولتية)، وفلاح مكة وجدة، ودار العـلوم الدينية المكية (1353هـ)، والعلوم الشرعية في المدينة المنورة (1340ه) .

 

بزوغ المدرستين المكيتين:

وهنا يبزغ وجه المدرستين المكيتين الحكوميتين السعـوديتين العتيدتين: المعهد العلمي السعودي وتحضير البعثات؛ فبولادتهما بين عامي (1345هـ - 1355هـ) انداح أفق تربوي جديد لبناء جسر يصل بين التعـليم الابتدائي والتعليم العالي (= الجامعي)، مما أتاح للطلائع الطلابية -في بلادنا- أن تظفر بفرص التعليم العالي؛ فتتصل بالدراسة الجامعية من خلالهما، وتنطلق طلائع البعثــات العلمية الحكومية من محاضنهما.

وكان من ثمار غراسهما عناقيد من العلماء والفقهاء والأدباء والوزراء ورجال وبناة الدولة والمجتمع والطلائع من الأساتذة الأكاديميين في الكليات والجامعات الرائدة، مع امتداد مشاركة الفلاحيين وغيرهم من الطلائع العلمية.

ولقد كان ثمة قسم داخلي للطلاب الوافدين من خارج مكة، وثمة طلاب (مبتعثون) ابتعاثـًا داخليًا من القصيم ونجد للدراسة بالمعهدين، وكانت هناك منح دراسية تنعم بها الدولة على طلاب بعض الدول الإسلامية مثل (إندونيسيا وماليزيا) للدراسة بالمعهد العلمي السعودي، وقد نال عدد من طلاب هذه البعثات الجنسية السعودية، وانخرطوا مواطنين في بعثات عليا خارج المملكة، وشاركوا في أداء الرسالة بموطنهم المجتبى .

 

مصادر مكية لتاريخها وسيرتها:

وثمة مصادر مرجعية تناولت تاريخ وسيرة المعهدين، وفي طليعتها: خواطر من ذكرياتي / لمحمد حلمي آل سعيد، وذكريات/ لأحمد علي الكاظمي، ومذكرات طالب سابق / لحسن نصيف، وذكريات مدرس / لعبد الرحمن الصباغ، والانطلاقة التعليمية في المملكة / لعبد الله بغدادي وتاريخ التعليم في مكة المكرمة / لعبد الرحمن صالح عبد الله، وتاريخ التعليم في المملكة في عهد مديرية المعارف العامة / لعلي محمد شلبي والتعليم الحكومي المنظم في عهد الملك عبد العزيز / لعبد اللطيف بن دهيش، ولمحات عن التعليم وبداياته في المملكة / لعبد العزيـز بن عبد الله آل الشيخ والبعثات السعودية في عهد الملك عبد العزيز / لصالح جمال حريري، وملفا المعهد العلمي السعـودي ومدرسة تحضير البعثات، ووثائق وتقاريروزارة المعارف، وصحيفتا أم القرى وصوت الحجاز، ومقالات عبد الرزاق حمزة (ذكريات عن المعهد العلمي السعودي/ صحيفة عكاظ) وذكريات محمد العـربي عن تحضير البعثات / مقابلة مدونة.. وسواها.

 

المعهد العلمي السعودي بالبلد الحرام:

نبتت فكرة ومسمى (المعهد) في ذهن المدير الثاني للمعارف عام (1345ه) الشيخ محمد كامل القصاب (1290-1373هـ) الذي اقترح المشروع التربوي لهذه المؤسسة التعليمية الجديدة باسم (المعهد الإسلامي) لإعداد معلمين تربويين للتعليم الابتدائي وكانت رؤيته نابعة عن خبرة تربوية سابقة ومتقدمة لمجاراة النظم التربوية الحديثة في المراكز التعليمية المتقدمة في تجربة التربية والتعليم.

 

بداية المعهد السعودي بمكة المكرمة:

أشرع (المعهد) أبوابه للدراسة في شهر جمادى الآخرة من عام 1345هـ، في مقره الأول (بناية مكتب الاتحاد والترقي العثماني: مدرسة برهان الاتحاد السابقة بحي أجياد - أمام مبنى مالية مكة المكرمة)، فكان أول مدرسة حكومية تنشأ في عهد الملك عبد العزيز وأول مؤسسة علمية ثانوية في المملكة استهدفت تعليم وتخريج معلمين للمرحلة الابتدائية. وبإطلالة شهر رجب افتتح (المعهد) قسمًا ليليًّا لتعليم الموظفين، وتولى التدريس بهذا القسم مدير المعهد: محمد بهجت البيطار، ويوسف ياسين، ورشدي ملحس ومحمود الحمصي، وما لبثت هذه الدراسة الليلية أن ألغيت في شهـر رمضان لعـزوف الدارسين وانقطاعهم عن الــدراسة.

 

إدارته ومشايخه المكيين:

أنيطت إدارة (المعهد) بالشيخ محمد بهجت البيطار - العالم السلفي السوري، واستقدم للتدريس فيه مدرسون سوريون ومصريون بالإضافة إلى المدرسين الوطنيين من نخبة المربين والعلماء؛ فكان من السوريين: محمود الحمصي، وسعدي ياسين وحسن زكريا. ومن المصريين: سليمان أباظة الأزهري، ومحمد عبد الرزاق حمزة، وعبد الظاهر أبو السمح، ومحمد حامد الفقي وإبراهيم الشورى، ومحمد عبدالله الغـزالي، وحسـيـن الـتـرجـمـان .

ومن الوطـنيـيـن: محمد أمين فـودة، ومحمد علي خوقـير ومحمد حلمي آل سعـيد، ومحمد عثمان الشاوي. واستقدم لتدريس اللغة الإنجليزية من الهند: أحمد مؤمن، وانضم إلى هؤلاء من المغرب: محمد تقي الدين الهلالي، وعبد الرحمن أبو حجر.

 

بداية انطلاقته المكية:

بدأت الدراسة بفتح فصل دراسي واحد لجميع الطلاب الذين تقدموا للدراسة، ثم قسموا إلى فصلين مراعاة للمستوى المعرفي والفروق الفردية بين ذوي التأهيل الجيد والضعيف .

وكانت مواد الدراسة: اللغة العربية ممثلة في: القواعد، والإملاء، والقراءة والمحفوظات والإنشاء، والخط، والمحادثة، الخطابة والتجويد، والتفسير، والحديث ومصطلحه، والفقه وأصوله، والتوحيد، والحساب، ومسك الدفاتر، والتاريخ، وتقويم البلدان، والتربية الوطنية؛ وسنن الكائنات، والأخلاق، واللغة الإنجليزية، فالتربية وطرق التدريس ثم أخذ تطوير المقررات الدراسية يتوالى في مراحل تالية حتى عام 1372هـ .

على أن الدراسة لم تستمر لتناقص الطلاب وانصرافهم عن المواظبة واستكمال الدراسة؛ فأغلق المعهد أبوابه بعد عطلة عيد الفطروبقي متوقفـًا حتى مستهل العام الدراسي 1347هـ حيث أعيد افتتاحه بتنظيم جديد وإدارة جديدة كان مديرها إبراهيم الشورى وبحافز مادي مُغر في مكافأة شهرية قدرها جنيهان ذهبيان لكل طالب، وكانت مدة الدراسة ثلاث سنوات مسبوقة بسنة دراسية إعدادية.

وفي عهد إبراهيم الشورى تغير اسم (المعهد الإسلامي) إلى (المعهد العلمي السعودي). وتخرجت الدفعة الأولى عام 1350هـ، واحتفل بتخرجها ومثولها أمام ملك البلاد: الملك عبد العزيز الذي أوصى بتلبية رغبات تعيينهم في الجهات المطلوبة. وكان من طلائع طلاب وخريجي هذا المعهد العتيد في دفعته الأولى: أحمد علي أسد الله الكاظمي وأخوه عبد الحميد، وعبد الله عبد الغني خياط وعبد اللطيف أبو السمح، ومحمد أحمد البنانـي، ومحمد مظهر، وعلي الألفي، وعبد الرحمن القويز، وحسين محمـد السليمـان وعبد المجيد التيجي المصري، وعلي صادق الليبي.. وسواهم، وكانوا ثلاثة وعشرين دارسًا مثلوا الدفعة الأولى.

 

تطويرات المعهد السعودي المكي:

وفي توالى تطوير التعليم في (المعهد) أنشئ عام 1352هـ قسم (القضاء الشرعي) لتخريج القضاة ومدرسي العلوم الشرعية ويقبل للدراسة فيه خريجو المعهد، ومدة الدراسة عام دراسي، واستمر هذا القسم في أداء رسالته ثلاث سنوات ، ومن أعلام طلابه وخريجيه حمد الجاسر. ومن مدرسي هذا القسم: إبراهيم الشورى، وأحمد محمد العربي، وحسن محمد كتبي، ومحمد أحمد شطا ومحمد تقي الدين الهلالي، ومحمد عبد الرزاق حمزة، ومحمد عثمان الشاوي. وشهد عام 1366هـ تطويرًا جديدًا في مدة ونظام ومناهج الدراسة؛ فزادت مدة الدراسة سنة خامسة، واشترط للقبول فيه الحصول على الشهادة الابتدائية، وصار يمنح الطالب بعد اجتيازه اختبار السنة الثالثة (شهادة القسم التجهيزي)، ويمنح شهادة (قسم المعلمين الثانوي) بعد إحرازه النجاح في السنة الخامسة وغدا منهج الدراسة يسمح للطالب أن يتخصص في العلوم الشرعية أو اللغة العربية، وصارت اللغة الإنجليزية تدرس في السنوات الخمس وقرر تدريس (العلوم الحديثة) في جميع السنوات الدراسية، كما حظي الخمسة المتفوقون من خريجي المعهد بفرصة الابتعاث لاستكمال الدراسة العالية في الجامعات المصرية. وفي هذا العام تفرد المعهد بإدارة مستقلة مديرها المربي والأديب الكبير عبد الله عبد الجباربعد أن كان منضمًا إلى مدرسة تحضير البعثـات تحت إدارة المـربـي الأديـب وأستاذ الأجـيال السيد أحمد العربي في (قلعة جبل هندي) منذ عام 1358هـ ، وانتقل المعهد إلى موقع جديد في حي (القشاشية) عام 1369هـ، ثم إلى (الزاهر) عام 1375هـ .

 

شخصيات مكية بالمعهد السعودي:

وقد تعاقب على إدارة هذا المعهد كل من:

محمد بهجـت البيطـار

إبراهيم الشورى

علي الحبشي

شيخ بن علي با بصيل

أحمد العربي (مدير المعهدين)

عبد الله عبد الجبار

محمد حلمي آل سعيد

سعيد الجندول

عبد الملك ملا ؛ حيث ألغي هذا المعهد الشهير باستحداث معهد المعلمين الثانوي عام 1381هـ .

ومــن أعلام مدرسي المعهد العلمي السعـودي - غير من سبق ذكرهم في الجيل الأول - من الوطنيين:

عبد الله عبد الجبار (مديره منذ عام 1366هـ)

محمود قاري وابنه عبد الله

محمد البناني

إبراهيم فطاني

علي هندي

محمد علي شالواله

عبد الرحمن صباغ

علي جعفر

محمد نور الجماوي

عبد الله أحرار خوجة

سعيد بوقري

حسن زمزمي

عبد الغني زمزمي

عبد الله بوقس

إبراهيم علاف .. وغيرهم.

وكان بعض هؤلاء مشتركين في التدريس بين المعهدين في فترة انضمامهما بالقلعة:

ومن المصريين: محمد علي أحـمدين ، ومحمد أبو شهبة ، وعـبد الخالق عضيمة ، وإبراهيم مخلوف ، وعبد الرحمن عثمان وجلال جاويش ، وعبد اللطيف سرحان ، ومحمد البلجيهي ، ومحمد متولي الشعراوي .. وسواهم .

ومن أعلام طلابه: عبد الكريم الجهيمان، وأحمد عبد الغفور عطار، وإبراهيم السويل، وحسين عرب، وحامد دمنهوري وصالح وأحمد جمال، وإبراهيم فودة، وعبد العزيز الرفاعي، وعبد الله بغدادي، وعبد العزيز الخويطر، وناصر المنقور وعبد الله بوقس، وعبد العزيز وحسن آل الشيخ، ومحمد سليمان الشبل.. وغيرهم ممن سبقهم وجايلهم وتوالى بعدهم لأجيال متعاقبة.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply